د. عبد الحفيظ محبوب يكتب: هل ينجح كمال كلجدار أوغلو في كسر احتكار السلطة؟
نحن أمام معركة مصيرية ما بين الكمالية الأتاتوركية، وهو ما أكد هذا التوجه بزيارة قام بها كليجدار إلى ضريح أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة والعلمانية، وبين العثمانية النهج التركي الجديد، فالمعركة حامية الوطيس، فتركيا دولة لها وزن إقليميا ودوليا، فأوروبا لم تتحفظ على أردوغان بقدر ما تحفظت على تركيا الإسلامية، رغم ان أوروبيا وأمريكيا سيكونون سعداء بإزاحة أردوغان، فأردوغان يصارع والمعارضة تنافس بقوة، ووصلت نسبة الانتخابات أكثر من 89 في المائة، أي أن نسبة الاستقطاب أكثر من المرة الماضية التي وصلت إلى 84 في المائة في عام 2018 وأقل من ذلك من قبل، وعدد الناخبين نحو 64 مليون.
هناك إرادة تغيير في تركيا، ويبدو أن الانتخابات ستدخل جولة جديدة في 28 مايو 2023، لأنه لابد أن يحصل أي مرشح على 28 مليون صوتا من أجل أن يفوز بالرئاسة، لكن في الجولة المقبلة من يحصل على أصوات أعلى يفوز بالرئاسة، خصوصا وأن حزب العدالة والتنمية حقق انتصارا في انتخابات البرلمان، وستكون صلاحياته مقاربة لصلاحيات رئيس الجمهورية، ولم تتمكن المعارضة الاستفادة من تراجع حزب العدالة والتنمية من أدائه المنخفض المتمثل في انخفاض العملة 75 في المائة خلال العامين الماضيين، وارتفاع نسب البطالة والتضخم، ما يعني أن حزب العدالة والتنمية يمتلك أدوات أكبر في الجولة الثانية، ويستطيع حشد الجماهير مرة أخرى، إلا إذا استطاعت المعارضة تنظيم صفوفها مرة أخرى.
ولأول مرة أردوغان مهدد أمام الطاولة السداسية التي تشمل ست أحزاب من المعارضة كما يسميها أردوغان بما فيها من المتناقضات، ويحصل على دعم حزب الشعوب الديمقراطي، أكبر الأحزاب الكردية، من بينها أحزاب إسلامية وقومية، حيث خسر كلجدار 10 مرات أمام أردوغان منذ عام 2010، ويؤكد كلجدار أنه بعد إعادة الديمقراطية ليس لديه طموح في البقاء وسيترك المنصب للشباب، وبعد فوزه سيعين نوابا له من الأحزاب الستة، لكن السوريون متخوفون من فوزه لأنه وعد بعودتهم إلى بلادهم خلال عامين، البعض يرى أن كلجدار لا يمتلك كاريزما جاذبة بعكس اردوغان الذي استمر 21 عاما في الرئاسة.
رغم ذلك كل الدول تتأقلم مع أي تغيير في تركيا باعتبارها لاعبا إقليميا ودوليا، ولا تزال حليفا للناتو، بعدما عاشت تركيا نهضة اقتصادية عندما تبنى وزير الخارجية السابق أحمد أغلو صفر مشاكل في العقد الأول من حكم حزب العدالة والتنمية، بينما في العقد الثاني من حكمه تزامن مع أحداث الربيع العربي في المنطقة العربية 2011 رقص أردوغان على الحبل المشدود بين الغرب والشرق، وتبنى مشروع الإسلام السياسي الذي قاد إلى غضب إقليمي على أردوغان، وبشكل خاص السعودية ومصر، وبقية دول الخليج التي تستثمر في تركيا، ونتيجة ذلك خرجت الاستثمارات الخليجية من تركيا وتقف التبادل التجاري وتضررت السياحة التركية خصوصا وأنها تزامنت مع جائحة كورونا، وانهارت الليرة وارتفع التضخم، واكتشف أردوغان أن مشروعه الاستراتيجي المبني على الإسلام السياسي قد فشل.
لكن اردوغان استدرك الموقف سريعا، واستنتج أن المأزق كان لجوئه إلى المشروع الاستراتيجي المعتمد على الإسلام السياسي مستثمرا ما تمر به المنطقة العربية من أحداث لتقاسم الكعكة مع إيران حتى لا تنفرد بها، ولم يتوقع أردوغان هو وإيران أن هناك قوة إقليمية ضاربة ممثلة في السعودية، ما جعله يتجه فورا إلى تبريد المنطقة، والاستدارة نحو الإمارات ثم السعودية بعدما عانت تركيا من الاقتصاد الضعيف، رغم ذلك قدمت السعودية وديعة بنحو 5 مليارات دولار كوديعة في البنك المركزي التركي، لأنه ليس من مصلحة السعودية أن ترى تركيا ضعيفة بسبب حجم التحديات الكبيرة في المنطقة، باعتبار تركيا قوة إقليمية مهمة.
حيث فشل بوتين في جر تركيا إلى أحضان روسيا بعد أزمتها مع أوروبا، ونجح أردوغان في المساومة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، واستطاع اللعب بكل الأوراق المتناقضة، واستطاع تخطي كل الضغوط الأمريكية، ونجح في استقلالية القرار التركي عن أمريكا، وهو بذلك يلتقي مع النهج السعودي، ويمكن أيضا أن تشارك تركيا مع السعودية ومصر في إيجاد حلول إقليمية في ليبيا وسوريا والعراق.
حظي أردوغان بالتفاف شعبي كبير في قيادة بلاده لنقلة اقتصادية وصناعية وتجارية وسياحية وعزز من دورها السياسي، لكنه بنى مشروعه الاستراتيجي على الإسلام السياسي، الذي جعله يتوسع إقليميا على حساب الأمن العربي، وكذلك اصطدم بأوروبا والولايات المتحدة نتيجة تدخله في ليبيا وسوريا وتهديده لليونان، واتجه إلى التنقيب عن الغاز في المياه الإقليمية لليونان، جعله يصطدم بأكبر الدول العربية السعودية ومصر ودولة الإمارات، وفرض نظام رئاسي مكنه من إحكام سلطاته بعدما تخطى الانقلاب العسكري عليه في صيف العام 2016، اصطدم بالتضخم الذي تخطى نسبة ال85 في المائة وهو أعلى مستوى له منذ 1998 مع تراجع سعر الليرة التركية من ليرة ونصف ليرة مقابل الدولار إلى عشرين ليرة مقابل الدولار، أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير، وانقسام اجتماعي وعرقي وسجون مليئة بالمعتقلين وإعلام مقيد ومغامرات خارجية غير محسوبة ، أي انه فشل في المحافظة على استقرار الوضع الاقتصادي الذي حققه في العقد الأول من حزب العدالة والتنمية.