رغم خطره الاقل.. لماذا لا تستخدم كل دول العالم وقود الطيران المستدام؟
يشغل العالم خلال السنوات الأخيرة فكرة البحث عن بدائل آمنه للحفاظ على البيئة والخروج من الازمة العالمية لتغير المناخ، وفي إطار ذلك زادت موجة البدائل المتصاعدة للوقود الأحفوري وتقليل استخدامه في قطاع النقل الجوي، والاعتماد على استخدام وقود الطيران المستدام.
وعن مخاوف قطاع النقل الجوي بشأن إنتاج وقود الطائرات النظيف وتكاليفه الباهظة، والهروب من استخدام الوقود الأحفوري لأضرارة المرعبة، حيث يمكن لرحلة واحدة لمسافات طويلة أن توّلد انبعاثات كربونية في غضون ساعات قليلة أكثر مما سيولده استهلاك الشخص العادي في 56 دولة مختلفة في عام كامل، فهل من الممكن أن يصبح الطيران متوافقًا مع عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية؟
وتتمثل إحدى الطرق التي يمكن لشركات الطيران من خلالها خفض انبعاثاتها في الانتقال من استخدام الوقود القائم على النفط إلى استخدام بديل منخفض الكربون يُعرف باسم وقود الطيران المستدام (SAF).
ما وقود الطائرات المستدام؟
وقود الطيران المستدام أو "SAF"، هو المصطلح الشامل للحديث عن وقود طائرات يمكن الحصول عليه من مصادر أخرى غير الأحافير.
ويُصنع وقود الطيران المستدام "إس إيه إف SAF" من زيوت الطهي، والمخلفات المنزلية والطحالب وغيرها، وعادة ما يُمزج بوقود الطائرات "الكيروسين" لتخفيض انبعاثاته، وهو أحد البدائل المطروحة لإزالة الكربون من النقل الجوي إلى جانب الطائرات الكهربائية.
ووقود الطيران المستدام له القدرة على تقليل انبعاثات الكربون في الرحلات الجوية بنسبة لا تصدق، يمكن أن تصل إلى 80 في المائة.
ويتميز هذا النوع من الوقود بملاءمته للبنية التحتية للطائرات الحديثة العاملة حاليًا، لقدرته على تشغيلها دون حاجة إلى تعديلات فنية كبيرة في نظم تموينها بالوقود، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
ومع ذلك، لا يزال يتعين مزج وقود الطيران المستدام مع وقود الطيران التقليدي، المصنوع من الوقود الأحفوري، وتنص القواعد الحالية على أن وقود الطيران المستدام يمكن أن يشكل 50 % من الخليط بحد أقصى، ولكن هناك أمل في أن شركات الطيران ستكون قادرة على استخدام 100% من وقود الطيران المستدام بحلول عام 2030، ويتمثل التركيز الرئيسي لهذه الصناعة في ضمان إمكانية استخدام وقود الطيران المستدام كبديل "مُكافئ" لوقود الطائرات التقليدي. وهذا يعني أن محركات الطائرات لا تحتاج إلى تعديل لاستخدامها.
تعقدات شركات الطيران العالمية لمحاولة خفض انبعاثاتها والوصول إلى الحياد الكربوني:
ما زالت شركات الطيران الأميركية مستمرة في إبرام مزيد من تعاقدات شرائه مستقبلًا أو الاستثمار فيه مع الشركات المنتجة.
-وتُعد شركة يونايتد إيرلاينز الأميركية (United Airlines) أكبر شركة طيران عالمية مستثمرة في عقود شراء أو إنتاج وقود الطيران المستدام، المتوقع أن يتجاوز 6 مليارات غالون سنويًا بنهاية العقد الحالي (2023).
وقد نجحت هذه الشركة في تأمين اتفاقيات شراء واستثمار لنحو 2.9 مليار غالون من وقود الطيران المستدام، ستُسلم إليها على مدار سنوات، ما يجعلها متقدمة بفارق كبير عن أي شركة طيران أخرى.
وتأتي تعاقدات شركة يونايتد إيرلاينز على شراء وقود الطيران المستدام في إطار تعهدات شركات الطيران الأميركية بخفض انبعاثاتها والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وكان اتحاد النقل الجوي الدولي الأميركي قد أعلن خلال عام 2022 التزامه بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهو اتحاد يضم عدة شركات من أبرزها دلتا، ويونايتد إير لاينز، إلى جانب شركات شحن عملاقة مثل يو بي إس، وفيديكس.
-كما أعلنت شركات الطيران الأعضاء في الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا)، وعددها 290 شركة، وعدًا مماثلًا بتحقيق الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن، بحسب ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
تفاضل شركات الطيران بين مسارات مختلفة لتقليل انبعاثات النقل الجوي، لكن شركة يونايتد إيرلاينز اختارت المسار الأصعب، وهو تعزيز الاعتماد على وقود الطيران المستدام، لإحلاله محل الوقود الأحفوري خلال العقود المقبلة، رغم تكاليفه الباهظة حاليًا.
وتشجع الشركة الموردين على تطوير إمدادات جديدة من المواد الخام وابتكار طرق إنتاج جديدة للوقود المستدام من خلال ذراعها الاستثمارية يونايتد إيرلاينز فينشرز (United Airline Ventures).
وأعلنت الشركة، خلال عام 2022، توقيع اتفاقية شراء لنحو مليار غالون من وقود الطيران المستدام على مدار 20 عامًا مع شركة سيمفيتا (Cemvita) الأميركية.
وتعمل هذه الشركة في مجال تطوير تكنولوجيا الوقود الحيوي، عبر الميكروبات التي يمكنها تحويلها ما ثاني أكسيد الكربون إلى دهون يمكن استعمالها في إنتاج وقود الطائرات النظيف أو المستدام.
-كما استثمرت يونايتد إيرلاينز عام 2021 في شركة ألدر فيولز (Alder Fuels)، التي تخطط لإنتاج الوقود المستدام من المنتجات الثانوية الزراعية الشبيهة بالكتلة الحيوية وبقايا الخشب باستعمال تقنية الانحلال الحراري.
وكانت شركة الطيران الأميركية قد اشترت حصة في شركة فولكروم بيو إنرجي بقيمة 30 مليون دولار عام 2015، وهي شركة تسعى إلى تحويل القمامة ومخلفات البلاستيك إلى وقود طائرات مستدام.
-تتوقع شركة الأبحاث زيادة الطاقة الإنتاجية العالمية لوقود الطائرات المستدام 10 مرات بحلول عام 2030، حال تنفيذ المشروعات الحالية لإنتاجه في الموعد المحدد وحصول المنتجين على كميات كافية من المواد الخام اللازمة.
وإذا صارت الأمور على ما يرام، فمن المتوقع أن يتجاوز إنتاج هذا النوع من الوقود 6 مليارات غالون سنويًا أو ما يعادل 5% من إجمالي الطلب على وقود الطائرات عامة بحلول عام 2030.
ويخطط عدد من المطورين الجدد ومصافي التكرير الحالية التابعة لشركات شل العالمية متعددة الجنسيات، وفيليبس 66 الأميركية (Phillips 66)، ونيست الفنلندية (Neste)، لبناء عدد كبير من المشروعات المقرر تشغيلها في العامين المقبلين.
وعلى الرغم من الزخم الذي حققه وقود الطيران المستدام خلال السنوات الأخيرة، فإن قيود المواد الخام المرتفعة ما زالت تشكل تحديًا أمام فرص إنتاجه وانتشاره عالميًا، حيث أن سعر وقود الطيران المستدام ما زال أعلى مرتين أو 3 مرات من الوقود التقليدي.