د. أنمار الدروبي يكتب: المشهد التراجيدي للمؤامرة على السودان: الفصل الثالث؟
للطبيعة قوانين تعجز عقول البشر عن إدراكها وأخرى لا يمكن فهم دوافعها وبعض القوانين لا يحترمها البشر، أمّا كيف تغضب الطبيعة على تجاوز نواميسها فالزلازل والأعاصير والحرب تترجم ذلك الغضب.
لسنا في معرض البحث عن سبب دوامة الغضب لمشاهد الدمار الذي حلّت بالسودان في الوقت الحاضر لأن الأسباب تترابط تاريخيّا الى مستوى من العمق تعجز الرؤيا بدقة التحليل عن إدراكها، إذا حاولنا تفسير القتال الدائر في السودان ستبرز السلطة كأهم الدوافع ومن بعده تأتي الأهميّة الجيوسياسية لبلد يعتبر مهما جدا للقارة الأفريقية بصورة عامة وللوطن العربي بصورة خاصة وتحديدا مصر.
الفصل الأول: الحرب في دارفور فبراير عام 2003:
إذا حاولنا القفز على (الفصل الأول) من المؤامرة وهي الحرب الأهلية في السودان عندما بدأت مجموعتان متمردتان هما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة بقتال الحكومة السودانية التي تتهم باضطهاد سكان دارفور من غير العرب، ردت الحكومة بهجمات عبارة عن حملة تطهير عرقي ضد سكان دارفور غير العرب.
أدت الحملة إلى مقتل مئات الآلاف من المدنيين واتهم بسببها الرئيس السوداني حينها عمر حسن البشير بارتكاب إبادة جماعية، جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية من قبل محكمة العدل الدولية. ثم تهجير آلاف السودانيين ليكونوا مصدر قلق دائم ومعطل للاستقرار الإقليمي.
بالتالي تقسيم السودان رسميا إلى جمهورية جنوب السودان هي بلد غير ساحلي في شمال شرق أفريقيا التي نالت استقلالها من السودان في عام 2011، عاصمتها الحالية جوبا. لكن حتى جنوب السودان تم تقسيمه بموجب شروط اتفاقية السلام الموقعة في 22 فبراير 2020، حيث ينقسم جنوب السودان إلى 10 ولايات ومنطقتين إداريتين ومنطقة واحدة ذات وضع إداري خاص.
الفصل الثاني: محاولة إفشال الثورة السودانية في 19 ديسمبر 2018:
وهي سلسلة من الاحتجاجات السودانية التي اندلعت في بعض المدن السودانيّة بسببِ ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتدهور حال البلد على كلّ المستويات بدعوة من تجمع المهنيين السودانيين وغيره من القوي اليسارية والشيوعية. بدأت الاحتجاجات رداً على تردي الأوضاع الاقتصادية وغلاء أسعار المعيشة وتفشي الفساد الحكومي. شهدت هذه الاحتجاجات السلميّة رد فعل عنيف من قِبل السلطات التي استعملت مُختلف الأسلحة في تفريقِ المتظاهرين بما في ذلك الغاز المسيل للدموع، الرصاص المطاطي بل شهدت بعض المدن استعمالًا واضحًا للرصاص الحيّ من قبل قوات الأمن السودانية، مما تسبب في سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف المتظاهرين. لكن في 11 أبريل 2019، أعلن الجيش خلع الرئيس عمر البشير عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية لمدة عامين تنتهي بإقامة انتخابات لنقل السلطة.
الفصل الثالث: الصراع بين المجلس العسكري وقوات الدعم السريع:
بداية فإن قوات الدعم السريع هي نفسها (ميليشيات الجنجويد) التي استخدمتها الحكومة السودانية في محاولاتها لمحاربة التمرد المناهض للحكومة خلال الحرب في دارفور. شُكّلت قوات الدعم السريع رسميًا في آب/أغسطس 2013 بعدما تمّت إعادة هيكلتها فأصبحت تحت قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وذلك في أعقاب إعادة تنشيط ميليشيات الجنجويد من أجل محاربة الجماعات المتمردة في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق في أعقاب الهجمات المشتركة من قبل متمردي الجبهة الثورية السودانية في شمال وجنوب كردفان في نيسان/أبريل 2013.
من هنا سنفهم أسباب كل جوانب عرض المشهد التراجيدي للمؤامرة على السودان، بكل تجليات فصولها المأساوية ابتداء من الحرب الأهلية في دار فور إلى اليوم، لاسيما المؤامرة تشتد خيوطها وتتكشف، نتيجة توظيف بعض القوى الفاعلة في المشهد السوداني. في الوقت نفسه علينا أن نعترف صراحة إن كل الحسابات وتوقع الأحداث لم يعد متاحا خارج دوائر صناعتها، لذلك قد تسرح بعض وسائل الاعلام خارج أبعاد رسم واقع الحدث، أو ربما يتم تسخير الإعلام للتشويش وتشتيت الأذهان لكي يتم تمرير المياه تحت السطح. عليه ان هذا التوظيف لم يكن احتكار لصالح السياسة الخارجية، بعد أن ثبتت فاعليته وقوة تأثيره في مواجهة الجيوش النظامية أو توظيفه في عمليات الإرهاب والتخريب أو التفكيك الاجتماعي وإشاعة الفوضى، لكن القوى الفاعلة في المشهد السوداني والتي تختبأ خلف الستار، باتت ذات أهمية ومحط اهتمام غالبية اجهزة مخابرات الدول الاستعمارية أو مشاريع التمدد السياسي الأيديولوجية.
وفقا لما تقدم، أن واقع النشاط السياسي في السودان معقد جدا ومتناقض الى مستوى تقاطع التيارات والاتجاهات حتى داخل التيار الإسلامي الغالب على الساحة السودانية، ولعلّ هذا التعقيد والتناقض يعد من أهم أساب الصراع الدائر في السودان وكالآتي:
1. التيار الإسلامي المحافظ الذي يشكل تنظيم الإخوان المسلمين عصبه الرئيسي وعمقه الأيديولوجي رغم تعدديته وينقسم الى قسمين أحدهما موالي لسلطة البشير قبل عزله والآخر معارض له، هذا التيار هو السائد على الساحة السودانية وله الغلبة في ولايات الوسط وشمال السودان.
2. تيار ديني طائفي متعدد المشارب وتشكل الجماعات الصوفية قاعدته الأساسية ويعتبر حزب الأمة السوداني بزعامة الصادق المهدي من أبرز المتصدرين لهذا التيار مع جماعة الطريقة الختمية.
3. التيار العلماني الذي يضم الأحزاب الناصرية والبعثية والحزب الشيوعي السوداني إضافة للنخب المثقفة الليبرالية المستقلة ضمن شرائح المجتمع السوداني، وهذا التيار حاول أن يطرح نفسه ثقافيا كبديل سياسي إصلاحي عن التيار الإسلامي الذي فشل في بناء السودان، وربما عن المجلس العسكري الحاكم لكنه فشل.
4. التيار السلفي المتطرف بجناحيه الدعوي والجهادي وهذا التيار يمثل الحاضنة الاجتماعية للجماعات الإرهابية ويعتبر جناحه الجهادي بمثابة خلايا نائمة يمكن تحريكها من قبل تنظيم القاعدة في أفريقيا أو تنظيم الدولة الإرهابي.
إذن أمام دول الاعتدال العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر فرصة كبيرة لاحتواء الصراع الدائر في السودان وعدم تركه فريسة للمحور الراديكالي الذي يلعب على حساب مصير ومقدرات العالم العربي، وتكمن هذه الفرصة في انتشال السودان من محنته بالوقوف معه ودعمه سياسيا واقتصاديا على وجه الخصوص.