بعد خروجها عن السيطرة.. ماذا تواجه فرنسا في "كاليدونيا الجديدة"؟
أعلنت الحكومة الفرنسية، عن تعزيزات أمنية جديدة في إقليم كاليدونيا الجديدة، في ظل استمرار أعمال الشغب والتوترات.
وأفاد ممثل الحكومة أن عدد أفراد الشرطة والدرك سيزداد من 1700 إلى 2700 بحلول مساء الجمعة، في محاولة للسيطرة على المناطق التي خرجت عن السيطرة.
تصريحات المفوض السامي للوضع الراهن
في مؤتمر صحفي، أوضح لويس لو فرانك، المفوض السامي للجمهورية الفرنسية في كاليدونيا الجديدة، أن التعزيزات الأمنية ضرورية لاستعادة السيطرة على المناطق التي أفلتت خلال الأيام الأخيرة.
وأضاف أن أحد المشتبه بهم في جريمة قتل قد سلم نفسه للسلطات، مشيرا إلى بدء عمليات توفير الغذاء والدواء، وإزالة الألغام وحواجز الطرق المفخخة، بهدف إعادة الوصول إلى المستشفيات.
الوضع الإنساني وتوزيع الغذاء
وأكدت الحكومة الفرنسية في بيانها أن الوضع في مناطق كاميري ومونترافيل وفالي دو تير لا يزال صعبًا للغاية، حيث ينتشر مئات من مثيري الشغب. وأوضحت أن الجزيرة لديها مخزون غذائي يكفي لشهرين، ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في سوء التوزيع.
أسباب التوتر وأعمال العنف
تعود جذور التوترات إلى المعارضة الشديدة من قبل السكان الأصليين لخطة الحكومة الفرنسية بفرض قواعد تصويت جديدة تسمح للوافدين الفرنسيين الذين لم يقضوا سوى أقل من 10 سنوات في الإقليم بالتصويت في الانتخابات المحلية.
وهذا التغيير من شأنه أن يضعف أصوات الكاناك، الذين يشكلون حوالي 40% من السكان.
و هذه المعارضة تحولت إلى أعمال عنف مميتة في الأرخبيل الواقع بين أستراليا وفيجي، أحد الأقاليم التي لا تزال تحت السيادة الفرنسية.
الخسائر البشرية والاقتصادية
أسفرت أعمال العنف عن مقتل خمسة أشخاص، من بينهم ثلاثة من السكان الأصليين وضابط شرطة.
وانتشرت صور الجثث على وسائل التواصل الاجتماعي، مما زاد من غضب شباب الكاناك، وأعلنت السلطات الفرنسية عن اعتقال نحو 200 من بين ما يقدر بنحو 5000 مثير شغب، ووضع خمسة نشطاء استقلاليين تحت الإقامة الجبرية. وتسبب كمين نصبه مثيرو الشغب باستخدام نيران بنادق الصيد في إصابة 64 من أفراد الشرطة وقوات الأمن.
تداعيات اقتصادية وخسائر كبيرة
تسببت أعمال الشغب في أضرار كبيرة للبنية التحتية التجارية في كاليدونيا الجديدة.
ووفقاً لديفيد جوين، رئيس غرفة التجارة والصناعة بالإقليم، فإن ما بين 80% و90% من شبكة توزيع البقالة، من المتاجر إلى المستودعات وتجار الجملة، قد تم نهبها، مما أسفر عن خسائر تقدر بحوالي 200 مليون يورو.
خلفية تاريخية ووضع خاص لكاليدونيا الجديدة
تتمتع كاليدونيا الجديدة بوضع خاص مقارنة بالأقاليم الفرنسية الأخرى ما وراء البحار.
و استعمرت فرنسا الإقليم منذ النصف الثاني من القرن الـ19، ورغم رفض الاستقلال في ثلاث استفتاءات، لا تزال القضية تحظى بدعم قوي بين شعب الكاناك، الذي عاش أسلافه في الجزر لآلاف السنين.
والوضع الحالي يعكس تعقيدات العلاقة بين الحكومة الفرنسية والسكان الأصليين في هذا الإقليم البعيد.
أين تقع كاليدونيا الجديدة ؟
وكاليدونيا الجديدة واحدة من 5 مناطق جزرية تسيطر عليها فرنسا فى منطقة المحيطين الهندى والهادى، وهى محور خطة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ بلاده فى المحيط الهادى.
وتقع كاليدونيا الجديدة فى المياه الدافئة، جنوب غرب المحيط الهادئ، على بعد 930 ميلا (1500 كيلومتر) شرق أستراليا، وهى موطن لـ 270 ألف شخص.
ويعد 41 % من سكان الإقليم من الكاناك الميلانيزيون الذين يعدون الشعب الأصلى، بالإضافة إلى 24 بالمئة من أصل أوروبي، معظمهم فرنسيون، بحسب رويترز.
وتم تسمية الأرخبيل من قبل المستكشف البريطانى، جيمس كوك، فى عام 1774. وضمته فرنسا عام 1853 واستخدم كمستعمرة عقابية حتى وقت قصير قبل مطلع القرن العشرين، وفقا للمصدر ذاته.
وبعد الاستعمار الفرنسى فى القرن التاسع عشر، أصبحت كاليدونيا الجديدة رسميا إقليما فرنسيا وراء البحار عام 1946، وبدءا من السبعينيات، تصاعدت التوترات فى الجزيرة مع صراعات مختلفة بين حركات استقلال باريس وشعب الكاناك.
وساعد اتفاق "نوميا" عام 1998 على إنهاء الصراع من خلال تحديد مسار للحكم الذاتى التدريجى وقصر التصويت على الكاناك والمهاجرين الذين يعيشون فى كاليدونيا الجديدة قبل عام 1998. وسمح الاتفاق بإجراء 3 استفتاءات لتحديد مستقبل البلاد، أسفرت جميعها عن رفض الاستقلال.
تقع كاليدونيا الجديدة، وهى ثالث أكبر منتج للنيكل فى العالم، فى قلب منطقة بحرية معقدة جيوسياسيا، حيث تتصارع الصين والولايات المتحدة على السلطة والنفوذ فى مجالى الأمن والتجارة.
ودون تسمية الصين بالاسم، قال الرئيس الفرنسي، إيمانيول ماكرون، فى وقت سابق إن حملة فرنسا لتوسيع نفوذها فى المحيط الهادئ تهدف إلى ضمان "التنمية القائمة على القواعد".
وبموجب شروط اتفاق نوميا، اقتصر التصويت فى انتخابات المقاطعات على الأشخاص الذين أقاموا فى كاليدونيا الجديدة قبل عام 1998 وأطفالهم. وكان الهدف من هذا الإجراء إعطاء تمثيل أكبر للكاناك، الذين أصبحوا أقلية من السكان.
وكانت الاشتباكات الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن، بدأت الاثنين، على هامش مسيرة داعية للاستقلال احتجاجا على التعديل الدستورى الذى تدرسه الجمعية الوطنية فى باريس، الذى يهدف إلى توسيع القاعدة الانتخابية بانتخابات الأقاليم.
ويؤيد معسكر غير المؤيدين للاستقلال الإصلاح، فيما يرى معسكر الانفصاليين أن باريس تسعى من خلال ذلك إلى "مواصلة التقليل من شأن شعب الكاناك الأصلي"، الذى كان يمثل 41.2 بالمئة من سكان الجزيرة فى تعداد العام 2019، مقابل 40.3 بالمئة قبل 10 أعوام، بحسب فرانس برس.
ووفقا للمادة 77 من الدستور الفرنسي، تقتصر القاعدة الانتخابية على الناخبين المشتركين فى قوائم استفتاء تقرير المصير لعام 1998 وأحفادهم، ما يستبعد السكان الذين وصلوا بعد العام 1998 والكثير من السكان الأصليين.
وبموجب ذلك يُحرم نحو 20 بالمئة من الناخبين من حق التصويت فى الانتخابات الإقليمية.
وأصبحت باريس تنظر إلى هذا الترتيب باعتباره غير ديمقراطي، ووافق المشرعون على تعديل دستورى لفتح دائرة الناخبين لتشمل الأشخاص الذين عاشوا فى كاليدونيا الجديدة لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
وقال ماكرون إنه سيؤجل إقراره ليصبح قانونا، وسيدعو ممثلين عن سكان المنطقة إلى باريس لإجراء محادثات للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض. ومع ذلك، قال إنه يجب التوصل إلى اتفاق جديد بحلول شهر يونيو، وإلا فإنه سيوقعه ليصبح قانونا.
ما هى المستجدات؟
أفادت الرئاسة الفرنسية، الأربعاء، بأن الرئيس ماكرون يدرس فرض حال الطوارئ فى كاليدونيا الجديدة للحد من العنف المتصاعد.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل أتال، الذى حضر اجتماعا استمر ساعتين مع كبار الوزراء فى قصر الإليزيه، أمام البرلمان، إن الهدف من حالة الطوارئ سيكون "استعادة النظام فى أسرع وقت ممكن".
ومن المقرر أن يُعرض مرسوم بشأن أساليب فرض حالة الطوارئ على مجلس الوزراء الفرنسى فى وقت لاحق الأربعاء.
وشدد ماكرون فى بيان على ضرورة استئناف الحوار السياسى وطلب من رئيس الوزراء ووزير الداخلية وأقاليم ما وراء البحار دعوة وفود كاليدونيا الجديدة إلى باريس.
وأضاف البيان أن "كل أعمال العنف لا تطاق وستكون موضوع رد فعل لا هوادة فيه لضمان عودة النظام".
وقال وزير الداخلية وأقاليم ما وراء البحار الفرنسي، جيرالد دارمانان، إنه تم إجلاء 100 من رجال الدرك خلال أعمال العنف الليلة الماضية عقب "هجوم على موقعهم بفأس وذخيرة حية".
وأضاف دارمانان فى مقابلة مع إذاعة "آر تى إل" الفرنسية" إنه "يجب استعادة الهدوء".
والوضع في كاليدونيا الجديدة يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة الفرنسية زيادة التعزيزات الأمنية قد تساهم في السيطرة المؤقتة على الشغب، ولكن الحلول طويلة الأمد تتطلب معالجة جذرية للمشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه السكان الأصليين.
والتوترات المستمرة تشير إلى ضرورة الحوار والبحث عن حلول توافقية تعزز من استقرار الإقليم وتحقق العدالة للسكان الأصليين.