قصة "كف الدم" التي رافقت أضاحي العيد في سوريا "تفاصيل"
"عيد بأي حال عدت يا عيد"، عبارة شهيرة مقتطعة من قصيدة تبكي أحوال الناس والعيد، أخذت أصداؤها تتردد على لسان غالبية السوريين المتشوقين لذكريات ولّت، لكنها باقية بمخيلة زمن ما قبل الحرب، وهو ما درج على تسميته بـ "الزمن الجميل".
وإن بدت أجواء عيد الأضحى هذا العام بطعم مختلف بعد ما سرى هدوء واستقرار جزئي على جبهات وخطوط التماس مترافقاً مع مصالحات عربية - سورية، يترقب الشارع السوري انفراجات على المستويات كافة على رغم حفاوتهم بعيد لم يعد كما يشتهون.
الدماء على الجدران والأبواب
وفي غضون إحجام الناس عن شراء الأضاحي لغلاء ثمنها لا تزال هناك بعض عادات شعبية تترافق مع ذبح المواشي على رغم تراجعها بتطور العصر وحداثته، ومنها تغميس كف اليد بدم الأضحية ووضعها على جدار البيت كنوع من التبرك بدماء خروف العيد.
والعادة الشهيرة، "الكف الأحمر"، يمكن ملاحظتها أكثر على جدران عتيقة لم ينل منها الطلاء بين الدور القديمة والأحياء الشعبية مقارنة بأحياء سكنية ذات طراز حديث، إلا ما ندر.
وظلت طقساً شعبياً لمدة طويلة بحسب وصف المتخصص والمهتم بالتراث الشعبي جمال الصافي، إذ يرد هذه العادة الشعبية إلى نوع من المبالغة بالتبرك بهذه الأضحية، وقد وصلت من معتقدات القدماء، ويشرح في حديثه كون الكف الأحمر لا يقتصر على تغميس اليد بدماء الماشية المذبوحة في عيد الأضحى وحسب، بل اعتاد الناس على ممارسة هذا الطقس بأية مناسبة تترافق مع أفراحهم أو وفاء لنذورهم، مضيفاً أنه "قبل عقود كانت تحرص شريحة واسعة على إلصاق كف الدم وقت شراء منزل أو مركبة أو ولادة طفل وغيرها، كنوع من أنواع العادة التي تفيد بأن ذلك قد يدفع الشر عن صاحبه والحفاظ على المركبة والدار أو سلامة الأبناء، ومنعاً لوصول الحسد أو العين كمعتقدات سائدة".
ويرجح المتخصص في شؤون التراث الشعبي تراجع هذه العادة في أيامنا هذه، ولعل السبب المباشر لذلك علاوة عن التطور العصري والحداثة التي فرضت نفسها على الجميع، محاكاة المنطق والعقل.
وباتت العادات تتبدل من خلال ذبح الماشية في محال القصابة وليس أمام منزل صاحب الأضحية كنوع من التسهيل على أهل الدار، إذ يكلف صاحب الأضحية الجزار أو ما يطلق عليه العامة في سوريا القصاب أو اللحام بالذبح أمام محله، وبالتالي لن يكون لكف الدم أي معنى حين يلصقه على حائط لا يخصه
حضور العين الشريرة
وثمة جملة من الاعتقادات سائدة عن دم الأضحية باعتبار أنها إلى جانب كونها طاردة للعين الشريرة فهي تشفي المريض والسقيم والعقيم وتفك النحس الذي يصيب الإنسان، بل كانت نسوة ينتظرن خروج الدم من الأضحية ليأخذن بأيديهن قطرات منه ويقمن بدهنه داخل البيت لطرد الأرواح الشريرة من البيت، أو لأي طلب غرضه الزواج أو النجاح بالأعمال وغيرها.
وكل هذا باعتقاد الصافي مرفوض جملة وتفصيلاً كون الثواب الذي يأتي من الأضحية أو النذور هو بقدر ما يستفيد منها الفقراء، وهنا يحصل الثواب المرجو منها.
لكن الموروث الشعبي والبسطاء من الناس في الماضي واظبوا عليها كعادة يعتقدون أنها صحيحة أو تفي بالغرض، "منها وضع خرزة زرقاء أو كف بلون أزرق وبداخله عين في البيوت، أو يربط أصحاب المركبات فردة حذاء وغيرها من المعتقدات".
ويؤكد أبو ربيع، أحد الجزارين في سوق شعبي، تراجع حضور عادة "كف الدم" بعدما كانت واسعة الحضور أثناء الأضحية، قائلاً "قبل عقود كنت أذهب إلى البيوت لذبح خروف العيد ونسبة 90 في المئة منهم كانوا يحرصون على صبغ أيديهم بأولى قطرات دماء أضحيتهم، ولكنها اليوم باتت تتناقص ولعل الواقع الاقتصادي هو السبب، مع تغير تفكير الجيل الجديد مقارنة بالأجيال السابقة".
الأضاحي تحلَق
في المقابل لم تعد الحرب في سوريا تقتصر على الرصاص والقذائف، وإن اعتاد أهلها رائحة البارود طوال أعوام الصراع، فباتت حربهم اقتصادية بحتة بسبب تأمين لقمة العيش وصعوبة انتزاعها "من فم السبع" بحسب العم أبو ربيع الذي استشهد بهذا المثل الشعبي لوصف أحوال الناس، ويقول إن "ارتفاع أسعار الأضاحي بشكل لا يطاق ويفوق قدرة المواطن جعلا الأضحية بعيدة المنال".
وتشهد الأسواق منذ اليوم الأول للعيد إقبالاً ضعيفاً، لا سيما شراء الأضاحي، والتي انخفضت لما دون النصف مقارنة بالأعوام الماضية، فسعر الأضحية وصل إلى قرابة 3 ملايين ليرة (290 دولاراً) بحسب سعر الصرف غير الرسمي، مما جعل الأضحية حكراً على المقتدرين مالياً وميسوري الحال الذين يتناقصون مع أوضاع معيشية صعبة.
وإلى ذلك تبقى العادات الشعبية حاضرة بخجل مع تطور العصر، ويبقى الكف الملطخ بالدماء إرثاً شعبياً يحذر منه الأطباء لما ينقله من فيروسات جلدية في حال كانت الذبيحة مصابة بها، وهو أمر بات مرفوضاً في بلد غرق بالدماء لأعوام طويلة من الصراع المسلح.