علاء الغطريفي: من يكتب للأمين العام؟
(نقلًا عن المصري اليوم).. كلما قرأت كلمة للأمين العام للجامعة العربية أشعر بالغضب، وكذلك بالتعاطف مع من يكتب، لأنه يرغب فى أن يبعث بالرسالة المكرورة عن العمل العربى المشترك، الذى يوجد فقط فى البيانات الافتتاحية للقمم وفى صدر الاجتماعات الإقليمية، فى حين أن الحرائق مشتعلة على الخريطة.
يسعى كاتب الكلمات أن يحافظ على ورقة التوت التى تُخفى عورة التنافر العربى، رغم الصور التذكارية وعدسات الكاميرا واللافتات التى تعلو المبانى ومداخل المطارات العربية، عن العروبة والامتداد والتآخى!.
يحشد الكاتب كل ما يضنُّ به معينه اللغوى لدعم استمرارية العمل العربى فى ظل طغيان الانقسامات ورائحة الدخان التى تغطى سماوات الاتفاق، وغيوم المصالح القُطرية الحاجبة للتعاون، والانكفاء على الذات السائد فى بلاد لغة الضاد.
لقد جرى تحصين الجمهور من تأثير الخطاب العربى الرسمى العام، فالوعى والتعرض الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى وتاريخ الفعل العربى، يعطيانه دائمًا إجابة، إن العرب لن يركبوا معًا سفينة نوح، بل قد يكون بعضهم ابنه الشارد الذى قرر أن يصارع الموج وحده لأنه لا يؤمن بالنجاة إذا استقلَّ السفينة!
أريد أن أتخيل الكاتب وهو يكتب، فهو يستدعى من مخيلته بمعاناة قيم التشارك والتآخى والتآلف، لكى يعبر عن خطاب دبلوماسى يستجدى فيه تلك القيم خاصة فى لحظات حالكة مثل تلك التى نعيشها حاليًا من غزة وسوريا حتى السودان وليبيا واليمن!
كيف يبث الحياة فى كلمات فقدت معانيها ومفاهيم زالت أو أُزيلت أو أُجهضت أو سقطت أو أُسقطت من العقل الجمعى العربى، لأنها لم تعد واقعية، بل هى سرديات خيالية، مثل التى كان يلاحقها دون كيشوت، طواحين هواء عربية، ظلت فى أذهاننا، لقد حاربنا الأوهام ولم نصل إلى شىء!
لهذا سيعبر كاتب الخطابات كثيرًا ومستقبلًا عن الغضب الممزوج بالحزن، كما قال أبوالغيط فى كلمته، أمس، «كم من غضب ممزوج بالحزن» تداولته ألسنة من ترأسوا البيت العربى، على مدار عشرات السنين!
كم من «نأمل أن تكون القمة على قدر تطلعات الشعب العربى» رنت وسط القاعات الصامتة، كم تردد الكلام الساكت مثل «جسامة التحديات» و«حتمية العمل الجماعى». هناك إدراك جديد للجماهير العربية عن تلك الكلمات التى صارت عنده «الكلام مقابل الكلام»، فى حين أن بحثنا كان عن الأرض مقابل السلام، التى اختُصرت بالتواء لتكون «السلام مقابل السلام» دون أرض أو يحزنون، المهم أى سلام والسلام!
من هنا هنا نساند من يكتب خطابات الأمين العام، ونقدر ما هو فيه لكى يعبر عن اتفاق حول ما لا يتم الاتفاق عليه، ويخرج علينا بكلمات تحمى فضيلة الاجتماع، وهى الفضيلة الوحيدة التى حافظ عليها العرب فى سنين جامعتهم العربية!
اللغة أداة اجتماعية للتغيير، وعندما تفقد هدفها ومعانيها وقيمتها، هنا يتعطل التغيير، اللغة عطلت العمل العربى المشترك، كما عطلها تمامًا!
اللغة مظلومة فى الجامعة العربية، لأنها أكبر ملتقى للكلام فى الكرة الأرضية، وأشفق على كاتب الخطاب وكل من هو مثله عندما تسقط اللغة فى هوة التكرار وغياب الفعل!.