عمرو عبدالمنعم يكتب: مرض العشوائية يهدد روح المدن الجديدة!
المدينة أنبل شيء صنعه الإنسان، لكنه يحتاج إلي تطوير وتنمية وتدخل قانوني دائم حتى لا تتحول المدينة إلى عشوائية تسيطر عليها مجموعات من (المنتفعين) يستغلون ظروف وحاجة الآخرين في التربح غير المشروع.
يقول الطهطاوي في "تخليص الإبريز": “فلو تُعُهِّدت مصر وتوفرت فيها أدوات العمران لكانت سلطان المدن ورئيسة بلاد الدنيا”
لا أميل للتشاؤم، لكن أخلاقيات الزحام تهدد المدينة، بأكثر ما كان من قبل، وتجعل للريف ميزة خاصة لا يزال يحتفظ بها، من هدوء وطبيعة وصفاء نفس لأهله، وبرغم الحرمان من خدمات كثيرة، وغياب المراكز الثقافية والتعليمية أسوة بالمدينة، وهو ما دفع بالملايين للهجرة إلى المدينة "الفاضلة" المتخيلة!
لقـد اسـتخدم( لـويس التاسع )عبـارتين يصـف فيهمـا الظـروف بالغـة السـوء فـي المراكـز الحضـرية وهمـا (صراع الفـردوس، وصـراع الجحـيم)؛ فالمسـاكن المتزاحمـة فـي شـوارع المدن العشوائية تبعـث علـى الملـل، مساكن مكتظـة بأعـداد هائلـة مـن الكائنـات البشـرية التـي تتحمـل الازدحـام الشـديد والفقـر تبعث على الفوضي، إلـى جانـب الكثيـر مـن الأمـراض الاجتماعيـة ( البلطجة المنظمة – والجريمة الخفية ) .
وتحـدث الكثيـر من علماء الاجتماع عن الأحياء المتخلفة في باريس مثلا والعشوائية السكانية التي تؤدي إلى العشوائية السلوكية، وهنا يأتي دور علماء الاجتماع والدين في النفاذ إلي هذه الظاهرة .
في إحدى جلسات مجموعة الحوار الوطني سألت نقيب المهندسين م. طارق النبراوي عن خطة النقابة في التعامل مع الهندسة الاجتماعية للمناطق العشوائية والتعامل مع سيسيولوجيا الجريمة والإرهاب من خلال تخطيط عمراني سليم، وكيف نخرج خطة هندسية اجتماعية (البشر قبل الحجر)، أجاب الرجل في اهتمام شديد انهم بصدد التعامل مع البنية الاجتماعية للمناطق الجديدة، وأنهم مسؤولون عن المشروعات التي تسند لهم وليس مشروعات الدولة التي تنفذها الهيئة الهندسية لكن هنا خطة موجوده في هذا الصدد .
فكرة تطوير المناطق العشوائية فكرة ناجحة بلا شك واستثمارات الدولة المصرية في مشروعات الإسكان المتوسط وفوق المتوسط في غاية الأهمية، لان لها تأثيرات كبيرة في الحد من الجريمة وعمليات التجنيد العشوائية للإرهابيين المنتشرة في مناطق المطرية وعين شمس وشبرا وغيرها من المناطق صلبة التكوين الاجتماعي والعصية على التغيير السيسيولوجي .
هذه المشروعات تحتاج إلى أيد أمينة لتطوير خريطة المجتمع المصري، والحفاظ على العائلة المصرية ثم الاسرة المنبثقة من العائلة وهو واجب الدولة، ومشروع "سكن مصر" و"دار مصر" و"جنة" ورغم استيعابه لأعداد كبيرة من المصريين من شرائح متوسطة كثيرة، إلا أن أداءه على الأرض سواء في مراحل الحجز أو ما يعقبها من سداد، وما يتعلق بالصيانة، ومضاهاة المشروع بالنتيجة، تحتاج لنظر كبير!، وقد عانيت شخصيا من تلك المشاكل ولا أزال!
عودة للبدء: إن سيطرة (العشوائية المنظمة) على الفراغ المتروك خطر، والتعامل مع العقول والنفوس وتدارك (عشوائية السلوك) يجب ان تكون بالتوازي مع قواعد التطوير الجغرافي والعمراني، ويجب الدفع بعجلة تطوير السلوك البشري للمصريين لأنه سينعكس على العمران وترجع ريمة لعادتها القديمة!!