قبل زيارة السوداني.. لمحات بارزة في العلاقات المشتركة بين العراق وفرنسا
تتسم العلاقة بين فرنسا والعراق بنكهة خاصة في الزيارات رفيعة المستوى العديدة بين البلدين، ويستعد رئيس مجلس الوزارء العراقي، محمد شياع السوداني في الوقت الحالي لعقد زيارة لفرنسا الخميس المقبل، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
حيث جاءت هذه الدعوة عقب مشاركة رئيس مجلس الوزارء العراقي، محمد شياع السوداني في مؤتمر بغداد -2 في الأردن الذي شارك فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وتمثل هذه الزيارة رغبة "السوداني"، في ضمان سيادة العراق، وإدراكه أن هذه المهمة تحتاج إلى شراكة جيرانه في المنطقة وشركاء آخرين في العالم يريدون العمل معه منهم فرنسا.
وذلك بعد تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة بغداد-2، حيث أكد انذاك على ضرورة السماح للعراق باختيار طريق لا تمليه عليه قوى أجنبية.
وقال "ماكرون"، "هناك طريقاً ليس شكلاً من أشكال الهيمنة أو الامبريالية أو نموذجاً يُملى من الخارج"، مضيفًا أن العراق اليوم يعتبر مسرحاً للتأثيرات والتوغلات وعمليات زعزعة الاستقرار المرتبطة بالمنطقة برمتها.
ومنذ الإعلان عن زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى باريس، قامت البلادين ببحث استعدادات الزيارة ووضع الملفات المطروحة للنقاش بين الدولتين
استعدادات زيارة السوداني لباريس
وفي هذا السياق، بحث وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين مع السفير الفرنسي، الأحد الماضي الاستعدادات الجارية لزيارة السوداني إلى باريس.
حيث بحثا الجانبين حيثيات تلك الزيارة التي من المقرر انعقادها الخميس المقبل 26 يناير الجاري، مؤكدين أن الهدف من تلك الزيارة هو ارساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة.
أهداف الزيارة
وتهدف زيارة "السوداني"، إلى مناقشة التحديات الإقليمية والدولية وتحقيق المصالح المشتركة والتأكيد على دور العراق الحيوي لإرساء دعائم الأمن والاستقرار في المنطقة".
بالإضافة إلى بحث المواضيع ذات الاهتمام المشترك بين بغداد وباريس بما يسهم في تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وأيضا زيادة رقعة الزيارات المتبادلة عالية المستوى بين مسؤولي كلا البلدين في إطار التعاون الثنائي المشترك.
وتعود العلاقات بين البلدين إلى سلسلة كبيرة من الزيارات والتعاون بين البلدين في شتي المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وأيضا الثقافية.
العلاقات السياسية بين البلدين
في على الصعيد السياسي، تعد فرنسا من أكبر الدول المشاركة في التحالف الدولي لمحاربة “داعش” من حيث عدد القوات، بجانب مشاركتها في بعثة حلف شمال الأطلسي المتواجدة في العراق.
حيث عملت فرنسا على دعم المناطق المحررة من قبضة “داعش” حتى لا تستطيع العودة إليها مرة ثانية؛ حيث حصلت بغداد في عام 2020 على عشرة مليون يورو من مركز الأزمات والمساندة التابع لوزارة أوروبا والشئون الخارجية لتحتل بذلك المركز الثاني في قائمة الدول المستفيدة من المساعدات المقدمة من فرنسا.
وقد تم توجيه المبلغ لصالح إعادة تأهيل قسم العمليات الجراحية في المركز الصحي في منطقة سنجار التي تم تحريرها في عام 2017، كخطوة لبناء مستشفى جديدة بتمويل فرنسي.
كما وقع وزيرا خارجية الدوليتين في مايو 2019 خارطة طريق استراتيجية لتعزيز العلاقات بين البلدين اقتصاديًا وثقافيًا وتعليميًا وتنمويًا.
وتضطلع فرنسا بدور فاعل كذلك من خلال وكالاتها التنفيذية العاملة في العراق، فتساهم الوكالة الفرنسية للتنمية في تعزيز قدرة سكان البلدان المضيفة واللاجئين والنازحين على الصمود في إقليم كردستان العراق ومنطقة الأنبار.
وتنفذ الوكالة الفرنسية للخبرة الفنية الدولية مشاريع ترمي إلى دعم فئة الشباب وريادة الأعمال، ولا سيّما في بغداد والموصل والسليمانية.
وتواكب قناة فرنسا الدولية الصحفيين العراقيين وتساهم في تعزيز وسائط الإعلام واستقلالها.
التعاون العسكري
وعلى الصعيد العسكري، أكدت السفارة الفرنسية في بغداد، التوجه لتطوير العلاقات مع العراق بمجالي التسليح والتجهيز، موضحة مشتريات بغداد من باريس في المجال العسكري.
وقال ملحق التسليح في السفارة، فؤاد الخطيب، في تصريحات صحفية، نقلتها وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "التعاون العراقي الفرنسي وتحديدا ضمن الاطار السياسي مهم جدا في هذه الايام، حيث إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة التعاون مع العراق في مجالات متنوعة سواء في تعزيز سيادة البلد وتعزيز قدراته ومؤسساته وكذلك فيما يخص الخدمات المقدمة الى العراقيين".
وأضاف، أن العراق وفرنسا يتشاركان الرؤية السياسية على الصعيد العالمي، وفيما يخص التعاون العسكري، أكد أن "العراق استخدم سابقا المعدات الفرنسية مثل طائرات الميراج f1 وكذلك الرادارات ومنظومة الدفاع الجوي من طراز لوران".
وتابع، "الآن وبحضور جميع الصناعيين والشركات الفرنسية في العراق، نحن على قدر المسؤولية في اعادة بناء هذه العلاقة المشتركة في مجال الدفاع بين العراق وفرنسا"، لافتا الى أن "المعدات الفرنسية غالية الثمن، لكنها ممتازة وذات جودة عالية".
وبين أن "هناك قناعة تامة من كلا الجانبين على تطوير العلاقة بمجالي التسليح والتجهيز كبلدين صديقين.
التعاون الاقتصادي بين فرنسا والعراق
وعلى الصعيد الاقتصادي، تجسدت المشاركة في إعادة الأعمار، وزيادة الاستثمارات وشراكته الاقتصادية، وهو ما تجلى في التوقيع على مذكرة تفاهم بين الجانبين في نوفمبر 2019، لزيادة حصة فرنسا في السوق العراقي التي تصل إلى 1%، من خلال تقديم تمويل يبلغ قدره مليار يورو على مدار أربع سنوات لتشجيع إعادة الإعمار عبر القروض السيادية.
وفي نهوضهم بعد النزاع، ساعدت فرنسا في إنعاش الاقتصاد الزراعي والريفي وكذلك توفير الخدمات العامة إلى السكان مجددًا، ولا سيّما في قطاعي المياه والصحة.
ووصلت قيمة التبادلات التجارية بين البلدين في عام 2019 ما يقرب من 1.31 يورو، كما تتواجد الشركات الفرنسية في السوق العراقي، مثل (توتال وبيرينكو في مجال الطاقة)، و(إيرباص، وآ دي بي إي، ورينو تراكس، وتاليس، وسي إم آ-سي جي إم في النقل)، و(سانوفي في مجال الصحة)
وبجانب ذلك أعلنت الحكومة العراقية في نهاية شهر مارس 2021، إن العراق وقع اتفاقًا مع شركة “توتال” الفرنسية يشمل أربعة مشاريع في الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وإعادة معالجة مياه البحر، كما ستبني الشركة منشأة لإنتاج الغاز الطبيعي في خمسة حقول نفطية جنوبية.
الصعيد الثقافي والتعليمي بين البلدين
وفي ظل سلسلة التعاون بين البلدين، يمثل تعزيز التعليم الفرنسي محورًا راسخًا في التعاون الثنائي مع العراق، حيث تتيح أكثر من مئة مدرسة من بين قرابة 5 ألاف مدرسة تعلّم اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية، فضلا عن 60 مدرسةً إعداديةً متميّزةً تدرس فيها اللغة الفرنسية على نحو إلزامي، ويتعلّم أيضا قرابة ألفي تلميذ اللغة الفرنسية على مستوى ابتدائي.
ووضعت خطة تدريب مستمر لمعلمي المدارس الثانوية تمولها وزارة أوروبا والشؤون الخارجية بغية تطوير تدريس اللغة الفرنسية في العراق، وتتزامن هذه الوظيفة فضلًا عن ذلك مع تغيير المناهج الدراسية في الأقسام الفرنسية في الجامعات الحكومية، على مستوى شهادة الإجازة.
أما فيما يخص التكاليف بالجامعات، وقّع برنامج منح دراسية قائم على تقاسم التكاليف في عام 2019 بين فرنسا والعراق في إطار التعاون الجامعي يتيح للباحثين وطلاب الدكتوراه وطلاب الماجستير فرصة الانتقال إلى فرنسا لمتابعة دراستهم وبحوثهم الجامعية، ويسهم فرع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في العراق مساهمةً فاعلةً في التعاون الأكاديمي مع المؤسسات التعليمية العراقية في مجال العلوم الإنسانية وعلم الآثار
وكان دعا وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي، نعيم العبودي، إلى افتتاح فروع للجامعات الفرنسية العريقة في العراق، وتحديث مسارات التوأمة العلمية والبرامج الأكاديمية.
وذكرت دائرة العلاقات والإعلام في وزارة التعليم العالي في بيان لها، أن الوزارة وجامعاتها، حريصة على الشراكات المنتجة مع المؤسسات التعليمية الرصينة، في العالم وتنظيم سياقات التفاهم والتعاون المشترك، داعياً إلى افتتاح فروع للجامعات الفرنسية في العراق".
ولفت البيان إلى، أن "الأنظمة التعليمية في الجامعات العراقية تشهد تحولا مهما باتجاه مسار بولونيا المعتمد في المنطقة الأوروبية".
من جهته، أعرب السفير الفرنسي، إريك شوفالييه، عن تقديره للاهتمام الذي يبديه وزير التعليم العالي باتجاه الشراكات والتعاون الأكاديمي الدولي، مشيرا إلى زيادة المنح والزمالات الدراسية الممنوحة للطلبة العراقيين في
الجامعات الفرنسية للحصول على شهادة الدكتوراه في مختلف التخصصات.
ويمثل التعاون الثقافي، أخيرًا، محورًا مهمًا في العلاقة مع العراق. ويمثل المعهد الفرنسي، الذي افتتح في بغداد في عام 2012 وأغلق في عام 2014، ثم أعيد افتتاحه في عام 2017، مركزًا من المراكز الثقافية الأجنبية الوحيدة التي تقدم برامج ثقافية منتظمة. وافتتح المعهد الفرنسي فرعًا له في إربيل كذلك.
ويقدم المعهد الفرنسي منذ عام 2021 برامج ثقافية مشتركة مع معهد غوثيه في العراق تقام في مركزه، وينشط مركز ثقافي فرنسي عراقي في حرم جامعة الموصل.