“الحزام والطريق”..صراع النفوذ في المحيط الهادئ
تسعى جمهورية الصين الشعبية لسحب النفوذ الأمريكي اقتصادياً وعسكرياًعن طريق مشروع “الحزام والطريقة” أو ما يعرف قديماً بالطريق الحرير، فيعد الطريق الحرير مبادرة ذات أبعاد جيوسياسية عميقة له تحديات وصعوبات ، ولكن هل الطريق الحرير الفرصة الأخيرة أمام الصين لتركع الولايات المتحدة أمامها؟
الصين “مصنع العالم “
حققــت جمهوريــة الصيــن الشــعبية إنجــازات اقتصاديــة كبيــرة منـذ تأسيسـها قبـل مـا يزيـد علـى سـتة عقـود، وتركـزت طفرتهـا الاقتصادية خـلال العقـود الثالثـة الماضيـة، حيث حقـق اقتصادها معدلات نمــو تفــوق الــ10 ،%وحافــظت علــى ذلــك لســنوات ممتـدة، مـا دفعهـا إلـى الصعـود إلـى المرتبـة الثانيـة عالميـا من حيـث حجـم الاقتصاد بعـد الولايات المتحـدة، متغلبـة بذلـك علـى اليابـان التـي تراجعـت إلـى المرتبـة الثالثـة. واسـتطاعت الصيـن خلال تلــك المرحلــة أن تحقــق طفــرة صناعيــة غيــر مســبوقة وحصلــت بذلــك علــى لقــب “مصنــع العالــم”، كمــا أنهــا باتــت أكبـر دولـة مصـدرة فـي العالـم، مـا أهلهـا لتحقيـق فائـض تجـاري مـع معظـم دول العالـم مـن دون منافـس.
“الطريق الحرير”
تاريخياً يشير “طريق الحرير ” إلــى مجموعــة مــن الطــرق البريــة، التــي كانــت تربــط منطقــة شرق آسيا بالبحر المتوسط مروراً بمنطقة وسط آسيا غير أنه لم يكن معروفاً على وجه الدقة المسار الرئيسي لهذا الطريق وقد كان الرحالة والجغرافية الألماني “فرديناند فرايهر فون ريشتهوفن ” هو أول من استخدم تسمية “الطريق الحرير ” عام ١٨٧٧.
وقــد اســتخدمها لوصــف الطـرق التـي كان يمـر مـن خلالها الحريـر الصينـي المنتـج مـن قبل إمبراطورية الهان خلال الفترة من عام 206
قبل الميلاد الى عام 220ميلادية وصولا إلى وسط آسيا وعلـى الرغـم مـن أن اسـتخدامه هـذا المصطلـح كان مقتصـرا علـى هـذا الطريـق خلال تلـك الحقبـة التاريخيـة تحديـداً من دون الإشارة إلــى الممــرات التجاريــة التــي ربطــت بيــن المنطقتيــن خـلال فتـرات تاريخيـة لاحقة ، فـإن المفهـوم صـار يسـتخدم بعـد ذلــك للإشارة إلــى كل الطــرق التــي كانــت تربــط بيــن الصيــن ووسـط آسـيا وحـوض البحـر المتوسـط وفــي الواقــع العملــي، فقــد اســتخدم هــذا المفهــوم للإشارة إلــى الطريــق الــذي يبــدأ مــن مدينتــي “لويانــج” و”تشــانجآن” الصينيتين مروراً بممــر “قانسو”
وصولا إلـى نهايـة هـذا الممـر عنـد مدينـة “دونهوانـج” الصينيـة، ثــم بعــد ذلــك يتفــرق الطريــق إلــى ثالثــة ممــرات أساســية، وهــي “الممــر الشــمالي”، الــذي يصــل إلــى جبــال “تيــان شــان” ومدينــة “أورومتشــي”، عاصمــة إقليــم “شــينجيانج”، و”الممــر الأوسط”، الـذي يمتـد مـن مدينـة “توربـان” فـي غـرب الصيـن
إلــى الأطراف الجنوبيــة مــن إقليــم “شــينجيانج”، وصولاً إلى مدينـة “هوتـان” الصينيـة، ومنهـا إلـى وسـط آسـيا، وبـاد فـارس إيــران(، وانتهــاء بأوروبــا، و”الممــر الجنوبــي”، الــذي يمــر عبــر جبــال “باميــر” إلــى باكســتان والهنــد
وجديـر بالذكـر أن هـذه الممـرات التجاريـة لـم تكـن تقتصـر فقــط علــى الطــرق البريــة، بــل شــملت ممــرا بحرياً أيضا، وهــو الممــر البحــري الــذي ســلكه التجــار العــرب مــن شــبه الجزيــرة العربيــة وصولا إلى المدن الصينية”غوانشو” و”تشوانتشــو” و”نينغبــو” و”يانغتشــو”، والــذي كان مــن خلاله يتــم تبــادل ليــس فقــط الحريــر، ولكــن البورســلين، والســيراميك والشاي وغيرها
وكان العــرب هــم مــن يســيطرون علــى هذا الطريق لأنهم كانوا متطورين في صناعة السفن آنذاك كما أنهم كانوا يفضلونه نظرا لارتفاع تكلفة الطريق البرى .
مبادرة “الطريق والحزام “
أعلن الرئيس الصينــي “شــي جيــن بينــغ” عــن “مبــادرة الحــزام والطريــق” للمــرة الأولى فــي عــام 2013 بعــد توليــه مقاليــد الحكــم فــي ، وكانــت المبــادرة تحمــل آنــذاك اســم “حــزام واحــد وطريــق واحــد”
الحزام هو طريق بري يصل الصين بأوروبا مرورا بجنوب قارة آسيا عن طريق خطوط قطارات سواء قطارات لنقل البضائع أو الأفراد وتأثير ذلك على حركة السياحة في العالم كله.
الطريق البحري من الصين مرورا بأفريقيا عبوراً من قناة السويس مكملا لاوروبا وفى عام 2018 نجحت الصين فـي اجتذاب 75 دولـة و35 منظمـة دوليــة للانضمام إلى المبــادرة، التي تربط آســيا بأوروبــا وأفريقيا بل يمتد نطاقها لتشمل أســتراليا ونيوزيلندا تضم الدول المشاركة فى المبادرة. 62.3%، من التعداد الإجمالي لسكان العالم ونحو35.3% من الناتج المحلى الإجمالي العالمي ونحو 24%من الاتفاق الاستهلاكي العالمي ومنذ إطلاق المبادرة وحتى نهاية عام 2017 أنفقت الصين نحو 34 مليار دولار على المشروعات المتضمنة فيها تنوعت ما بين الطرق والخطوط والموانئ وخطوط وشبكات الطاقة
الولايات المتحدة
لم تقف الولايات المتحدة مكتفة الأيدي أمام مشروع الحزام والطريق الذى يهدد الحركة التجارية فى المحيط الهادئ والتى تبلغ 3تريلون دولار فحاولت إخضاع الصين عسكريا فى المحيط الهادى عن طريق إرسال سفينة تجاوزت المياه الدولية الصينية فى المحيط الهادئ فقامت الصين بصناعة 7جزر صناعية وردم جزء كبير من المحيط بالرمال كما قامت ببناء منشأت عسكرية وسكنية ومطارات حربية ومستشفيات ومدارس وجعلت للصيادين ينتقلون إلى هذه المنشآت .
قناة السويس
قناة السويس واحدة من أهم محطات مشروع الحرير لأنها حلقة الوصل بين الصين وأوروبا عن طريق البحر المتوسط وواحدة من أهم أسباب شق تفريعة جديدة لقناة السويس .
ويبلغ حجم الاستثمارات الصينية داخل المنطقة الاقتصادية داخل قناة السويس تجاوز 5مليار دولار كما تمتلك الصين أكبر مصنع فى العالم فى مصر لتصنيع الفايبر جلاس .
احتمالية فشل أو نجاح المبادرة
تمتلك مبادرة الحزام والطريق فرص كبيرة للنجاح كما تكتنفها فرص عديدة للفشل وتعتمد فرص النجاح أو الفشل على مدى توافر او قلة العوامل المؤدية للنجاح أو الفشل ففرص النجاح تتوقف على مدى توافر التمويل اللازم للمبادرة ومدى التقارب بين الدول المشاركة ورغبة كل منها فى المضي قدماً فى تنفيذ المشروعات والأنشطة ضمن المبادرة ومن ثم مدى توافر الإمكانات اللازمة لهذه الدول .
ليس من السهل إيجاد بدائل فى حال فشل المبادرة حيث تتضمن مشروعات كبيرة وعلاقات الشراكة مع العديد من دول العالم هذا بجانب أن المبادرة تمثل المرحلة الثانية من مراحل التطور الاقتصادي للصين التى تنطلق بواسطته العالم الخارجى بعدما استطاعت بناء قدرات ذاتية لاقتصادها ولذلك يمكن القول إن المبادرة تمثل ضرورة للاقتصاد الصيني.