أدهم إبراهيم يكتب: ومازال العراق يقاوم النفوذ الأجنبي
عرف العراق بحق انه مهدًا للحضارات العريقة ، وقد ادى ذلك الى اهتمام العالم به ، وكذلك طمع الدول لخيراته، خصوصا بعد ظهور النفط باحتياطات كبيرة فتسبب في زيادة النفوذ الاجنبي فيه.
الأمر الذي أثار استياء الشعب العراقي وغضبه، فاندفع لمقاومة الاحتلال ونيل الاستقلال.
لعل ثورة العشرين في العراق كانت باكورة الثورات والانتفاضات الشعبية ضد الاستعمار البريطاني.
وعند قيام المملكة العراقية وتتويج فيصل الأول، ملكاً عليها عام 1921، لم تكن نموذجا للحكم الخالي من النفوذ الاجنبي او البريطاني كما كان الشعب يتوقع .
وهذه الخطوة على اهميتها لم تكن كافية لاقناع الشعب بتقبله والبناء عليه ، وكان طموح الشعب دائما ابعد عن الواقع المعاش في تلك الفترة ، والفترة اللاحقة ايضا!
فالشعور بالكمال كان دائما هاجس الشعب العراقي ، وكلما سنحت الفرصة نجد أن مطالب الشعب تأخذ شكلا متوثباً للحصول على دولة مستقلة ذات سيادة كاملة خالية من التدخلات الاجنبية.
وبعد ثورة العشرين قامت عدة انتفاضات وثورات منها:
انتفاضة الشعب ضد معاهدة بورت سموث عام 1948 سميت بوثبة كانون.
وانتفاضته ضد النفوذ البريطاني عام 1952.
وانتفاضته عام 1956 لاسقاط الاحلاف العسكرية.
حتى جاء انقلاب او ثورة 14 تموز عام 1958.
التي اطاحت بالملكية وفتحت الابواب على مصراعيها للانقلابات.
واستمر الشعب في نضاله ضد النفوذ الاجنبي والاستغلال والظلم لتحقيق الاستقلال الناجز والسيادة الكاملة، وبناء دولة المواطنة المبنية على العدالة الاجتماعية.
وكان غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 إيذانا ببدء التدخلات المباشرة بشؤونه، وبداية لنضال الشعب العراقي للتخلص من الاحتلال.
ففي 9 نيسان (أبريل) 2003، لم تلق القوات الأمريكية الترحيب المأمول الذي كان متوقعا عند التخطيط لهذا الاحتلال.
وفي وقت لاحق جرى الكشف عن حالات التعذيب وسوء المعاملة التي تورط فيها جنود أمريكون في سجن ابو غريب الشهير مما اثار استهجان الشعب العراقي.
وقد جاء قرار الأمم المتحدة عدد 1483 في شهر أيار/ مايو 2003 باعتراف مجلس الأمن رسميًا بأن الولايات المتحدة قوة احتلال للعراق وليس كما ادعت بانها جاءت لتحرير العراق من الديكتاتورية ونشر الديموقراطية.
ومن الناحية الاقتصادية ، سعت الولايات المتحدة الأمريكية لتأمين احتياجاتها النفطية.
إضافة إلى الاستعانة بشركات خاصة لتقديم الخدمات للجيش الامريكي، وكذلك فيما يعرف بعملية بناء الدولة، مما جعل العراق مصدر دخل مهم للاقتصاد الأمريكي. وهناك عشرات الشركات الخاصة الأمريكية والغربية التي عملت بعقود مربحة.
ومن جانب اخر أدى انهيار القوات المسلحة العراقية وتشكيل الميليشيات الحزبية الى زيادة النفوذ الإيراني في العراق.
ويرى عدد كبير من المواطنين ان إيران تعد الضامن والمستفيد الرئيسي من النظام السياسي في العراق ومن الأوليغارشية التي يرفضونها بشدة.
وايران حاضرة بشدة في العراق على المستوى الاقتصادي ايضا" من خلال تزايد معدلات التبادل التجاري حتى بلغ اكثر من 10 مليار دولار ، ناهيك عن تصدير الغاز ، فأصبح العراق زبون ايران الاول!
اضافة الى نفوذها السياسي وتدخلها المستمر في الشؤون الداخلية لهذا البلد المغلوب على امره.
كل ذلك جرى على مرأى ومسمع الولايات المتحدة التي انتهجت سياسة التخادم مع النظام الايراني في العراق لضمان مصالحهما المشتركة ، رغم نقاط الخلالف الظاهرة بينهما.
حتى بات معروفا للقاصي والداني عدم تعيين اي رئيس وزراء عراقي دون توافق امريكي ايراني عليه.
ولا عمل أي شيء هام دون توافقهم.
وامريكا تعلم جيدا فضل ايران عليها في احتلال العراق ، حيث قال نائب الرئيس الإيراني السابق: لولا إيران لما سقطت بغداد وكابول "
ونتيجة لكل ذلك وجد العراق نفسه في موقف ضعيف تجاه التسلط الايراني وتدخلاته حتى اصبح إذلال الناس العاديين صارخًا .
اضافة الى الفساد وتهريب العملة .
فخرجت التظاهرات السلمية في بغداد والبصرة وكثير من المحافظات احتجاجا على سوء الخدمات المقدمة للمواطنين ، وكذلك رفضا للنفوذ الايراني الذي كان سببا في افقار الشعب ، ودعم السلطة الفاسدة.
وقد علقت فورين بوليسي على ذلك بقولها ان المتظاهرين سئموا الفساد والنفوذ الاجنبي.
وكانت انتفاضة تشرين اول/اكتوبر 2019 بمثابتة الثورة لاسقاط النظام السياسي والتنديد بالنفوذ الايراني ، حيث رفع المتظاهرون شعار ايران برة برة . "اي الى الخارج".
كما احرقوا القنصليات الايرانية في بعض المحافظات والسفارة الايرانية في بغداد.
وقد انتشرت القوات الحكومية والقناصة من ميليشيات الاحزاب الموالية لايران، لقمع الانتفاضة فراح ضحيتها اكثر من 740 شهيدا.
كما اصيب اكثر من 17 الف بجروح من بينهم 3 الاف اعاقة جسدية.
وهذه الانتفاضة سوف لن تكون الاخيرة ، فما زالت اسبابها قائمة.
وهكذا وخلال مسيرته النضالية الحافلة بالتضحيات على مدى اكثر من 100 عام، يحاول الشعب العراقي التخلص من التبعية والنفوذ الاجنبي مرة اخرى، حيث ابتلعته الحية لتنزله الى البداية ، كما في لعبة الحية والدرج الشهيرة.
هل هو قدر الشعب العراقي، ام تاريخه الباذخ وموقعه الجغرافي المهم ، وموارده الثرية.
وللاسف اصبح حاليا من اكثر الخاسرين بعد ان نالت الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية من كل البلاد نتيجة الاحتلال الامريكي الايراني المزدوج ، والنفوذ الايراني المتصاعد مع استمرار هيمنة الاحزاب العميلة الفاسدة على مقدرات الدولة، حيث لايهمها سوى مصالحها واطماعها الانانية فباعوا ضمائرهم للاجنبي تحت شعارات دينية وطائفية ضيقة .
طريق الخيانة هو الذي يسمح للقوى الخارجية التدخل في شؤون العراق الداخلية من اي جهة كانت.
ان ثمن الخيانة هذا باهض وثقيل . فقد تكبد الشعب العراقي وخصوصا في العقدين الاخيرين خسائر فادحة في الارواح وتضحيات جسام مع تخريب البنية التحتية ، واصبح 25% من الشعب تحت خط الفقر ، مع انتشار المخدرات والجريمة.
ومازال الشعب يقاوم النفوذ الاجنبي الذي استفحل حتى وصل الى حرمان المواطن من ابسط شروط الحياة ، من تعليم وصحة وعمل كريم ، وخدمات ، وتتم يوميا عمليات النهب والسطو الممنهجة لتجريد الشعب حتى من قوته اليومي.
إن تحقيق الاستقلال الناجز للدولة يتوقف على الإرادة الحرة والفاعلة لأبناء الشعب في تثبيت وجودهم من خلال الوحدة الوطنية ونبذ كل مسببات التفرقة لبناء نظام حكم يلبي طموحات الشعب في العيش بكرامة بعيدا عن الفساد والتدخلات الاجنبية.
ان على كل القوى الوطنية الخيرة زيادة التعبئة وتوعية المواطن لدفع عملية التغيير قدما للخلاص من التبعية والنفوذ الاجنبي من اي جهة كانت بعد ان خدع من خلال وسائل الاعلام المختلفة وعلى المنابر بتبني الخرافات والاطروحات الدينية البائسة البعيدة عن حاجات الشعب بالعيش الكريم. ونحن اليوم امام مفترق طرق وتحد كبير للحفاظ على وجودنا واستقلالنا الضامن لمستقبل اجيالنا. وليس هناك ابشع من النفوذ الاجنبي الذي يثلم شرف الرجال ويسلب كرامة النساء وقوت العيال.
ملحوظة..
"المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة يعبر عن وجهة نظر الموقع"