بعد رفع العقوبات الأمريكية.. هل تصبح فنزويلا مصدّر نفط رئيسيًا لأمريكا؟
منحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، عملاق النفط "شيفرون كورب" في فنزويلا رخصة لاستئناف إنتاج النفط في فنزويلا بعد أن أوقفت العقوبات الأمريكية جميع أنشطة الحفر قبل نحو ثلاث سنوات، حيث يتراجع مخزون الديزل في الولايات المتحدة لأدنى مستوى منذ خمسينيات القرن الماضي، بحسب تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وحصلت شركة Chevron على ترخيص لمدة ستة أشهر يصرح للشركة بإنتاج البترول أو المنتجات البترولية في فنزويلا، وفقا لترخيص عام من وزارة الخزانة الأمريكية.
وسمح أيضا لشركة "شيفرون كورب" ومقرها سان رامون بولاية كاليفورنيا، باستئناف صادرات النفط الخام التي كانت قد توقفت منذ عام 2019، عندما شددت الولايات المتحدة العقوبات ضد الدولة العضو في منظمة أوبك.
الرئيس الأمريكي يتعهد بمنع منح أي رخص حفر وتنقيب جديدة
ويبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن بدأ يعي أن مسألة زيادة إنتاج النفط الخام لشركات الطاقة الأمريكية داخل الحدود الأمريكية، غير ممكن في الوضع الحالي، بسبب تعهده في أكثر من مناسبة منع منح أي رخص حفر وتنقيب جديدة.
إلا أن السوق الأمريكية قد تشهد ارتفاعا كبيرا على أسعار المشتقات خلال وقت لاحق من العام الجاري، مع دخول فصل الشتاء وزيادة الطلب المحلي، خاصة على سلعة الديزل الشحيحة في البلاد.
ويتراجع مخزون الديزل في الولايات المتحدة لأدنى مستوى منذ خمسينيات القرن الماضي، بحسب تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، إذ ينتقل جزء من الدخل إلى أوروبا، ليعوض غياب الديزل الروسي.
فنزويلا أمل الولايات المتحدة
وهنا، جاءت فنزويلا السوق القريبة على الولايات المتحدة، والبداية من منح شيفرون رخصة الإنتاج والتنقيب مجددا هناك، في خطة على ما يبدو لتحويل البلد الأمريكي الجنوبي ليكون مصدرا لتغطية حاجة الولايات المتحدة من الطاقة.
وخلال 2022، تظهر بيانات منظمة أوبك، أن إنتاج فنزويلا بلغ بالمتوسط 670 ألف برميل يوميا هذا العام، وهو رقم متراجع مقارنة مع سنوات مضت.
فالإنتاج الحالي، لا يزال بعيدا عن 2.9 مليون برميل التي أنتجتها قبل عقد من الزمن؛ وتراجع الإنتاج بعد العقوبات وسوء إدارة حقول النفط والمصافي بموجب القواعد الاشتراكية لهوجو تشافيز ومادورو.
وتتمتع فنزويلا بأكبر احتياطيات من النفط في العالم، وتمتلك ما يُقدَّر بنحو 303.65 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، بعد أن بلغت ذروة عند 303.8 مليار برميل عام 2020.
الولايات المتحدة تأمر بوقف كامل عمليات الحفر في فنزويلا
وفي عام 2020، قبل أن تأمر الولايات المتحدة بوقف كامل لعمليات الحفر، كانت حصة شيفرون من إنتاج النفط الخام الفنزويلي 150 ألف برميل يوميا.
ويأتي تخفيف العقوبات بعد إعلان وسطاء نرويجيين استئناف المحادثات السياسية بين الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة في نهاية هذا الأسبوع؛ إذ كانت عودة فنزويلا إلى طاولة المفاوضات شرطًا رئيسيًا لتخفيف القيود على إنتاج النفط الخام للدولة المعتمدة على النفط.
ومع استعداد الاتحاد الأوروبي لحظر واردات النفط الخام من روسيا في الخامس من ديسمبر/كانون الأول المقبل، تسعى الولايات المتحدة للتخفيف من أزمة الطاقة التي أدت إلى التضخم وتباطؤ النمو في جميع أنحاء العالم.
لا يعني المنح أن إنتاج النفط سيرتفع على المدى القصير؛ إذ قال مايك ويرث الرئيس التنفيذي لشركة شيفرون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن الأمر قد يستغرق "شهورا وسنوات لبدء صيانة وتجديد الحقول والمعدات وتغيير أي نشاط استثماري".
وبمجرد رفع العقوبات، يمكن لمشاريع شيفرون زيادة الإنتاج إلى 200 ألف برميل يوميا في فترة ستة أشهر إلى عام من 150 ألفا حاليًا.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان "يعكس هذا الإجراء سياسة أمريكية قائمة منذ فترة طويلة لتخفيف مستهدف للعقوبات بناء على خطوات ملموسة ترفع المعاناة عن الشعب الفنزويلي وتدعم استعادة الديمقراطية".
وأضافت أن مجموعة شيفرون يمكنها أن تعاود جزئيا أنشطة الشركة التابعة لها في فنزويلا بالشراكة مع الشركة الفنزويلية العامة "بيتروليوس"، مع التأكد من أن الأخيرة "لن تتلقى أي عائدات من مبيعات النفط التي تقوم بها شيفرون".
وقال متحدث باسم شركة شيفرون إنها تراجع شروط الرخصة.
اتفاق السلطة والمعارضة
ووقعت السلطة والمعارضة في فنزويلا، السبت، في مكسيكو "اتفاقا جزئيا ثانيا على صعيد الحماية الاجتماعية" في ختام مفاوضات ترصدها كل من الولايات المتحدة وفرنسا والنرويج والمكسيك وكولومبيا من كثب.
وقال وزير الخارجية المكسيكي مارسيلو ايبرارد إن ممثلي الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة وقعوا هذا الاتفاق، إثر مفاوضات تشكّل "أملا لأمريكا اللاتينية برمتها" و"انتصارا للسياسة".
وبعد تعليقها لخمسة عشر شهرا استؤنفت المفاوضات بعد تدخل كولومبيا والولايات المتحدة.
وأشاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان معنيا باستئناف المفاوضات، بـ"خبر ممتاز" مقدما دعمه لتحقيق "نتائج ملموسة".
بدوره، اقترح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل الباريس أن تؤدي مدريد دورا "إذا أراد الفنزويليون ذلك".
قصة الخلاف بين أمريكا وفنزويلا
في عام 2019، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قطاع النفط الحيوي لاقتصاد فنزويلا، وإلى جانب أكثر من 50 دولة، اعترفت الولايات المتحدة بزعيم المعارضة خوان جوايدو كرئيس فنزويلا الشرعي، وشجعت الجيش الفنزويلي على إسقاط مادورو.
لكن أيا من هذا لم ينجح، حيث يواصل الجيش دعم مادورو، الذي أبقى اقتصاد فنزويلا بالكاد واقفا على قدميه من خلال بيع النفط إلى الصين وحلفاء آخرين.
ويتضاءل دعم جوايدو، الذي لا يتمتع بأي سلطة حقيقية، مع عودة المزيد من الدول للانخراط مع مادورو، الآن، تدفع الحرب الروسية في أوكرانيا والحظر المفروض على واردات النفط الروسية الولايات المتحدة إلى البحث عن مصادر جديدة للطاقة.
وبدأ الرئيس الأمريكي جو بايدن في مد "غصن الزيتون" إلى الرئيس مادورو، والسبب واضح هو نفط فنزويلا.
وأرسلت إدارة بايدن وفودا إلى كاراكاس، حيث تفاوض الجانبان على تبادل الأسرى وإطلاق سراح 7 أمريكيين، من بينهم 5 مديرين تنفيذيين نفطيين. كما ناقشا تخفيف العقوبات الأمريكية، وهي خطوة قد تساعد شركة شيفرون الأمريكية في توسيع عملياتها النفطية في فنزويلا.
ولكن قبل أن يحدث ذلك، تريد الولايات المتحدة أن يعود نظام مادورو إلى المفاوضات المتوقفة في المكسيك مع المعارضة السياسية في فنزويلا، حيث يطالب قادتها بإصلاحات ديمقراطية من شأنها أن تفتح الباب أمام انتخابات رئاسية فنزويلية حرة ونزيهة في عام 2024.
فائدة الاتفاق
سيساعد تخفيف العقوبات على فنزويلا على إعادة بناء صناعتها النفطية والسماح لخامها بالبدء في التدفق إلى الأسواق العالمية مرة أخرى، بما في ذلك إلى الولايات المتحدة، التي اعتادت أن تكون المشتري الأول لفنزويلا.
فنزويلا هي موطن لأكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم وتستخدم لإنتاج ما يقرب من 3 ملايين برميل من النفط يوميا، وانخفض هذا الرقم إلى 534 ألفًا فقط في أكتوبر/تشرين الأول، وفقا لرويترز.
"السكون العالمي" يهدد الطائرات.. هل يودع الإنسان السفر عبر السماء؟
سيساعد انطلاق قطاع النفط في إنعاش الاقتصاد الفنزويلي المحتضر والذي تقلص بنحو الثلثين بين عامي 2014 و2020، وفقا لـ"NPR".
ويمكن أن تقنع واشنطن مادورو بالعودة إلى المفاوضات مع المعارضة السياسية بهدف إجراء انتخابات حرة وانتقال ديمقراطي.
إذا حدث ذلك، فالرفع التدريجي للعقوبات قد يضع المزيد من النفط الفنزويلي في السوق العالمية، وهو هدف رئيسي وسط صدمة الطاقة التي سببتها أزمة شرق أوروبا.
يمكن أن يساعد تخفيف العقوبات في تحسين اقتصاد فنزويلا وتقليل تدفق المهاجرين الفنزويليين إلى الخارج، فتحت حكم مادورو، فر أكثر من 7 ملايين شخص من فنزويلا وتوجه العديد منهم إلى الولايات المتحدة.