حكاية مدفع الإفطار بالخليج.. متى وكيف وصل؟
ارتبط شهر رمضان في أذهاننا منذ الصغر بعدة أشياء منها مدفع الإفطار بالخليج الذي إعتاد الصغار على سماع صوته مع الإفطار، و يعد من مظاهر الشهر المبارك، وانطلق من مصر للعالم.
مدافع الإفطار
اتفق المؤرخون على أن بداية مدفع رمضان في الدول العربية انطلقت من القاهرة بمصر، ثم بدأت فكرة مدفع رمضان تنتشر من مصر إلى الدول العربية والإسلامية؛ إذ انتشرت في أقطار الشام بداية بالقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وبعدها ظهر مدفع الإفطار بالخليج، عندما انتقل إلى مكة المكرمة قبل ١٣٩ سنة، سنة ١٨٨٤م تقريبًا، ثم مدينة الكويت؛ إذ جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1907م، ثم انتقل إلى أقطار الخليج كافة قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان.
مكة المكرمة
أهل المدينة المنورة بالسعودية أصروا عام 2014 على إعادة مدفع الإفطار لحبهم لتلك الصورة الرمضانية، وعاود المدفع عمله فعلاً بعد توقف دام 20 عاماً.
حيث يتم سنويًّا تجهيز المدفع بالذخيرة اللازمة "قذائفه الصوتية"، التي يتم استخدامها طوال شهر رمضان المبارك حتى أول أيام عيد الفطر؛ إذ يطلق طلقة عند دخول وقت الإفطار، وأخرى عند دخول وقت السحور، وطلقتين إعلان الإمساك يوميًّا.
ويُخصَّص عدد من رجال الأمن للعناية به وتجهيزه وتهيئته وصيانته وتنظيفه منذ وقت مبكر، وطيلة الشهر الكريم، وإطلاق الذخيرة الصوتية عند الإفطار وقبل السحور وعند الإمساك قبل صلاة الفجر.
ويعتبر مدفع رمضان في مكة المكرمة آلة يتم نقلها بواسطة مركبة من مقر إدارة المهمات والواجبات إلى مكانه الذي خُصص له بجبل من جبال مكة المكرمة المتميز بارتفاعه وخلوه من السكان، وقربه من المسجد الحرام. وأُطلق على الجبل "جبل أبو المدافع".
وكان في مكة المكرمة مدافع في مواقع مختلفة في عدد من أحياء مكة المكرمة، ثم توقفت كلها منذ سنوات إلا مدفعًا واحدًا، هو الذي يتم استخدامه فقط (قبل أن يتوقف قبل ٧ سنوات)؛ وذلك بسبب توافر وسائل الإعلان المختلفة ووسائل الاتصال المتعددة والمتنوعة لإعلان دخول الشهر الكريم والإفطار والإمساك؛ ما جعل الحاجة إلى استخدام المدفع لإعلان ذلك غير ضرورية، وإنما يتم استخدامه كرمز من الرموز والطقوس الرمضانية الموروثة في عدد من الدول الإسلامية والعربية.
الكويت
منذ عام 1907 في عهد الشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع لدولة الكويت ظهر مدفع الإفطار بالخليج في الكويت، ويعتبر علي بن عقاب بن علي الخزرجي أول من أطلق مدفع رمضان في الكويت، حيث اعتاد الكويتيون معرفة وقت الافطار والسحور من خلال سماع صوت مدفع رمضان الذي كان إهداء من الحكومة البريطانية.
كان مدفع رمضان بالكويت ينطلق في بدايته من قصر السيف، ثم انتقل بعد ذلك في اوائل خمسينات القرن الماضي الى موقعه الحالي في قصر نايف الذي بني في سنة 1920 في عهد الشيخ سالم المبارك.
الإمارات
عرف الإماراتيون تقليد مدفع الإفطار في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وكانوا يسمونه بـ"الراوية"؛ لارتباطه بشرب الماء. واستمر هذا التقليد حتى اليوم.
وكان أول مدفع في إمارة الشارقة، وتصاحبه الآن فعاليات مرتبطة به في بث مباشر عبر شاشة الشارقة، ويجتمع عدد كبير من المشاركين في تظاهرة مجتمعية، تنقل صورهم مباشرة إلى أهاليهم وذويهم؛ فيتحول التقليد إلى احتفالية بمشاركة الجميع.
وبالرغم من التطور العمراني الذي تشهده إمارة دبي، الذي يحول دون سماع صوت دوي مدفع رمضان بشكل واضح، تحرص الإمارة على إحياء تقليدها السنوي، الذي يزيد على 50 عامًا، بتنبيه الصائمين بموعد الإفطار، وذلك من خلال أربعة مدافع، تتوزع في مناطق مختلفة منها معلنة تميُّز شهر الصيام الذي يختلف عن بقية أشهر السنة.
وفي أبو ظبي أيضًا يعود تقليد مدفع رمضان كل عام مع بداية الشهر الفضيل، للحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة، والتمسك بالموروث الاجتماعي الذي ترسخ في ذاكرة المجتمع.
البحرين
مثل مدفع الإفطار موروثا تاريخيا وتراثيا، وأصبح تقليدا متبعا ارتبط بشهر رمضان المبارك في مملكة البحرين، إذ يُعد جزءا تاريخيا مهما اعتمد عليه البحرينيون لمعرفة وقت الإفطار.
وقد بدأت شرطة البحرين في استخدام المدافع للإعلان عن موعد الإفطار في ثلاثينات القرن الماضي، كما استخدمته في الإعلان عن المناسبات الدينية والأعياد وأهمها قدوم شهر رمضان المبارك وموعد الإفطار وموعد الإمساك، ويتم في كل عام توزيع المدافع في مختلف محافظات المملكة.
ومع حلول شهر رمضان الكريم يتم إطلاق 8 طلقات وذلك للإعلان عن قدوم الشهر الفضيل، أما في ليلة العيد فيتم إطلاق 8 طلقات، بالإضافة الى طلقة في وقت الإمساك «السحور»، وطلقة وقت الفطور.
وفي بداية الأمر كان يقتصر إطلاق مدفع الإفطار على موقعين الأول بمحافظة العاصمة والثاني بمحافظة المحرق، أما في وقتنا الحاضر فيتم توزيع 4 مدافع في جميع محافظات المملكة، إذ اعتاد المواطنون والمقيمون حضور هذا المشهد التراثي والاستمتاع بلحظاته.
واليوم، يقوم أفراد الشرطة المؤهلون باستخدام المدفع، إذ يرتدون ملابس الشرطة التقليدية القديمة؛ وذلك لربط هذا الحدث بالتراث البحريني، إذ يتم إطلاق طلقات صوتية عند موعد الإفطار، مع ترك مسافة أمان في الموقع لتأمين السلامة للجمهور، ووضع حواجز حديدية حتى لا يتأثر الجمهور بقوة الصوت، وتوفير مزيد من الأمن والسلامة للجميع.
قطر
ويعتبر مدفع الإفطار بالخليج عادة رمضانية تراثية تكاد كل الدول الخليجية تشترك فيها، ومن بينها قطر، إذ يعمد عدد من الجهات إلى اتخاذ مكان مميز له طيلة الشهر، ومن بينها سوق واقف التراثي والمؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا".
وتتحول هذه القذيفة، التي كانت تثير الذعر والخوف أيام الحرب، إلى قذيفة تنشر الفرح والانشراح أيام السلم، مثل الطلقات المدفعية التي تطلق عند استقبال كبار الضيوف، أو أيام الاحتفالات الوطنية الكبرى.
وكان القطريون مع اقتراب الغروب، وتحلقهم حول مائدة الإفطار، يرددون عبارة "ثارت الواردة أو ما ثارت"، كناية عن طلقة المدفع التي يدوي صوتها في الآفاق، معلنة دخول وقت الإفطار.
وإذا كان مدفع الإفطار بالخليج، في السنوات الأخيرة، موجوداً في قطر في كل من سوق واقف والجهة الجنوبية لـ"كتارا"، فإنه في السابق كان ينصب في عدد من المناطق، من قبيل قلعة الكوت بجانب مصلى العيد بالجسرة، ومنطقة السلطة القديمة ومنطقة الريان الجديد والخليفات، وإلى عهد قريب على الكورنيش (قرب ساحة البريد).
وحالياً، عندما يحين موعد أذان المغرب في أيام شهر رمضان، ينصب المدفع في كل من سوق واقف و"كتارا"، وسط الحضور الذين يأتون لرؤيته من جميع الشرائح، خاصة الأطفال، وعلى جانبيه أربعة عسكريين بزيهم الرسمي عن اليمين وعن الشمال، وقد وقفوا في ترتيب عسكري خلفه ينتظرون الآمر بإعطاء شارة إطلاق القذيفة مع انطلاق صوت أذان المغرب.