أدهم إبراهيم يكتب : تونس ليست الأولى ولا الأخيرة
بعد مظاهرات واحتجاجات صاخبة ضد حزب النهضة التونسي، ورئيس الوزراء هشام المشيشي . قرر الرئيس التونسي قيس سعيد تجميد عمل البرلمان لمدة ثلاثين يوما، ومنح نفسه السلطة التنفيذية لإدارة البلد .
ويبدو أن الانتقال السياسي الحالي يميل إلى القوى الليبرالية المناهضة للإسلاميين والمرتبطة بالدفاع عن علمنة الدولة ، بعد تجربة حزب النهضة الاسلامي في ادارة الحكم وتواصل اسلمة البلاد بوتيرة سريعة ، دون تقديم منجزات ملموسة لصالح قوى الشعب المتضررة والمحرومة.
يرى الإخوان المسلمون أن ما حدث في تونس “انقلاب” على شرعية البرلمان المنتخب والمسار الديمقراطي في البلاد .
وأفتى اتحاد العلماء المسلمين وهو الواجهة السياسية لتنظيم الإخوان، الذي أسسه يوسف القرضاوي، بأن قرارات الرئيس التونسي “لا تجوز شرعا ولا أخلاقا !
وهكذا هم يتباكون على الديموقراطية التي كانوا يرفضوها ويعتبروها نهجا غربيا .
أن ماجرى في تونس ليست المرة الأولى ، ويبدو انها لن تكون الاخيرة التي تواجه الإخوان المسلمين ، والاسلام السياسي عامة، حيث سبق وأن أطيح برئيس الإخوان في مصر لنفس الأسباب .وإخفاقهم في الوصول إلى السلطة في دول أخرى مثل سوريا .
وكذلك موجة الاحتجاجات في العراق وتركيا ، ومظاهرات متواترة في إيران ..
وهذا ناتج عن الخلط بين الدين والسياسة، والخطابات الديماغوجية للتنديد بمخاطر العلمانية التي ينظر إليها على أنها تهديد للقيم الإسلامية ، واسلمة الدولة .
إنّ الممارسة في إدارة الدولة قد كشفت عجز المتأسلمين عن تحقيق المشاريع الوهميه التي روّجوها تحت شعار الأمّة الإسلامية في مواجهة الدولة الوطنية ، وأن الإسلام هو الحل ، الذي لم يكن مشروعا محددا” ، فبقي شعارا فضفاضا” غامضا” . .
إنها شعارات غير قابلة للتحقيق، وقد انكشف زيف الادعاءات من خلال التطبيق ، وكلّ المزايدات التي راهن عليها المتأسلمون قد آلت إلى الزّوال . فلا مشاريع العدالة الاجتماعيّة الموعودة تحقّقت، ولا الشورى التي ظلّ تصوّرها ضبابيّا في مواجهة النظم الديمقراطيّة ، ولا بدا الاقتصاد الإسلاميّ مشروعا بديلا واضح المعالم .
ففي ساحة الحكم انكشفت كل الأغطية والخطابات الرنانة ، وظهرت نواياهم وشعاراتهم غير القابل للتحقيق ، ولم يبق من إسلامهم الزائف الذي شرعنوا به مشروعهم للوصول إلى السلطة بأي ثمن سوى أشلاء شعارات عاطفية، لا تقدّم مشروعا حقيقيا في السياسة أو الاقتصاد أو المجتمع . وأخذوا يعدّلون من مقولاتهم على وفق حاجات الحكم ومتطلبات الواقع وموازنات العلاقات الخارجيّة ونفوذ الدول الأجنبيّة.
وهكذا تخبّطت الحركات الإسلامية في عموميّات لا يمكن أن ترقى إلى مشروع تغيير جذري يمكن أن يحمل بوادر ثورة على الواقع او نهضة مأمولة .
يضاف إلى كل هذا وذاك أساليب القمع والعنف المفرط في مواجهة المشكلات المستعصية كما جرى في العراق ، مع تعميق الانقسامات العرقية أو الطائفية فيه وفي دول اخرى .
تبقى الحقيقة واضحة لابس فيها أن مجتمعاتنا العربية هي مجتمعات علمانية ، تطالب بالمواطنة والحقوق المشروعة ، وكذلك الحال في ايران وتركيا والتي ما زلنا نسمعها اليوم في التظاهرات المستمرة الى يومنا الحاضر للتخلص من الخداع والزيف والشعارات الوهمية المخادعة .
إن الإسلام السياسي قد ارتبط في مجمله بالعنف والقتل والقسوة ، وانتشارالجريمة المنظمة .
وأن نموذجًا إسلاميًا للسلطة ، في إطار ديمقراطي ، أصبح غير قابل للتطبيق .
فهل يمكن الحديث عن فشل الإسلام السياسي في الدول العربية؟
نعم ، وهذا ماشاهدناه في مصر ، كبداية ، ومن ثم في تونس ، وسبقهم في ذلك العراق ، حيث لم تحاول التشكيلات الإسلامية ممارسة أي عمل تنموي متقدم او فعال ليكون نموذجا او مشروعا لدولة ناجحة يحتذى به .
إن الاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي، والتي يمكن وصفها بحركات ومظاهرات المواطنين ، قد فاجأت الكثير في كل من مصر والعراق ولبنان ، وليس آخرها تونس ودول أخرى ، تريد التغلب على الانقسامات العرقية والدينية التي نشرها وتبناها الإسلام السياسي ، وتؤكد على مسارها الوطني المتمدن ، وهي تمثل اكبر تحدي للنفوذ الاسلاموي المتقهقر . ولهذا السبب نجد ان العالم العربي يمكن أن يغير نفسه في غضون بضع اشهر او سنوات . نحن حقًا جزء من مستقبل واعد ، ومازال العمل جاريا والحديث لم ينته بعد .
أدهم إبراهيم