عصام زكريا يكتب : استفتاء مهرجان أسوان ما هي سينما المرأة العربية؟
أثار استفتاء أفضل مئة فيلم عربي عن المرأة الذي نظمه مهرجان أسوان لسينما المرأة الماضي كثيرا من الجدل والنقاشات، وأعتقد أن هذا أقصى ما يطمح إليه أي استفتاء أو طرح لفكرة ما، خاصة في هذه الأيام التي يزداد فيها الناس انعزالا في أفكارهم وآرائهم الخاصة، ويتبادلون التراشق بدلا من النقاشات.
إعداد مثل هذا الاستفتاء هو نوع من المغامرة، بجانب الجهد الكبير الذي تطلبه من تواصل مع النقاد المرشحين للمشاركة فيه، وحثهم على الانتهاء من الاختيار في الموعد المقرر، وجمع النتائج وفرزها، واستخراج النتائج النهائية، ثم تكليف نقاد بالكتابة عن الأفلام المختارة، وجمع بعض ما كتب عنها، وعمل إحصائيات واستخلاصات من النتائج، وكتابة تقرير عنها.
معظم هذا العمل قامت به الزميلة الدؤوبة ناهد صلاح، بعزيمة لا تلين وابتسامة لا تهن، كما قام الزميل أحمد شوقي بالجانب المتعلق بفرز النتائج واستخلاص الإحصائيات والأرقام بدقة وأسلوب علمي، وذلك تحت إشراف الأستاذ الكبير كمال رمزي، وقد تحمل الثلاثة فوق بذل الجهد والوقت مسئولية خروج الفكرة بشكل جيد والتعرض للانتقادات والملاحظات التي هي أمر متوقع ولا بد منه في هذه الاستفتاءات، ولا يكاد يوجد هذا الاستفتاء الذي يعجب به أو يرضى عنه كل الأطراف، كما لا يوجد هذا الاستفتاء الذي تعتبر نتائجه “كاملة” و”نهائية”.
الاستفتاء هو عبارة عن تصويت حول موضوع بعينه، تجمع أصوات المشاركين فيه لتحديد آراء “الأغلبية”، و”يفوز” فيه من يحصل على أعلى الأصوات، ولكن قبل عمل التصويت هناك ثلاثة أشياء ينبغي أن تحدد بدقة: موضوع الاستفتاء، ومعايير الاختيار، ومواصفات المشاركين في الاختيار.
فيما يتعلق بموضوع الاستفتاء يبدو الأمر بسيطا: اختيار أفضل أفلام عن المرأة. ولكن هذا الموضوع ليس بسيطا بالمرة.
كيف يعرف المرء أن هذا الفيلم عن المرأة؟
القائمون على الاستفتاء اختاروا بالفعل قائمة تحوي حوالي ألف فيلم مصري و500 فيلم عربي يختار المشاركون منها، حرصوا على أن تضم الأفلام التي صنعتها نساء، أو التي تلعب بطولتها شخصيات نسائية، أو التي تتناول قضايا المرأة بطريقة أو أخرى. وهذه القائمة تضم الأفلام الروائية الطويلة فقط، والأفلام المعروفة المذكورة في الموسوعات والقوائم المنشورة فقط، وربما يكون هناك أفلام غير معروفة أو أعمال قليلة لم تذكرها القائمة، وهذا أمر لا مفر منه لإن البديل يعني أن يختار المشاركون “عشوائيا”، وهو أمر قد تكون آثاره الجانبية أسوأ.
طلب من كل مشارك أن يختار مئة فيلم مرتبة حسب الأفضل بالنسبة له، وتم ترتيب هذه القوائم وجمع درجاتها، في عملية مفصلة يمكن الرجوع لمقدمة كتاب الاستفتاء لمعرفتها، وهي طريقة علمية ومتداولة جدا، وتتجاوز سلبيات الاستفتاءات القديمة مثل استفتاء مهرجان القاهرة 1996، لكنها بالطبع تعطي مجالا أكبر للعاطفة، إذ عادة ما يرتب المشارك قائمته وفقا للأفلام التي يشعر تجاهها بتعاطف وانفعال. وبما أن موضوع الاختيار هو الأفلام التي تدور عن المرأة، وليس بالضرورة الأفلام الأفضل فنيا، فإن قياس نسبة “المراة” في الأفلام مستحيل، وبالتالي يستخدم المشارك في التصويت معايير أخرى قد تكون الجودة الفنية أو أسماء صناع الفيلم أو الذائقة الشخصية…وهو ما يقودنا إلى النقطة الثانية المتعلقة بمعايير الاختيار.
لم يحدد القائمون على الاستفتاء معايير محددة لاختيار الأفلام باستثناء أن تكون “للمرأة” أو “عن المرأة” أو “ل” المرأة، أو ما نقول عنه “سينما المرأة”. لو أردنا أن نوصف الاستفتاء يمكن أن نقول ” اختيار أفضل 100 فيلم مرأة”!، ورغم صحتها لغويا، لكنها غير مستخدمة أو مستساغة سمعيا، ولذلك أضيف إليها حرف “ل” أو “عن”.
مشكلة “ل” أنها قد تعني الأفلام التي تصنعها النساء فقط، ومشكلة “عن” أنها قد تستبعد أفلاما مهمة من صنع نساء ولكن لا تدور بشكل مباشر عن المرأة! وهو ما يصل بنا لمربط الفرس في كل ما يتعلق بمصطلح “سينما المرأة”.
هناك اختلاف حول التعريف، ليس في مصر فقط بل في العالم كله:
هل هي الأفلام التي تصنعها نساء كمخرجات ومؤلفات؟
هل هي الأفلام التي تلعب بطولتها نساء وتتناول قضايا النساء؟
هل هي الأفلام التي تتبنى النظرية النسوية بغض النظر عن جنس صناعها وأبطالها؟ يعني هناك أفلام تدور عن الرجال ولكن من خلال وجهة نظر نسوية، أو تنتقد البطريركية والذكورة التقليدية، ويمكن أن نضرب مثلا على ذلك بفيلم مثل “عودة الابن الضال” ليوسف شاهين، الذي يظهر فيه الرجال كمرضى بالذكورة فيما تظهر النساء قويات، مشعات، تحركن العالم.
ولكن ماذا عن العكس؟ تلك الأفلام التي تصنعها نساء ويبدو أنها تتبنى وجهة نظر ذكورية، أو لا تحمل وجهة نظر نسوية واضحة؟
وماذا عن الأفلام التي يصنعها رجال وتلعب بطولاتها شخصيات نسائية، لكن وجهة نظر السرد فيها منحاز ضد المرأة؟ يعني بالنسبة لي أفلام مثل “شباب امرأة” و”أنا حرة” و”النظارة السوداء” أمثلة واضحة على ذلك، بالرغم من أن الكثيرين يعتبرونها مع النساء وليست ضدهن.
وماذا عن ظاهرة مثل نادية الجندي وأفلامها؟ لا يوجد في تاريخ السينما العربية امرأة تركت تأثيرا على مشاهدي السينما والمجتمع مثلما فعلت نادية الجندي، رغم أن هذا التأثير يحتاج لمناقشة. وقبل نادين لبكي كرست إيناس الدغيدي معظم أفلامها للحديث عن قضايا النساء. ولكن كل من نادية وإيناس تتبنيان النسوية باعتبارها تقليد للذكورية، وتريان أن قوة المراة تتمثل في قيامها بـ”إخصاء الرجل” والقيام بدوره، وهذا يستفز معظم الرجال بالطبع، ويدفعهم لعدم التعاطف مع أفلامهما.
نقطة أخرى هي المستوى الفني لهذه الأفلام. فربما تكون وجهة النظر المطروحة نسوية ولكن المعالجة على مستوى السيناريو والإخراج فجة و”تجارية”. لذلك خلت القائمة من اسم نادية الجندي ومن معظم أفلام إيناس الدغيدي.
الأمر نفسه ينطبق على حسن الإمام، فهو أكثر مخرج قدم شخصيات بطلات من النساء بشكل شديد التعاطف، ولكنه ركز على عالم الراقصات والمغنيات، مما جعل هذه الأفلام تبدو أقل فنيا ونسويا من أعمال صلاح أبو سيف وبركات مثلا، وهذا من وجهة نظري غير صحيح.
..وللحديث بقية.