د. انمار الدروبي يكتب: لماذا لا تهتم الصين بطبيعة الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط؟
تحرص الصين على إلا ينظر إليها وكأنها تتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط، أو أنها تتخذ موقفا واضحا بشأن بعض المسائل الإقليمية المثير للخلافات وتحديدا في العالم العربي. حيث تدعم الصين استقرار البنية السياسية لدول الشرق الأوسط، وتتفق مع العديد من دول المنطقة في نظرتها مهما كانت باعتبارها أدوات تخص الدول العربية. وهي استراتيجية اتبعتها الصين خاصة بعد أن تعرضت مصالحها الاقتصادية في ليبيا للخطر، أثر سماحها لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1970 بالمرور، مما أفسح المجال للتدخل الغربي الذي انتهى بتغيير النظام الليبي الأسبق (نظام الرئيس معمر القذافي).
عليه فإن الصين تسعى إلى حماية مصالحها الاقتصادية في الشرق الأوسط بعيدا عن الخلافات الإقليمية، ولهذا فهي تتجنب الإعلان عن أي استراتيجية خاصة بالشرق الأوسط. لاسيما تركز الصين على الاعتبارات الاقتصادية، ومعالجة المخاوف على المستوى المحلي لكل من الصين ودول منطقة الشرق الأوسط.
الدور الصيني في العالم العربي: التنمية وليس السياسة!
تنعكس محورية التعاون الصيني مع دول الشرق الأوسط وتحديدا الدول العربية من خلال الوثيقة الحكومية (وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية) والتي تنص على التزام الصين بتطوير علاقتها مع الدول العربية على أساس المبادئ الخمسة المتمثلة في (الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، عدم الاعتداء، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، المنفعة المتبادلة، التعايش السلمي).
لقد حقق الاقتصاد الصيني النمو الأكبر له في التاريخ المنظور خلال 25 سنة الماضية، ويستمر في تحقيق نمو عام بشكل سنوي، وبالتالي تنظر الصين إلى الشرق الأوسط على أنه سوق جديد لدعم نموها الاقتصادي ومصدرا لتأمين احتياجاتها من (الطاقة)، ويمكن قراءة التعاون الاقتصادي التنموي لمشاركة الصين مع دول الشرق الأوسط في ثلاث وثائق أصدرتها الصين وهي:
الأولى: وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية عام 2016.
الثانية: مبادرة الحزام والطريق، وطريق الحرير البحري للقرن 21 عام 2015.
الثالثة: الإعلان التنفيذي الصيني العربي عام 2018.
في السياق ذاته، نمت العلاقات التجارية بين الصين ودول الشرق الأوسط نموا مطردا خلال العقد السابق، الأمر الذي شكل مصدرا للقلق لدى الدول الغربية، ويعود هذا النمو إلى أن الصين شريك مرغوب فيه لوفرة بضائعها وزهد أسعارها. ووفقا لكتاب (السياسات الخارجية للقوى الآسيوية الكبرى تجاه المنطقة العربية) للدكتور (عدنان البدراني) حيث يقول" للمرة الأولى منذ عام 2007 تفوق حجم التبادل التجاري الصيني على حجم التبادل الأمريكي مع دول المنطقة".
ومن المنظور الصيني، فإن التنمية التي تسعى إليها الصين في منطقة الشرق الأوسط هي أحد الحلول لضمان منطقة مزدهرة ومستقرة امنيا، وقد يكون ذلك صحيحا من الناحية النظرية، إلا أن الممارسة العملية لرؤية الصين في منطقة كالشرق الأوسط هي أكثر تعقيدا.
الرؤية الكامنة في مبادرة الحزام والطريق:
في عام 2013 أعلن الرئيس الصيني (شي جين بينغ) عن خطط لبناء الحزام والطريق الاقتصادي والحرير البري للقرن 21 والتي أصبحت تعرف باسم (مبادرة الحزام والطريق) وترتكز على إنشاء طرق تجارية تربط بين كل من آسيا وأوروبا وأفريقيا. إذ يشير (الحزام) إلى عدة مشاريع برية تربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط، بينما يشير (الطريق) إلى مشاريع مرتبطة بطرق بحرية، بحيث تقوم هذه الطرق بربط الصين مع أفريقيا والشرق الأوسط عبر جنوب شرق آسيا.
وعلى هذا النحو فإن منطقة الشرق الأوسط ذات أهمية كبيرة بالنسبة للصين بعد إعلان مبادرة (الحزام والطريق) إذ تزايدت الاستثمارات الصينية في المنطقة. إضافة إلى الإعلان التنفيذي الصيني العربي المذكور آنفا في (الفقرة ثالثا) وبناء على هذا الإعلان فقد وقعت 9 دول عربية على وثائق تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
المساعدات الاقتصادية:
بخلاف التجارة والاستثمار فقد بدأت الصين بتقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ففي عام 2018 تعهد الرئيس الصيني بتقديم نحو 106 مليون دولار كمساعدات إنسانية وإنشائية لكل من: الأردن، ولبنان، واليمن، بالإضافة إلى 15 مليون دولار كمساعدات لفلسطين بهدف دعم التنمية الاقتصادية.
الطاقة:
على أثر النمو الاقتصادي السريع في الصين، فقد تزايدت احتياجاتها من الطاقة خاصة بعد انتقالها في عام 1993 من دولة مكتفية بقدراتها الإنتاجية من مصادر الطاقة إلى دولة مستوردة لهذه المصادر. وفي عام 2017 أصبحت الصين أكبر مستورد عالمي للنفط الخام، بعد أن تجاوز أجمالي إيراداتها من النفط إجمالي إيرادات الولايات المتحدة منه، وفقا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. ولكون منطقة الشرق الأوسط تتمتع بوفرة من مصادر الطاقة، فإن أحد أهم المصالح الصينية يكمن في استمرار حصولها على تدفق ثابت من مواردها من الطاقة.
رؤية مستقبلية للصين: التوازن بين الأمن والتنمية:
بلاشك فإن النشاط الدبلوماسي الصيني والأمني في المنطقة بات محسوما بشكل متزايد، على الرغم من قلق الصين حول أن يكون ذلك على حساب الأرواح والأموال، وعلى حساب سمعتها كدولة صديقة للجميع تحترم الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولا تتدخل في النزاعات والخلافات في المنطقة. وهذا الانخراط يترافق والتطلعات الصينية في المنطقة، فمشاركتها الاقتصادية مع بعض دول المنطقة ومصاحها المتزايدة فيها، وحجم رؤيتها لمبادرة الحزام والطريق، بالإضافة إلى ضرورة ضمان سلامة المقيمين الصينيين المتواجدين في منطقة الشرق الأوسط والذين تقدر أعدادهم بحوالي 550 ألف مواطن صيني.
ويمكن تتبع مسار التدخلات السياسية والأمنية للصين في المنطقة، وفقا للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) أبرمت الصين خلال الأعوام الماضية اتفاقيات شراكة مع 15 دولة في الشرق الأوسط لتشارك في مهمات مكافحة القرصنة والأمن البحري في كل من بحر العرب وخليج عدن. وفي فبراير عام 2016 أنشأت الصين أولى قواعدها للدعم اللوجستي لجيش التحرير الصيني في الخارج في دولة جيبوتي، وهي قاعدة عسكرية مجهزة لاستيعاب ما يقارب من 10 آلاف جندي، في الوقت نفسه تخطط الصين قريبا لأنشاء قواعد عسكرية إضافية لها في منطقة الشرق الأوسط، وفقا للتقرير السنوي للكونكرس الأمريكي حول القوة العسكرية الصينية لعام 2019.
بقلم: أستاذ الفكر السياسي
الدكتور: أنمار نزار الدروبي
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بالضرورة أن يكون رأي مركز الأمصار للدراسات.