فقر وبطالة وتضخم.. الحرب على غزة تدمر الاقتصاد الفلسطيني
خمسة أشهر مرت على بدء الحرب في غزة، وهي الحرب التي كانت -ولا تزال- فاتورتها الاقتصادية باهظة على نحو واسع، وقد ألحقت دماراً شبه كاملاً بالقطاع، الذي يرزح تحت وطأة معاناة لا تنتهي.
خلفت الحرب تأثيرات اقتصادية واسعة على الاقتصادي الفلسطيني، أفقدته مقوماته الرئيسية وضربت عماده، لا سيما فيما يتعلق بالبنية الأساسية.
أدت الحرب إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الموجودة مسبقاً في غزة، وزادت بشكل كبير من التحديات الاقتصادية والتنموية في الأراضي الفلسطينية. وقد نزح حوالي 1.7 مليون فلسطيني يعيشون في غزة (حوالي 75% من إجمالي السكان في غزة) داخليا، ويعاني جميع سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من نقص الغذاء والمياه والكهرباء والوقود والطب.
كما أن الضرر والدمار الذي أصاب الأصول الثابتة يعد كارثيا. وقد أدى الصراع إلى تدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية، حيث أصبح أكثر من 1.2 مليون شخص بلا منازل حاليًا. وكان للحرب أيضًا تأثير على القطاع الصحي، حيث أن ثلث مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى فقط تعمل بشكل جزئي، في حين تم إغلاق الباقي بسبب الأضرار و/أو نقص إمدادات الكهرباء.
الاقتصاد الفلسطيني
منذ بداية الصراع، شهد الاقتصاد الفلسطيني واحدة من أكبر الصدمات المسجلة في التاريخ الاقتصادي الحديث. وفي غزة، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 80% في الربع الرابع من عام 2023 - من حوالي 670 مليون دولار أمريكي في الربع الثالث إلى ما يقرب من 90 مليون دولار أمريكي في الربع الرابع. لقد توقفت جميع الأنشطة الاقتصادية في غزة تقريبًا.
وفقًا للتقديرات الأولية الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، شهد الناتج المحلي الإجمالي في غزة انخفاضًا بنسبة تزيد عن 80 بالمائة في الربع الرابع من عام 2023. وانخفاضًا بنسبة 24 بالمائة للعام بأكمله (2023).
وتشير التقديرات إلى أن القطاع الخاص قد واجه خسائر في الإنتاج يبلغ مجموعها حوالي 1.5 مليار دولار أمريكي في الشهرين الأولين من الحرب، أو ما يقرب من 25 مليون دولار أمريكي يوميًا. ويتجاوز التدهور الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية بالفعل تأثير الصراعات في عامي 2008 و2012 أو 2014 أو 2021، وعلى مدى العقدين الماضيين.
إن الجمع بين مستويات الفقر المرتفعة الموجودة مسبقًا، والنزوح الداخلي واسع النطاق، وتدمير المنازل، والأصول الثابتة، والقدرة الإنتاجية، بالإضافة إلى الانكماش الاقتصادي الهائل، يعني من الناحية الواقعية أن كل سكان غزة تقريبًا سيعيشون في فقر مدقع لسنوات قادمة. وعلى مدى الأشهر الأربعة الماضية، تدهورت بسرعة الظروف الاجتماعية التي تشير إلى الفقر متعدد الأبعاد. وينعكس هذا في تعطيل حصول الأطفال على التعليم وفي التحديات الهائلة التي تمنع سكان غزة من الحصول على الخدمات الأساسية.
ويواجه كل شخص في غزة حاليًا انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، حيث يعاني واحد على الأقل من كل أربعة من الجوع الكارثي مع تزايد خطر المجاعة، فضلا عما يقرب من ثلاثة من كل أربعة أشخاص نازحون.
وتظل الإدارة الفعالة للأزمة المالية المتصاعدة أولوية قصوى بالنسبة للسلطة الفلسطينية، خاصةً في ضوء الآثار غير المباشرة للصراع في الضفة الغربية. وقد تفاقمت الأزمة المالية الهيكلية القائمة من قبل بسبب انخفاض تحويلات إيرادات المقاصة، ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد أجبر هذا، إلى جانب انخفاض الإيرادات المحلية (الذي يعكس انخفاض النشاط الاقتصادي)، السلطة الفلسطينية على مواصلة خفض مدفوعات الرواتب العامة في القطاع، فضلا عن مضاعفة فجوة التمويل لعام 2023 حيث تنمو بمقدار خمسة أضعاف تقريبًا، لتصل إلى 3.0% من إجمالي الناتج المحلي.
وفي سياق عدم إمكانية الوصول إلى أدوات السياسة الاقتصادية التقليدية، تظل مصادر التمويل البديلة الوحيدة هي المتأخرات الإضافية والمساعدات الخارجية.
وتتوقف التوقعات إلى حد كبير على شدة الصراع ومستوى القيود. وإذا ظلت حدة الصراع مرتفعة بعد الأشهر الأولى من عام 2024، أو إذا لم تتم إزالة القيود المفروضة على الحركة والوصول إلى الضفة الغربية، فقد يصبح الانكماش الاقتصادي أكثر وضوحًا.
البطالة
ونتيجة التدمير الكامل للحياة الاقتصادية في غزة، لم يعد القطاع يعمل إلا بطاقة إنتاجية تبلغ بالكاد 14% يمثلها قطاع الصحة والمخابز وجزء من العاملين لسد الاحتياجات الأساسية.
ونظرًا إلى تكرر الاجتياحات الإسرائيلية في الضفة الغربية بالتوازي مع العدوان على قطاع غزة، بات الاقتصاد الفلسطيني في حالة كارثية.
ويعبر عن ذلك انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 33%، إذ بلغت نسبة الانكماش في قطاع غزة 80%، فيما زادت سياسات الإغلاق في الضفة الغربية من مشكلات الاقتصاد مع تسريح 90% من العاملين في إسرائيل.
إلى ذلك، استمر اقتطاع أموال المقاصة بقيمة بلغت 600 مليون دولار بالتوازي مع التراجع الحاد للدعم الخارجي.
ومع الانهيار الكامل لكل الأنشطة الاقتصادية في القطاع، أدت السياسات العدوانية إلى خفض الاستهلاك الخاص بنسبة 80%، وهو ما يرسم صورة اقتصاد لا يسد رمق الاحتياجات الأساسية.