وليد الزبيدي يكتب: أصداف.. علي حداد.. مبدع بإمتياز
أتحدَّثُ عن الروائي والقاصِّ العراقي الصَّديق الأستاذ علي حداد، له العديد من الأعمال الأدبيَّة، من بَيْنِها روايته الخالدة (عندما كنَّا نتحايل على الأشياء) و(التعيس الذي رأى نفسه) و(الغبار الذي لا غبار عليه) وغير ذلك. وآخر أعماله التي أهداها لي في لقائنا قَبل مدَّة قصيرة، هي مجموعة قصص بعنوان (الهدوء رجاءً.. جدعون يكتب).
إنَّ التنقل بَيْنَ القصص التي يُمكِن تصنيف أغلبها بالقصص القصيرة جدًّا، يُشبه الجريان وسط الحياة البغداديَّة الشَّعبيَّة، ويُمكِن القول بكُلِّ وضوح إنَّك تقرأ قصصًا عالميَّة من حيث المستوى الفنِّي والحبكة والقَصُّ وصناعة الشخصيَّات والتحكُّم بسلوكيَّاتها الاجتماعيَّة، والقدرة العالية على إبهار القارئ والهيمنة على روحه ومشاعره، لدرجة أنَّ علاقة أكثر من وشيجة تبدأ بَيْنَك وشخصيَّات القصص، وتحاول أن تربطَ الوقائع السريعة الخاطفة بتلك الإهداءات التي تبدأ بها غالبيَّة القصص، وتتوزَّع بَيْنَ شخصيَّات شعريَّة وأدبيَّة وغنائيَّة من الواقع العراقي الذي يمتدُّ لعدَّة عقود، وبَيْنَما تشدُّك أحداث القِصَّة وتفاصيل دقيقة في حياة وماضي تلك الشخصيَّات، فإنَّك تحاول الفكاك من هيمنتها مفتِّشًا عن العلاقة بَيْنَها والتصدير الذي بدأت به القِصَّة، لكنَّك سرعان ما تكتشف قدرات هائلة لدى القاصِّ حداد في خلطِ أوراق في غاية الوضوح لتصلَ فكرته، وتتجاوز رسالة القِصَّة العديد من الحواجز والموانع التي ترى بعضها ومن المستحيل أن تتلمَّسَ البعض الآخر المبثوث في أتونها.
اختار عنوان المجموعة من إحدى القصص العميقة والتي توثِّق لحقبة خطيرة عاشها العراقيون وما زالوا، قِصَّة (الهدوء رجاءً.. جدعون يكتب). ويروي في قِصَّته ما حصل لجدعون الذي يكتب القصص، ويقول: بعد النكسة التي حدثت في العراق بعد العام 2003، أحسَّت راحل (زوجة جدعون اليهودي العراقي) بأنَّ جدعون فقَدَ هَيْبته، وكأنَّه فقَدَ ملائكته كُلَّها، وفقَدَ وحْيَه، ورأته ينطوي على نفسه. فالضجيج لَمْ يَعُدْ يعمُّ البيت فحسب، بل عمَّ العراق كُلَّه. وبعد وصول مُغلَّف إلى جدعون يجد بداخله تهديدًا مرفقًا بعدَّة رصاصات يهاجر بسرعة تاركًا العراق، وحصل ذلك الأمْرُ للكثير من العراقيين.
وضَعَ القاصُّ تواريخ لبعض القصص وترك البقيَّة غير مؤرَّخة، دُونَ أن يذكرَ لذلك سببًا، ربَّما أراد القول «إنَّها الفوضى» التي عصفت بالكاتب أيضًا.
شخصيَّات علي حداد تنبض بحياة غريبة، وترصد حالات موحشة خلف تلك الشخصيَّات، إنَّه لا يقف عند الحدود التقليديَّة للحياة اليوميَّة في المُجتمع، بل يوغل بهدوء وبعناية كبيرة في تلك الدهاليز، التي نعيشها، لكنَّنا لا نراها، فيتيح علي حداد لقارئه ارتداء نظَّارة «علي حداد» التي ترى ما لا يراه الآخرون. قصص قصيرة جدًّا وقصيرة تضع الكاتب الأستاذ علي حداد في مصاف كبار كتَّاب القِصَّة القصيرة في الوطن العربي والعالَم.
نقلا عن صحفية الوطن العمانية