د. صباح ناهي يكتب: من هم الحشاشين !؟.. أبطال وأباطيل!
ادعي باني توغلت كثيرا متأملاً في ابعاد مسلسل الحشاشين ، فكرة وموضوعا وعوالم وسيناريو عمل ضخم أخرجه المصري بيتر ميمي وكتبه عبد الرحيم كمال، بعد معاينة اكثر من عشر حلقات منه، حيث يعرض حاليا في رمضان ليهز شباك الدراما العربية بقوة لسببين رئيسين ،، الاول :
اختيار موضوع الحشاشين الغريب من وجهة نظر كونهم إحدى فرق (الباطنية ) الذين ظهروا في القرن الحادي عشر والثاني عشر الميلادي ، بعُيد تداعي الدولة العباسية، وضعفها في آخر أيامها ، وسيطرة الجواري وبيوت الطرب عليها ، وانغماس ملوكها بالمجون، انتج تشرذم وعي الامة وانقلابها بظهور ممالك جديدة تؤسس لحكم، وسلطات وسلاطين واتباع يتقاتلون على النفوذ وامتلاك القرار الذي يتحكم بالعالم الاسلامي، وانتقال السلطة من العرب إلى الأعاجم ( غير العرب )
سيما الترك والفرس وقوميات اخرى تتطاحن، في عدد غير قليل من أمصار الخلافة، حتى دوران، رحى واقع جديد خلفه الغزو المغولي اسقط دولة الخلافة في بغداد ، واحرق الكثير من الممالك ، في نتيجة مأساوية لافتة في التاريخ ، ومن بينها قلعة الموت ، التي احتمى بها الحشاشون ، رافقه ظهور حركات متناقضة الأهداف والمغزى والاندفاع نحو عالم السلطة والمال و النفوذ ، وتقاطر الدعوات الفكرية الهدامة او تلك المدافعة على بقاء الحكم بيد هذا او ذاك، يرافقها مد فكري دعوي متناقض، بين مدافع عن الرسمي في الحكم ، او الثوري الشعبي، او ذلك العنفي الساعي لفرض قناعات وسلطات ، لم يألفها النظام العربي او الإسلامي ،
واتباع أساليب متباينة ، وغير معروفة سابقا ، بخبرة اخرين ، بدأ ولم ينته في قتل الخصوم ، وتأليب الاعداء ، وسط خراب هائل وهدم فكري يتقصد الإزاحة العمدية والتأسيس والتغريد خارج سرب المعقول ، او السائد ، باعتماد التآمر والقتل واختراق القصور ، ومكامن الولاة والطغاة معا ، دون رحمةً كما فعل الحشاشون الذين يصفهم السلاجقة الحاكمون انذاك ، الذين يحكمون الشرق الإسلامي بانهم فرقة باطنية عنفية لا تتورع عن القتل ،
ويكمن السبب الثاني :
في حظوة العمل ، قوة النص الذي كتبه عبد الرحيم كمال، والاختيار الاستثنائي لعوالم المسلسل، في بلاد على تخوم الدولة العربية الإسلامية المتمثلة بالعباسيين ، والدولة الفاطمية في مصر، وحكم السلاجقة الأتراك في الشرق ، وعاصمتهم المميزة بعواملها ( أصفهان ) ،
مع تلميحات واضحة تحاكي عقدا فكرية ودعوية تحاكي افكار الإمامة و تراتبية القرار والحسم لعالم خفي تسري فيه النار، في هشيم الطموحات المضنية والمتشابكة ، ورغبة الانتقام المتأججة في قلوب الدعاة الذين يتسابقون لشراء الاتباع والمريدين ،،
" تدور أحداث المسلسل في القرن الحادى عشر، في بلاد فارس، حين عمد حسن الصبّاح مؤسس فرقة باطنية ، من أتباع العقيدة الإسماعيلية وسماهم : بـ"الفدائيين"..واشترى رجالا ً في الإقناع حينا ً و بالمال احيانا ًوبغيره ، لا يبالون الموت في سبيل تحقيق هدفهم، وهو السلطة وتقويض حكم السلاجقة في أصفهان ، وإخضاع الممالك لإراداتهم ، وباتوا يلقون الرعب في قلوب الحكام والأمراء المعاديين لهم، وتمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات المهمة في الدولة ، بغطاء الظلم وعدم الانصياع لافكارهم العنفية ، التي تقترب من فكر "الدواعش"، ولكن بنمط عقيدي مغاير ، أكثر تنظيما وتحكم بالأفراد وانتزاع الولاء منهم ليستحيل عقيدة راسخة.
أدى دور حسن الصبّاح كريم عبد العزيز من خلال شخصية جدلية ملتبسة ، و رحلة مليئة بالمغامرات، مراهنا على أن يترك بصمة لامعة فى تاريخه الفنى، يشاركه فريق كبير من الفنانين والفنيين، ادارهم المخرج بيتر ميمى ببراعة، وأبرز ماقيل عن العمل بانه " يُراهن على خلق حالة من المقاربة المنطقية والجمالية للحقبة محل التناول، عن إحدى أخطر الحركات المتطرفة فى التاريخ،)
تعرض العمل للمسوغ الشرعي للانتقام ، وهي قضية خطيرة تعاني منها أمم كثيرة ، جراء استخدام ( المقدس الديني )للقتل بهدف الخلاص ، وتثبيت المذهب أي مذهب ، مما أعطى المسلسل بعدا ً دراماتيكيا عن كيف يوظف احيانا ً لنشر افكار الدعوات المضللة وشراء ذممهم العامة ، وولاءهم الأبدي .
"الحشاشين "محاولة جريئة للتوغل بتاريخ الحركات العنفية التي تعمل بدأب على تقويض السلطة الرسمية في الممالك والدول بدعوى المقدس العقيدي ،
وزرع كيانات سياسية اخرى تمتلك خطاباً تحريضيا يحاكي حاجات العامة وتستغل واقعهم ، وغفلة السلطات وانحرافها التي تعطي بذلك مسوغات لسقوط الأنظمة والتجارب بوجود ولاة امر ضعفاء لايدركون مخاطر الحاجات المتزايدة للناس ،
" والعمل يميط اللثام عن المسكوت عنه في التاريخ وينبه لخطورة الحركات الباطنية واليات تحريضها الاتباع وكسب المريدين والأساليب التي تمكنهم من تحقيق غسيل المخ والتسميم السياسي لشل ارادة الشعب وتوجيه الأنظار لأخطاء وخطايا الحكم حتى اسقاطه وتأسيس عالم آخر ، حتى لو كان الجهلاء والدهماء يتسلطون على رقاب الحكم وانتزاع السلطة ،
هناك اسئلة كثيرة حول توافق احداث المسلسل مع حقيقة ما جرى في الواقعة التاريخية غير الموثقة بدقة ، أنها برؤية التاريخ حين يكون ( وجهة نظر ) وليس توثيقي ، لكنه عملا يحاكي حكاية التاريخ ولايشترط في الدراما ان يكون متوافقا كليا ً معها .