بعد فوز ريشي سوناك.. كيف سيتغير المشهد في المملكة المتحدة؟
تعيش المملكة المتحدة، حالة من الاضطراب في المشهد السياسي؛ فبعد استقالة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، تم اختيار السيدة ليز تراس كرئيسة للحكومة البريطانية، ولكنها وبعد فترة وجيزة تقدمت باستقالتها.
وقالت تراس أمام مقر رئاسة الحكومة في لندن قبيل تقديم الاستقالة: "في ظل الوضع الحالي لا يمكنني إتمام المهمة التي انتخبني حزب المحافظين للقيام بها"، مضيفة: "لذلك تحدثت إلى جلالة الملك تشارلز الثالث لإبلاغه بإستقالتي من رئاسة حزب المحافظين".
وبعد قرار ليز تراس، بالاستقالة، عاد التوتر للمشهد السياسي في بريطانيا، خاصة في ظل الحديث عن الأسماء التي من المتوقع أن تخلفها، وازداد التوتر من جديد بعدما انتشرت أخبار عن عودة بوريس جونسون من جديد وعزمه على عودته لقيادة الحكومة البريطانية.
ومساء اليوم الأثنين، حسم البرلمان البريطاني الجدل حيث أعلن فوز ريشي سوناك، وزير المالية البريطاني الأسبق بزعامة حزب المحافظين ورئاسة وزراء بريطانيا، بعد 5 أيام من استقالة رئيسة الوزراء السابقة ليز تراس.
وأصبح ريشي سوناك، ثالث رئيس وزراء لبريطانيا في غضون سبعة أسابيع، حيث تسلمت ليز تراس رئاسة الوزراء رسميا من بوريس جونسون فى 6 سبتمبر وتركتها فى 20 أكتوبر الجارى، بعد 45 يوما فقط مما يجعلها أقل رؤساء وزراء بريطانيا بقاء فى المنصب، ويعد أول رئيس وزراء بريطاني هندوسى وأغنى ساكنى داونينج ستريت على الإطلاق.
وقالت تقارير إن سوناك حصل على تأييد أكثر من 190 من أعضاء حزب المحافظين الحاكم في مجلس العموم للترشح لانتخابات الزعامة، أي بزيادة 90 عضوا على الأقل عن الحد الأدني المطلوب لخوض السباق.
وأعلن فوز سوناك اليوم بعد عام مضطرب للغاية في الحكومة وبالنسبة له شخصيًا، وذلك بعدما فشلت بينى موردنت المنافسة أمامه فى أن تحصل على الـ 100 صوت اللازمة لتجاوز العتية الضرورية للترشح رسميا للمنافسة أمام نواب حزب المحافظين، وقالت حملة موردنت أنها تمكنت من جمع 90 صوتًا.
فمن هو رئيس وزراء بريطانيا الجديد، وإلى أين تعود أصوله وما هي مؤهلاته وتاريخه السياسي؟
وُلد سوناك في ساوثهامبتون عام 1980، من عائلة من أصول مهاجرة، حيث هاجر أجداده من البنجاب في شمال غرب الهند إلى شرق إفريقيا، بعدها هاجر والداه في الستينيات إلى إنجلترا.
فيما كان والده طبيبًا عامًا، وكانت والدته تدير صيدليتها الخاصة، بحسب موقع "Britannica".
درس سوناك، في وينشيستر كوليدج المرموقة، ثم التحق بجامعة "أكسفورد"، وبعد تخرجه منها في عام 2001، أصبح سوناك محللًا في شركة Goldman Sachs، وعمل في شركة الخدمات المصرفية الاستثمارية حتى عام 2004.
لكن بصفته باحثاً في برنامج فولبرايت، تابع بعد ذلك درجة الماجستير في إدارة الأعمال في جامعة ستانفورد، حيث التقى بزوجته المستقبلية، أكشاتا مورثي، ابنة نارايانا مورثي، الملياردير الهندي وأحد مؤسسي عملاق التكنولوجيا Infosys.
وبفضل نجاحه في الأعمال التجارية وحصة زوجته البالغة 0.91 في المائة في Infosys، بدأ الزوجان في جمع ثروة كبيرة، والتي تقدر بنحو 730 مليون جنيه إسترليني (877 مليون دولار) في عام 2022 بحسب صحيفة "صنداي تايمز".
في عام 2010، بدأ سوناك العمل لحزب المحافظين، وخلال هذه الفترة انخرط أيضًا في Policy Exchange، وهي مؤسسة بحثية رائدة في مجال المحافظين، حيث أصبح رئيساً لوحدة أبحاث السود والأقليات العرقية (BME) في عام 2014.
وفي ذلك العام نشر موقع Policy Exchange كتاباً بعنوان "صورة بريطانيا الحديثة"، وهو كتيب كتبه سوناك مع ساراتا راجيسواران، نائب رئيس الوحدة.
عام 2014، تم اختياره كمرشح حزب المحافظين لمجلس العموم ممثلاً لريتشموند في شمال يوركشاير، وهو مقعد في شمال إنجلترا شغله لفترة طويلة زعيم الحزب (1997-2001) ويليام هيج.
ثم أعيد انتخابه للبرلمان في عامي 2017 و2019، وصوت ثلاث مرات لصالح خطط رئيسة الوزراء تيريزا ماي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومن 2015 إلى 2017 كان عضواً في لجنة اختيار البيئة والغذاء والشؤون الريفية وسكرتيراً برلمانياً خاصاً في وزارة الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية.
في يناير 2018 تم تعيينه في أول منصب وزاري له كوكيل دولة بوزارة الإسكان والمجتمعات والحكم المحلي.
يُعد سوناك مؤيد قوي لجونسون
وأصبح سوناك مؤيداً قوياً لسعي بوريس جونسون لقيادة الحزب، وعندما أصبح الأخير زعيماً ورئيساً للوزراء، كافأه بترقية، وعينه رئيس السكرتارية بوزارة المالية في يوليو 2019.
لكن خلال فترة توليه منصب الرجل الثاني في وزارة المالية، تصاعدت التوترات بين رئيسه، وزير المالية ساجيد جافيد، وجونسون، ثم عندما استقال جافيد في فبراير 2020، استبدله جونسون بسوناك، الذي أصبح، في سن 39، رابع أصغر شخص يتولى هذا المنصب على الإطلاق.
وعلى الفور تقريبًا، واجهت ريشي التحديات المتعددة التي أحدثها وصول جائحة فيروس كورونا إلى بريطانيا.
فأسس برنامج دعم اقتصادي واسع النطاق خصص حوالي 330 مليار جنيه إسترليني (400 مليار دولار) في شكل أموال طارئة للشركات.
كما دعم رواتب العمال بهدف الاحتفاظ بالوظائف وتخفيف عبء الإغلاق على الأفراد والشركات على حد سواء.
فيما حظيت برامج الإنقاذ هذه بشعبية كبيرة، وأصبح سوناك وجه الحكومة اللامع في المؤتمرات الصحافية اليومية حيث بدا رئيس الوزراء أقل اتزانًا.
ملامح حكومة سوناك
كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية، عن مرشحين محتملين للمناصب الوزارية في حكومة ريشي سوناك، الذي تم انتخابه لمنصب رئيس وزراء بريطانيا.
وأوضحت الصحيفة البريطانية، أن رئيس الوزراء الجديد من المرجح أن يبقي جيريمي هانت وزيرا للمالية، كما دعمه في الصيف.
أما بالنسبة لوزارة الخارجية، فقد يظل جيمس كليفرلي، وهو من أنصار بوريس جونسون وليز تراس، على رأس الوزارة، إلا أن بيني موردونت، ووزير العدل السابق دومينيك راب، مرشحين لمنصب وزير الخارجية.
تجدر الإشارة إلى أن موردونت يبدو خيارًا منطقيًا لمنصب وزيرة الدفاع، بالنظر إلى أنها كانت ترأس القسم سابقًا، ووزير الدفاع الحالي، بن والاس، ليس من مؤيدي سوناك، لكن التخلي عنه قد يقوض محاولات رئيس الوزراء الجديد لتوحيد حزب المحافظين.
وأكدت الصحيفة أن وزير الداخلية الحالي جرانت شابس أيد سوناك، لكنه لم يتلق بعد تأكيدات بأنه سيبقى في هذا المنصب.
ومن بين المرشحين المحتملين الآخرين لمنصب وزير الداخلية، سويل برافرمان، التي استقالت من هذا المنصب في اليوم السابق لإعلان تروس استقالتها، ووزير الإسكان والخدمات المجتمعية السابق لبريطانيا العظمى مايكل جوف.
السفينة السياسية لبريطانيا إلى أين؟
يبدو أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد ريشي سوناك، أولويته هي توحيد البلاد، حيث تعهد بالعمل بـ"نزاهة وتواضع".
وقال سوناك، في كلمة مقتضبة له من داخل مقر حزب المحافظين في ويستمنستر عقب فوزه بزعامة الحزب ورئاسة الوزراء، اليوم الاثنين:"لاشك أننا نواجه تحديا اقتصاديا كبيرا، والآن نحتاج إلى الاستقرار والوحدة، وسأجعل ذلك أولويتي القصوى، أن أوحد حزبنا وبلدنا، لأن هذا هو السبيل الوحيد للتغلب على التحديات التي نواجهها وبناء مستقبل أفضل وأكثر ازدهارا لأطفالنا وأحفادنا".
وتعهد بأن يخدم في منصبه هذا بنزاهة وتواضع، وأضاف:"من دواعي سروره أن أتمكن من خدمة المملكة المتحدة"، واصفا المملكة بأنها "بلد عظيم".
وأشاد سوناك برئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس على إخلاصها وتفانيها في قيادة البلاد "في ظل ظروف صعبة بشكل استثنائي في الداخل والخارج"، على حد تعبيره.
وأعرب عن تشرفه بدعم زملائه من حزب المحافظين.