عميد ركن يعرب صخر يكتب: لعنة غزة / دروس وعبر
في التاريخ القديم والمعاصر والحديث محطات فاصلة داهمة تسمه بطابعها، واحداث حاسمة تحرف مساره وتغير وجهته، تفرض نفسها مقررا" حاضرا" طارئا" تحدث الجلبة وتنسف الرتابة وتجر معها مآلاتها؛ تكسر التحالفات تغير الاصطفافات، تسقط الأقنعة وتكشف الوجوه على حقيقتها، وأثرها فيما هي موغلة وحتى بعد انقضائها، نعمة لبعض ونقمة ولعنة لبعض اخر؛ وعلامة فارقة وظاهرة بارقة في استقاء الدروس والعبر.
٧ تشرين٢ ٢٠٢٣ تسمى بعملية طوفان الأقصى هو هذا الفاصل الطاريء الداهم الذي أحدث التغيير الحاد في مشهدية الشرق الأوسط كله، فاهتزت أرضه وامتدت تردداته في كل المعمورة.
كان يمكن له بسرعة حدوثه وفجائية حصوله، أن يقلب الأمر ويقضي على صورة ما نعايشه منذ سبعين عام. لو أنه قيضت له الإمكانيات وكثافة العديد وكفاية العتاد وطول النفس والخطط المعدة لما بعد أول خطوة… لكان أحدث صدمة" مهولة وصعقة" قاصمة زعزعت وزلزلت وحطمت للأبد كيان إسرائيل.
لكن ذلك قد أفرز وكشف عن أمور كثيرة قلبت كل النظريات وألقت بضوئها على عديد من المستجدات؛ وعلى ذلك قلنا أنها حركة فاصلة في التاريخ…
١- مثلت انجازا" غير مسبوق قل نظيره، ومباغتة مثالية تدرس أصولها ومبادأة محترفة تعلم فصولها في فنون الإغارة الخاطفة والعمليات الاستباقية الناجحة.
٢- يوم ونصف والأبطال موغلون والعدو في ذهول وارتباك وضياع كالدجاج المضروب على رأسه لا يعرف كيف يفر وأين يتوه. ٣٦ ساعة اختل فيها توازن اليهود، انتظرنا على إثرها الضربة القاضية فما حصلت، وألفينا أصحاب الهجوم المباغت منسحبون.
٣- تخيلوا في لحظة الضياع هذه عند العدو، لو انخرط مع الغزاويين من كانوا يركنون إليهم من الجوار من جنوب لبنان وجنوب سوريا!!! اولئك من طبلونا بوحدة الساحات ونجدة بعضهم لبعض عند استحقاق المستحق، وقد استحق وتوفر لهم ثلاثة عناصر ذهبية هيأتها لهم حماس: المباغتة، المبادأة، والزمان والمكان المناسبين، وما انخرطوا. لم تكن الحشود الغربية بهذه السويعات قد بدأت تتألب وتستجمع قواها بعد كي نقول هالهم الأمر وتهيبوا. يا لها من فرصة لن تتكرر أضاعوها وبددوها… سقط القناع عن الممانع الذي بان أنه مبايع والمقاومة عنده باتت مساومة. كعادتهم لا وعد لهم، وفي ساعة الحقيقة أخلفوا كل الوعود.
٤- تكشفت عند الاسرائيلي وترسخت وتأكدت عقيدته القائمة على الإنتقام كان يغطيها بالمظلومية. وبهول مجازره وفظاعاته،"أزيلت الغشاوة عن عين الرأي العام العالمي وبات يرى رأي العين ظالما" كان يراه مظلوما".
٥- تبين ان نظرة الأميركي تجاه الشرق الأوسط تتسم باليمينية.
٦- ما أنجزته حماس في يومين عجز عنه الممانعون في سنين وعقود.
٧- كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي واستخباراته وقدراته الهشة، أذاقته الذل وسحقت كبرياءه وسخفت عقيدة التفوق عنده.
٨- عادت القضية الفلسطينية للحضور بقوة في كل المحافل الدولية، وباتت الإهتمام الأول في الشؤون والشجون الإقليمية والدولية، بضرورة حل هذه المعضلة.
٩- تيقن الشارع العربي وثبت لديه زيف الديموقراطيات الغربية وأكذوبة الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، وانتهى لديه الأمل بالمرجعية الأممية والقانون الدولي والضمير العالمي.
١٠- فلسطين ونظرة القضية كقاعدة مؤسسة لعقيدة ودعائية محور الممانعة والمقاومة بقيادة إيران، انهارت بعد تنصل هذا المحور من نجدة فلسطين وخذلانها وقت الجد والضيق باعقاب عملية الطوفان وتكالب الأعداء عليها.
١١- أظهرت الأحداث الأخيرة، أن بناء القوة يجب منذ هذه اللحظة أن يتصدر الإهتمامات العربية، وأن يتوازى من الآن مع اهتمامات التنمية ورفاه الشعوب التي لا يصونها غير بناء القوة وإرادة القتال وبناء الإنسان المقاتل، لاستعادة المكانة.. وبسبيل كل ذلك لا تنقصنا الإمكانيات والقدرات.