مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ثلاثة ايام تحدد شكل الملفات الفلسطينية التركية خلال زيارة الرئيس ابو مازن

نشر
الأمصار

تشهد العلاقات التركية الفلسطينية سلسلة تطورات متلاحقة في الآونة الأخيرة، ذات أبعاد سياسية واقتصادية واستثمارية، مما يشيرعلى قدرة تركيا في ترسيخها مع قطبي الساحة السياسية الفلسطينية.

الرئيس الفلسطيني إلى تركيا

قال السفير الفلسطيني في تركيا فائد مصطفى، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سيصل تركيا الاثنين القادم، في زيارة رسمية بدعوة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وقال فايد في حديث لإذاعة صوت فلسطين إن الزيارة سوف تستمر لمدة ثلاثة أيام متتالية، مشيرا إلى أن الرئيس عباس سيجري اجتماعاً مع نظيره التركي أردوغان ومع القيادة التركية، في إطار مشاورات حثيثة ومنتظمة.

ملفات تطرح

وأكد فايد أن هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها القضية الفلسطينية وفي ضوء تزايد وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني وتهرب إسرائيل من كافة الاتفاقيات الموقعة.

وشدد أن كل هذه التطورات ستكون على أجندة البحث في القمة بين الرئيس عباس ونظيره التركي.

وكان ديوان الرئاسة التركية، أعلن أن الرئيس أردوغان سيلتقي في لقائين منفصلين، الرئيس عباس ونتنياهو في تركيا الأسبوع المقبل.

العلاقات التركية الفلسطينية

على الرغم من علاقات تركيا البناءة مع إسرائيل، كانت الدبلوماسية بين تركيا والسلطة الوطنية الفلسطينية قوية ومفيدة نسبيًا، لا سيما عندما اتخذ رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في ذلك الوقت، إجراءات في الرد اللفظي على الاعتداءات الإسرائيلية على المقاومة في غزة.

وتاريخيًا، كانت فلسطين تحت الحكم التركي (الدولة العثمانية) لأربعمائة عام قبل الانتداب البريطاني على فلسطين حد الحكام العثمانيون بقوة من موجات الهجرة الصهيونية خلال فترة حكمهم.

وسعت تركيا لسرقة دور مصر كوسيط في عملية المصالحة الفلسطينية الداخلية فهي، إلى جانب قطر، تقدم لحركة حماس الدعم السياسي والإنساني والدبلوماسي، ومع ذلك، يعتقد بعض المحللين أن تركيا تستخدم القضية الفلسطينية فقط لدفع أجندتها الإقليمية ولأنها تحظى بشعبية كبيرة بين الشعب التركي.

ورحبت تركيا بتصويت الأمم المتحدة في 30 نوفمبر 2012، مما جعل فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية، قائلة إن هذه اللفتة الدراماتيكية ستعزز عملية السلام المحتضرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

العلاقات السياسية

تُعد تركيا واحدة من دول الإقليم القليلة التي تحتفظ بعلاقات ٍجيدة بشكل متواز مع قطبي السياسة الفلسطينية فتح وحماس"، هذا التوجه التركي مخالف لقاعدة التحالفات الإقليمية التي تتبناها كافة دول المنطقة، توافقاً مع ما تحظى به السياسة الخارجية التركية من مستوى جيد من الاستقلالية ومقاومة الضغوط الخارجية، إلى جانب مراعاة عنصر البرجماتية في بعض الأحيان لتحقيق التوازن ما بين محددات العلاقة وأهدافها، خاصة ًوأن للمسألة الفلسطينية أهميتها وحضورها لدى الأوساط التركية شعباً وأحزاباً؛ فقد تم افتتاح مكتب تمثيل منظمة التحرير في العاصمة أنقرة عام 1979، فيما كانت تركيا العلمانية ثاني دولة من خارج الدول العربية تعترف بالدولة الفلسطينية عام 1989 بعد إعلان الاستقلال في الجزائر، وقد جسدت ذلك بتحويل مقر منظمة التحرير في أنقرة إلى سفارة فيما بعد.

وفي ظل عدم نجاح سياسة "صفر مشاكل" التي تبناها وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو بسبب المتغيرات الإقليمية المتمثلة في توتر العلاقات مع إسرائيل والخلاف مع القوى الإقليمية الذي حول مسار التغيير في العالم العربي وما أطلق عليه الربيع العربي، واضطرارها التدخل في بعض النزاعات الإقليمية من جهة ٍ أخرى، أبقت تركيا على علاقات ٍجيدة مع قطبي السياسة الفلسطينية حركة حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية؛ لكن هذه العلاقة كانت دون المأمول فلسطينياً، خاصة ًوأن جميع هذه المتغيرات الإقليمية تسببت في حصر الدور التركي في حدود ضيقة أشغل تركيا عن التفرغ لملفات القضية الفلسطينية، الأمر الذي جعلها تتغاضى عن شرط رفع الحصار عن غزة لعودة العلاقات مع "إسرائيل" فياتفاق روما عام 2016، كما لم تنجح في تنفيذ وعدها بحل أزمة الكهرباء في غزة.

تاريخياً، سعت تركيا لكسب دعم الدول العربية في القضية القبرصية-على وجه الخصوص-سواء على صعيد الأمم المتحدة أوعلى صعيد منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذ ما يفسر توجه تركيا لبناء علاقات دبلوماسية مع الدول العربية. كما كان للأزمات السياسية والاقتصادية التي عانت منها تركيا آنذاك دوراً كبيراً في تقليل اعتمادها على الدول الغربية الرافضة لإدخال تركيا ضمن الاتحاد الأوروپي والتوجه نحو الدول العربية الغنية بالموارد النفطية؛ مفضلة ً البقاء في معزل عن الأزمة التي تولدت إثر استخدام سلاح النفط من قبل الدول العربية الأعضاء في الأوبك، ورغبتها في الحفاظ على امتيازاتها النفطية لدى هذه الدول؛ لذا بدت تركيا أكثر اهتماماً بقضايا الشرق الأوسط،وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

ومؤخراً، وفرت حكومة العدالة والتنمية بيئة سياسية مواتية لإطلاق المجتمع المدني في تركيا السفينة ماڤي مرمرة عام 2010 بمعزل عن ضغوط الوضع الداخلي التركي، خاصة وأن التعديلات الدستورية التي أجريت مكنت المدنيين من الإمساك بالسياسة الخارجية وتفعيل ممارسة صلاحياتها بعيداً عن سيطرة الدولة العميقة المتمثلة بقيادة المؤسسة العسكرية، خصوصاً فيما يتعلق بملفات اليونان ودول الشرق الأوسط.

وقد نجح محمود عباس في التمهيد لتفاهمات أمنية مشتركة مع تركيا عام 2018، وكانت تركيا محطة مهمة لعباس في يوليو 2021 بعد حرب غزة "سيف القدس" للانتهاء من توقيع الاتفاق الأمني؛ تمهيدا ً لنقل العلاقات الفلسطينية التركية لتكون أشبه بالنموذج الليبي، وهذا ما تطمح إليه تركيا في إطار صراعها على الغاز مع قوى شرق المتوسط.

تركيا والقضية الفلسطينية

يستدعي استعراض المحطات في العلاقات التركية الفلسطينية، الكثير من التساؤلات حول محددات تلك العلاقات، وإمكانية الاستثمار فيها فلسطينيا ً وإقليمياً، بالإضافة إلى تقييم تجربة تلك العلاقة بقطبي السياسة الفلسطينية فتح وحماس، وأخيراً، مستقبلها في ضوء تحولات ومتغيرات علاقات تركيا الإقليمية والدولية، والتحولات المحتملة على مستوى السياسة الداخلية، خاصة ً وأن تركيا مُ قبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة عام2023، سيكون لها انعكاسات على السياسة الخارجية التركية، وأجنداتها الإقليمية، وفي مقدمتها ملفات القضية الفلسطينية.

التعامل مع القضية الفلسطينية كمفتاح لدورها الإقليمي في المنطقة: ربطت تركيا علاقاتها مع العالم العربي بفتح مكتب تمثيل لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنقرة عام 1979، وذلك في سياق محاولة تأمين احتياجاتها النفطية من قبل الدول العربية والتخلص من إحباطها بعد الفشل المتواصل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروپي على الرغم من تقديم التنازلات في بعض الملفات الإقليمية في سبيل ذلك، بالإضافة إلى رغبتها في كسب الدعم العربي لموقفها في القضية القبرصية.

وبالرغم من اعتراف تركيا باسرائيل مبكراُ عام 1949 وحفاظها على مستوى محايد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أن هناك محددات إقليمية تمثلت في استمرارية المواجهات العربية الإسرائيلية على أكثر من جبهة، وداخلية تمثلت في توالي الانقلابات العسكرية، أثرت على إبقاء العلاقة بعيداً عن التطور في مختلف المجالات، وهو ما لُوحظ فيما يتعلق بعلاقاتها الاقتصادية، حيث لم يتجاوز التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب حد ٢٠٠مليون دولار سنويا ً حتى عام 1994، ومع توقيع اتفاقية أوسلو تضاعف التبادل عام 1996 ليصل لنحو 763 مًليون دولار سنوياً.

وبالنسبة لعلاقاتها في المجالات العسكرية والأمنية، التي دفعت بها عملية السلام بين منظمة التحرير وإسرائيل إلى الارتفاع بشكل ٍ ملحوظ وغير مسبوق، حيث وقعت العديد من الاتفاقيات العسكرية بين الطرفين، إثر توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، لذا وصفت فترة التسعينيات بالمرحلة الذهبية في العلاقات العسكرية؛ وذلك تزامناً مع تخلص تركيا من العتب والإحراج السياسي إقليمياً مع التطبيع المتبادل بين طرفي الصراع أنفسهم، الأمر الذي جعلها ترفع من مستوى التمثيل الدبلوماسي مع كلا الطرفين بفتح سفارتهما عام 1991. بالإشارة إلى السفينة مرمرة، فقد جاءت بعد حوالي 7 سنوات من صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، وكانت حدثاً مهماً للسياسة الخارجية التركية التي بدأت تتخذ توجهاً مستقلاً عن إملاءات المؤسسة العسكرية وهيمنتها إثر التعديلات الدستورية، ومنذ ذلك الحين أخذت علاقات تركيا بقطبي السياسة الفلسطينية حركة حماس والسلطة الفلسطينية تشق طريقها نحو التطور على المستويين الإنساني الإغاثي والسياسي.

كما تدرك تركيا أنه من خلال القضية الفلسطينية يمكنها أن تلعب الكثير من الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط، فهي لا تترك الطرف الفلسطيني يتجه لتحالف الغاز المضاد في المتوسط من جانب، وتبقي على القضية الفلسطينية واحدة من أهم أدوات الضغط على "إسرائيل"، أو تخفيف الضغط الاقليمي عليها عبر حزب العمال الكردستاني-حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تعتبرهما تركيا منظمتين إرهابيتين، وتتهمهما بتلقي الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة.

ومهما بلغ مستوى العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والتركي، إلا أن الأخيرة تحافظ على خطوط حمراء لا تتجاوزها في علاقتها مع الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، وهو ما بدا واضحاً في اتفاق إعادة العلاقات مع إسرائيل بعد انقطاعها بسبب حادثة السفينة مرمرة حتى عام 2016، وقبل ذلك طلبت السلطات التركية مغادرة صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس الحالي الأراضي التركية، على إثر تصريحات له في إسطنبول عام 2015 تبنّى خلالها عملية خطف المستوطنين الثلاث في الخليل، الأمر الذي لا ترغب به تركيا لكيلا تسجل موقفًا يدينها أمام حلفائها الدوليين في الغرب.

على الجانب الآخر، تسعى تركيا إلى تحقيق مكاسب سياسية من علاقاتها مع الأطراف الفلسطينية، وهذا ما يفسر توقيعها الاتفاق الأمني مع السلطة الفلسطينية، حتى إن كانت تركيا ترفض أي نشاطات عسكرية لحماس تنطلق من أراضيها، إلا أنها لا تسعى إلى فرض رؤيتها على حركة حماس، وهذا ما يفسر أيضا ً تصريحات وزير الخارجية الصهيوني يائير لاپيد الذي طالب فيها إغلاق مكاتب حركة حماس في إسطنبول.

وحاولت تركيا اتباع سياسة متوازنة في صياغة علاقاتها مع الأطراف المختلفة المتواجدة في الساحة الفلسطينية بشكل متزامن، ما منحها دوراً بارزاً وفعالاً في القضية الفلسطينية، خاصة ً في ما يتعلق بالمجال الإنساني من خلال تسهيل وصول مساعداتها عبر مؤسساتها الرسمية، وفي المجال السياسي من خلال مواقفها السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية في المؤسسات الدولية والإقليمية، وبجانب حفاظها على علاقات جيدة مع حماس، أقامت بشكل رسمي علاقات جيدة مع السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس.

تنامي العلاقات التركية الفلسطينية

شهدت الآونة الأخيرة تنامياً متصاعدا للعلاقات التركية الفلسطينية في شتى المجالات: السياسية والاقتصادية، ومع قطبي الساحة الفلسطينية معاً: فتح وحماس، الأمر الذي يدفع لتسليط الضوء على هذا التصاعد، ومعرفة تأثير وحجم المساعدات التركية للفلسطينيين، ومدى واقعية الطرح القائل بأن علاقات أنقرة مع السلطة الفلسطينية باتت أكثر دفئاً من علاقتها بحماس، والسبب في ذلك..

فقد أعلنت وزارة الخارجية التركية أواخر مايو، أنها سلمت مبلغ 3.5 مليون دولار للسلطة الفلسطينية، ضمن منحة عشرة ملايين دولار مخصصة منذ سبتمبر 2017 للمساهمة في التنمية الاقتصادية للفلسطينيين.

والتقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أوائل مايو برئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية؛ لبحث مستجدات الساحة الفلسطينية، وأطلع الأخير مضيفيه الأتراك على الوضع المالي الصعب الذي تواجهه السلطة الفلسطينية جرّاء العقوبات الأمريكية والإسرائيلية.

وتحدث أوساط فلسطينية ان لقاء جمع اشتية مع قيادات من حماس المقيمة في تركيا، لمناقشة مواجهة صفقة القرن، والوصول لتوافق فلسطيني داخلي.

وفي منتصف مايو، استقبل نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم بتركيا نعمان قورتلوموش، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس خالد مشعل، في إسطنبول، وأشار لدعم تركيا الدائم للقضية الفلسطينية، وأعرب مشعل عن اعتزازه بالموقف التركي المستمر بدعمها.

وفي منتصف أبريل، انطلقت فعاليات مؤتمر فلسطينيي تركيا الثاني، بحضور رسمي تركي وفلسطيني، ومشاركة أكثر من 300 فلسطيني من مختلف المناطق التركية، وتأكيد الأتراك أن بلادهم ستبقى مدافعة عن القضية الفلسطينية وحاضنة للشعب الفلسطيني.

هذا الحضور الفلسطيني في تركيا خلال أسابيع يشير لما باتت تشكله أنقرة لدى الفلسطينيين من مكانة متزايدة، في ظل ضيق الأفق الإقليمي أمامهم، سواء بسبب تباعد المواقف مع الدول العربية المحيطة التي باتت ملحقة بالمشروع الأمريكي، أو انشغالها بملفات داخلية، وفي الحالتين لم تعد تعطي للقضية الفلسطينية الاهتمام الذي يليق بها، مما أظهر تركيا بموقف مغاير، حاضنة للفلسطينيين، ومتحدثة بلسانهم، ومتبنية لمواقفهم.

ويعود التقارب والدفء الذي تعيشه العلاقات الفلسطينية التركية إلى سنوات ماضية باتت تشهد "هجرة فلسطينية سياسية واقتصادية نحو تركيا"، فقد وقع الجانبان في سبتمبر 2018 على اتفاقية للاستثمار المتبادل، لتشجيع المستثمرين الأتراك للاستثمار في فلسطين، والمحافظة على الاستثمارات الفلسطينية في تركيا، وحماية الاستثمارات المتبادلة بمختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية، وتوفير المناخ الإيجابي للمستثمرين من البلدين.

وقدمت تركيا منحة مالية لميزانية السلطة الفلسطينية بقيمة عشرة ملايين دولار، واتفاقات للتعاون في النيابة العامة للبلدين، ووكالتي التنسيق والتعاون الدولي، وزارتي ثقافة وتعليم البلدين، ومجال البريد وقطاع الخدمات، مع العلم أن تركيا شريك تجاري واقتصادي مهم لفلسطين.

كما تنظر السلطة الفلسطينيّة بإيجابيّة إلى دور تركيا بالمجالات الإغاثيّة والتنمويّة، حيث تتراوح مساعداتها للفلسطينيّين سنويّاً بين 10 و20 مليون دولار، ويبلغ حجم التبادل التجاريّ السنويّ بينهما 400 مليون دولار.