بعد عام كامل من غياب العدالة.. لبنان يحيي الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت
عند السادسة وثماني دقائق من يوم الثلاثاء، الرابع من أغسطس العام الماضي، وقع انفجار في مرفأ بيروت، بعد نشوب حريق في أحد عنابره تلاه انفجار هائل ألحق دماراً كبيراً بالمرفأ والأحياء القريبة منه.
أسفر الانفجار عن مقتل 190شخصاً، وإصابة أكثر من 6500 آخرين بجروح بينهم ألف طفل وتشريد نحو 300 ألف شخص بعدما باتت منازلهم غير قابلة للسكن وفقاً للأمم المتحدة كما تسبب الانفجار بخسائر مادية تقدر ب18 مليار دولار وفقا للبنك الدولي.
ألقى الرئيس اللبناني “ميشال عون” باللائمة على انفجار 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم التي خُزنت بطريقة غير آمنة في مستودع في الميناء وكانت كمية مماثلة من مادة نترات الامونيوم وصلت على متن سفينة تحمل علم مولدوفا تدعى “أم فى روسوس” وقد رست في مرفأ بيروت في عام 2013 جراء مشكلات تقنية أصابتها وكانت في رحلة من جورجيا إلى موزمبيق.
نترات الأمونيوم
مركب كيميائي بلورة عديم الرائحة يشيع استخدامه كسماد زراعي وحين يمتزج بزيوت الوقود يؤدي إلى تفجيرات كارثية وكثيراً ما يتم اللجوء إليها في أعمال البناء والتعدين كما استخدمته جماعات مسلحة لصنع متفجرات.
عرقلة مسار التحقيق
اندلعت مواجهات بين قوات الأمن وعدد من أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت خلال وقفة احتجاجية نظموها أمام منزل وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال “محمد فهمي” الذى يتهمونه بعرقلة مسار التحقيق بعد رفضه طلباً قدمه المحقق العدلي “طارق بيطار” لاستجواب مدير الأمن العام “عباس إبراهيم”.
طلب البيطار من البرلمان رفع الحصانة عن ثلاثة وزراء سابقين هم النواب، على حسن خليل، وزير المالية، وغازى زعتير، وزيرة الأشغال ونهاد المشنوق وزير الداخلية، تمهيدا للادعاء عليهم والشروع بملاحقتهم بجناية القصد الإجمالي لجريمة القتل إضافة إلى جنحة الإهمال والتقصير لأنهم كانوا على دراية بوجود مادة نترات الأمونيوم ولم يتخذوا أي إجراءات تجنب البلد خطر الانفجار.
ولم تسفر التحقيقات في الانفجار عن أي نتيجة معلنة حتى الآن، وأوقف 25 شخصاً على الأقل، بينهم مسؤولون كبار عن إدارة المرفأ وأمنه، أخلى بيطار سبيل عدد منهم، آخرهم الجمعة الرائد في الأمن العام “داوود فياض” والمهندسة اللبنانية الفرنسية” نايلة الحاج”.
وأوضح بيطار أن التحقيق “يسير على ثلاث فرضيات”: اندلاع حريق عن طريق الخطأ أو بشكل متعمد أو “الاستهداف الجوي”. لكن تقريراً تسلمه من محققين فرنسيين ساهم في استبعاد إحداها، قالت مصادر قضائية إنها فرضية الاستهداف الجوي
وينظر التحقيق كذلك في تحديد كيفية وصول شحنة نيترات الأمونيوم إلى المرفأ وأسباب تركها مخزنة لسنوات.
وكان لبنان رفض إجراء تحقيق دولي في الانفجار، لكن محققين أميركيين وفرنسيين شاركوا في التحقيقات الأولية بشكل مستقل، وطالبت 53 منظمة حقوقية دولية وإقليمية ومحلية، فضلاً عن 62 شخصاً من الناجين وعائلات الضحايا، منتصف الشهر الماضي، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بـ”إنشاء بعثة تحقيق دولية ومستقلة ومحايدة، من قبيل بعثة لتقصي الحقائق لمدة سنة.”
اعتذار الحريري
أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، سعد الحريري، اعتذاره عن عدم تشكيل حكومة جديدة في لبنان، بعد تسعة أشهر من تسميته، في خطوة من شأنها أن تعمّق معاناة البلاد الغارقة في أسوأ أزماتها الاقتصادية.
وقال الحريري، إنه كان من الواضح أنه لن يتمكن من الاتفاق مع الرئيس ميشال عون على المناصب الوزارية.
وكانت الحكومة الأخيرة قد استقالت في أعقاب الانفجار الهائل في مرفأ بيروت في أغسطس ومنذ ذلك التاريخ، تفاقمت الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان.
فقد تسبب انهيار العملة اللبنانية في ارتفاع التضخم بشكل كبير وترك الناس عاجزين عن شراء المواد الغذائية، بينما تعاني البلاد من نقص حاد في إمدادات الوقود والكهرباء والأدوية.
وقال الحريري إن عون “يريد الثلث المعطل”، مضيفا “إذا شكلت حكومة ميشال عون… لن أستطيع أن أدير البلد، لأنها ليست حكومة أستطيع أن أعمل معها”.
واعتبر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في الأمم المتحدة أن اعتذار الحريري يشكل “فصلا مأسويا إضافيا في عجز المسؤولين اللبنانيين عن إيجاد حل للأزمة”.
بدورها، أبدت الأمم المتحدة أسفها لاعتذار الحريري، وقالت متحدثة باسم المنظمة “نكرر دعوتنا القادة السياسيين للبلاد إلى التفاهم سريعا على تشكيل حكومة جديدة تستطيع مواجهة التحديات الكثيرة في البلد”.
وفور اعتذار الحريري، تجاوز سعر صرف الليرة عتبة عشرين ألفاً مقابل الدولار، في معدل قياسي جديد، وفق ما قال صرّافون لوكالة فرانس برس، وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام عن قطع طرق في مناطق عدة احتجاجاً.
وقد ألقى البنك الدولي باللائمة في الوضع على السياسيين اللبنانيين الذين لم يستطيعوا الاتفاق على سبيل للمضي قدماً للخروج بالبلاد من الأزمة.
ورفضت دول أخرى تقديم مساعدات بمليارات الدولارات للبنان إلى أن تتمكن الأطراف السياسية من تشكيل حكومة يمكنها تطبيق الإصلاحات ومعالجة الفساد.
كان الحريري قد رُشح من قبل أعضاء مجلس النواب لتشكيل حكومة جديدة في أكتوبر الماضي، بعد عام واحد فقط على استقالته من منصب رئيس الوزراء في أعقاب احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة أشعلت فتيلها بداية الانهيار الاقتصادي في البلاد.
ووعد الحريري بالتشكيل السريع لحكومة من التكنوقراط، أي المتخصصين غير الحزبيين، تعمل على تطبيق الإصلاحات.
لكن عون رفض العديد من المرشحين للمناصب الوزارية الذين اقترحهم الحريري.
ماذا بعد اعتذار الحريري؟
وصرح عون في البيان بأنه سيحدد قريباً موعداً جديداً للمشاورات النيابية من أجل اختيار بديل للحريري.
وبموجب نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان، فإنه يتعين أن يكون رئيس الحكومة سنياً ورئيس الجمهورية مسيحياً ورئيس مجلس النواب شيعياً.
وفيما يواجه لبنان انهياراً اقتصادياً رجّح البنك الدولي أن يكون من بين ثلاث أشدّ أزمات في العالم منذ عام 1850، لم تتمكن القوى السياسية المتناحرة من تشكيل حكومة منذ 11 شهراً.
وأمضى الحريري وعون الأشهر الماضية يتبادلان الاتهامات بالتعطيل جراء الخلاف على الحصص وتسمية الوزراء.
والحريري هو ثاني شخصية تعتذر عن عدم تشكيل حكومة، بعد اعتذار مماثل قدّمه السفير مصطفى أديب الذي كلفه عون تأليف الحكومة نهاية أغسطس إثر استقالة حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسان دياب، بعد أيام من انفجار المرفأ.
ولم تنجح الضغوط الدولية التي مارستها فرنسا خصوصاً منذ الانفجار على الطبقة السياسية في تسريع عملية التأليف.
وفي مواجهة انسداد الأفق السياسي، أعلن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع الإثنين توجّهاً لفرض عقوبات على قادة مسؤولين عن التعطيل قبل نهاية الشهر الحالي.
الوضع الاقتصادي
حذر البنك الدولي، من أن لبنان غارق في انهيار اقتصادي قد يضعه ضمن أسوأ عشر أزمات عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر، في غياب لأي أفق حل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي.
وتوقع البنك الدولي في تقرير جديد أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي في لبنان، الذي يعاني من “كساد اقتصادي حاد ومزمن”، بنسبة 9,5 في المئة في العام 2021.
وأضاف أنه “في مواجهة هذه التحديات الهائلة، يهدّد التقاعس المستمر في تنفيذ السياسات الإنقاذية، في غياب سلطة تنفيذية تقوم بوظائفها كاملة، الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية أصلاً والسلام الاجتماعي الهش؛ ولا تلوح في الأفق أي نقطة تحوّل واضحة”.
غموض سياسي يحيط بالتحقيقات
عام كامل مر على تلك الكارثة المروعة، وما يزال أهالي الضحايا ينتقلون من وجهة إلى أخرى، وينظمون احتجاجاتهم، سعيا وراء معرفة حقيقة ما جري، ومن المسؤول عن قتل أبنائهم؟ دون جدوى، وبجانب ما يتحدث عنه أهالي الضحايا، من غموض يلف التحقيقات بشأن الانفجار ومن المسؤول عنه، يتحدث آخرون عن ضغوطات سياسية، يتعرض لها التحقيق، لمنعه من الوصول إلى المسؤولين الحقيقيين عن الانفجار.
لكن ما يقال عن تباطؤ التحقيق، وتعرضه لضغوط من قبل السياسيين، ليس المشكلة الوحيدة إذ وبعد مرور عام على الانفجار، لم تصرف أية تعويضات لأسر الضحايا أو المصابين، باستثناء تعويضات رمزية، لبعض أصحاب المحال التجارية التي دمرها الانفجار.
وتشير أرقام إلى أن الدولة، لم تقدم من التعويضات المالية لضحايا الانفجار، على مدى عام كامل سوى نسبة 10% من المبلغ، الذي تم تخصيصه، وقدره 100 مليار دولار، ويعتبر ناشطون لبنانيون أن نسبة العشرة بالمئة التي تم تقديمها للضحايا على مدى العام الماضي فقدت قيمتها، في ظل الانهيار المتواصل، لسعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار. في وقت تدور فيه أحاديث، عن أن المساعدات العربية والدولية، التي قدمت لضحايا الانفجار لم يصل كثير منها للناس.
تحقيق يخضع الضغوطات السياسية
ولأن عدم وجود تحقيق جاد يصل للحقيقة، يؤثر بشكل سلبي على دفع التعويضات ومبالغ التأمين للمتضررين، فإن ما يبدو أكثر إلحاحا حاليا بالنسبة لأهالي الضحايا، وعدة جهات خارجية، هو أنجاز تحقيق يتسم بالشفافية، ولا يخضع للضغوط السياسية، بهدف الكشف عن المسؤولين عن انفجار المرفأ، في وقت ما يزال فيه الاقتراح الذي قدمه سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل اللبناني، حول رفع الحصانة عن كل المسؤولين دون استثناء، محل أخذ ورد، وسط تشكيك بإمكانية تنفيذه، نظرا للممانعة التي قد تبديها كتل وأحزاب لمساءلة سياسييها.
وكانت منظمة العفو الدولية، قد اتهمت الاثنين الثاني من أغسطس السلطات اللبنانية بأنها تعرقل، مجرى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت للتوصل إلى الحقيقة وتحقيق العدالة للضحايا، وقالت المنظمة في بيان لها إن “السلطات اللبنانية أمضت السنة المنصرمة وهي تعرقل بوقاحة بحث الضحايا عن الحقيقة والعدالة في أعقاب الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت”. وأضافت أن “الجهود التي بذلتها السلطات اللبنانية بلا كلل ولا ملل طوال العام لحماية المسؤولين من الخضوع للتحقيق عرقلت على نحو متكرر سير التحقيق”.
ما خلفه الانفجار
البطالة المستشرية وأزمة الوقود وتدني مستوى المعيشة بشكل رهيب وانخفاض قيمة صرف الليرة إلى أدنى مستوى لها، تعاني المستشفيات والعيادات العامة والخاصة على حد سواء من عدة مشاكل، من بينها نقص الأدوية والمستلزمات الطبية ورحيل مئات من الأطباء والممرضات إلى الخارج بحثا عن حياة أفضل.
ويأتي هذا في وقت لا تزال بعض المستشفيات تعاني من آثار الانفجار الذي هز مرفأ العاصمة اللبنانية، إذ لم تتمكن بعد من إنهاء عمليات الترميم وتأهيل كل الأقسام الطبية بسبب نقص الأموال والتبرعات، للأسف الأزمة الاقتصادية والوضع الحالي في لبنان أثرا سلبا على الأطباء بشكل خاص وعلى موظفي قطاع الصحة بشكل عام، أكثر من 1000 طبيب ومئات الممرضين والممرضات غادروا البلاد في 2021″.