فاينانشيال تايمز: غزة تشهد أزمة إنسانية لا مثيل لها في العصر الحديث
ذكرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، أن العدوان العسكري الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة المحاصر منذ أربعة أشهر أدى إلى محاصرة أكثر من نصف سكان القطاع في قطعة ضيقة من الأرض بين الهجوم البري الإسرائيلي والهجمات القادمة من البحر الأبيض المتوسط.
وأكدت الصحيفة -في تقرير نشرته عبر موقعها الإلكتروني، الخميس، أن غزة تشهد أزمة إنسانية لا مثيل لها في العصر الحديث، في حين أعلنت إسرائيل أن قواتها ستستهدف مدينة رفح في حملتها ضد حركة حماس، التي أفلت قادتها الكبار في غزة من الاعتقال.
وأشارت الصحيفة إلى قول وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، يوم الاثنين الماضي: "إننا سنصل أيضًا إلى الأماكن التى لم نقاتل فيها بعد، وخاصة آخر مركز ثقل لا يزال في أيدى حماس؛ وهو مدينة رفح".
1.4 مليون شخص محاصرين في المدينة الحدودية الجنوبية
وبحسب الصحيفة، فإن ما يقدر بنحو 1.4 مليون شخص محاصرين في المدينة الحدودية الجنوبية - ويعانون بالفعل من ظروف قاسية وقصف متواصل - وليس لديهم مكان آخر يفرون إليه.
وقالت الصحيفة: إن مشاعر الخوف من الهجوم القادم تُهيمن في مخيمات الخيام مترامية الأطراف في رفح، والتى تهطل عليها أمطار الشتاء، حيث يعيش معظم النازحين بعد تقدم الجيش الإسرائيلى من الشمال إلى الجنوب وهدم ما لا يقل عن نصف مباني القطاع.
بدورها قالت أم خالد عاشور، وهى أم لثلاثة أطفال- في تصريح خاص لمراسل الصحيفة: "إن أطفالها كانوا يسألونها: (هل ستأتى الدبابات إلى رفح وتقتلنا كما فعلت فى الشمال؟!) وأشارت إلى أنها فرت مع أسرتها من منزلها في شمال غزة وتعيش حاليًا في مدرسة تحولت إلى مأوى في غرب رفح.. وقالت: "أحاول أن أطمئنهم بأن ذلك لن يحدث، لكنهم يرون الخوف فى عيني".
ومن جانبه، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، الأربعاء، من أنه إذا أرسلت إسرائيل جيشها إلى رفح، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الكابوس الإنساني بشكل كبير.
وقال جوتيريش، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: "لقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى دمار وموت في غزة على نطاق واسع وسرعة لم نشهدها من قبل إننى منزعج بشكل خاص من التقارير التى تُفيد بأن الجيش الإسرائيلي يعتزم التركيز بعد ذلك على رفح، حيث يتم الضغط على مئات الآلاف من الفلسطينيين فى بحث يائس عن الأمان".
وتظهر صور الأقمار الصناعية الحديثة وبيانات الرادار -حسبما أبرزت الصحيفة- حجم الأضرار التي لُحقت بالمباني ومدى الضغط على سكان غزة في رفح ومخاطر أى عمليات عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في المنطقة المكتظة بالسكان.
وفي رفح، قالت لمى، ابنة عاشور البالغة من العمر خمس سنوات، في خوف أسوأ من الموت، وسألت:" ماما لو استشهدت هتدفنينى هنا في رفح وترجعى من غيرى وتتركينى هنا وحدي؟!".
تدمير 80% من المنازل والمبانى في شمال غزة
وتظهر بيانات الرادار أن والدتها ليس لديها ما تعود إليه فى الشمال؛ حيث تم تدمير حوالي 80% من المنازل والمباني في شمال غزة.
وأوضحت "فاينانشيال تايمز" في تقريرها أن الجيش الإسرائيلى طالب المدنيين، عندما اجتاح غزة، بالتوجه جنوبًا - وقد فعل معظمهم ذلك، وتوجهوا أولاً إلى خان يونس، ثانى أكبر مدينة في غزة ومعقل حماس ثم، في أوائل ديسمبر الماضي، بدأت قوات الدفاع الإسرائيلية عملياتها في خان يونس، التى كانت بحلول ذلك الوقت مكتظة بمئات الآلاف من النازحين داخلياً وتعرضت المدينة للدمار بحلول منتصف يناير، بعد ذلك، فر المدنيون جنوباً إلى رفح.
وتابعت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يرى في رفح الملاذ الأخير لقادة حماس، ولذلك قصف عدة مواقع في رفح، بما في ذلك شن هجمات مكثفة في هذا الأسبوع وعادةً ما كانت الضربات الجوية تسبق المناورات البرية.
وخلال الحرب، سعى سكان غزة إلى الاحتماء في منازلهم والفرار عبر طرق الإخلاء الخطيرة والوصول إلى المستشفيات المتبقية العاملة ولكن بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في رفح، هناك خيارات أقل في ظل ظروف شديدة الصعوبة.. حسب قول الصحيفة التى أكدت أن مدينة رفح تغيرت بفعل طوفان النازحين قسراً من الشمال؛ حيث يعيش البعض مع الأصدقاء أو الأقارب، عشرات منهم في شقة واحدة، ويتناوب الرجال والنساء على النوم، في حين وصف أحد الأشخاص الوضع؛ قائلًا: "إننا نعيش مثل السردين في علبة"!.
ويلجأ معظم النازحين إلى الاحتماء في الخيام الواسعة التى تمتد الآن من الطرف الجنوبي الغربي لرفح، إلى قرب البحر في الغرب؛ حيث المياه الجارية نادرة والمراحيض تفيض والطعام الطازج باهظ الثمن بالنسبة لمعظم الناس، فضلًا عن أن إسرائيل تفرض حصاراً على القطاع منذ بدء الحرب، ولم تدخل إليه سوى مساعدات محدودة؛ ويعتمد الناس على عمليات تسليم متقطعة للأغذية والأدوية التى تنقلها بالشاحنات الأمم المتحدة وغيرها.
ومضت الصحيفة البريطانية تصف في تقريرها الوضع في رفح وقالت: المحلات التجارية فارغة في ميدان العودة وسط رفح عشرات الآلاف من الناس يعيشون في الشوارع والطريق الرئيسي الذى يمتد خمسة كيلومترات من الساحة إلى البحر مزدحم باستمرار العديد من المدارس، التى تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، أصبحت الآن ملاجئ، كل منها تؤوى الآلاف.