مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

طارق الحميد يكتب: هل يمكن مقارنة الانتخابات؟

نشر
الأمصار

على أثر الانتخابات البريطانية والفوز التاريخي لحزب «العمال»، بعد أربعة عشر عاماً من حكم المحافظين، وخسارة الرئيس ماكرون في الجولة الأولى بالانتخابات التشريعية المبكرة أمام اليمين في فرنسا.

ومع الجدال الدائر على وضع الرئيس جو بايدن الصحي بالولايات المتحدة، ومدى مقدرته على خوض الانتخابات الرئاسية، هناك من يتحدث عن الانتخابات الإيرانية، وما ستؤول إليه النتائج فيها. فهل المقارنة منطقية؟ أو مقبولة؟ بالطبع لا.

يمكن مقارنة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ببعضها البعض، لكن ليس إيران، والمقارنة أساساً مضللة. وهذا لا يعني أن الانتخابات الإيرانية غير مهمة، بل هي مهمة لفهم كيف يفكر رجل واحد، وهو المرشد الأعلى، وكيف يتقبل المجتمع الإيراني نمط ذاك التفكير.

لكن غير المنطقي هو المقارنة؛ لأنها تخدم الدعاية الإيرانية عن وجود انتخابات حقيقية، وهذا غير صحيح، والجميع يعلم أن مراحل الوصول إلى تلك الانتخابات بشكلها النهائي هي نتاج اختيارات من مجلس عيَّنه المرشد يُقصي، ويسمح لمن يريد بالترشح.

وفوق هذا وذاك فإن المرشد، و«الحرس الثوري»، هم يمسكون بمفاصل الحكم والقرار في إيران، وكذلك في اتخاذ سياساتها، مما يعني أن لا تغيير حقيقي، وإنما حسب التكتيك الذي يراه المرشد و«الحرس الثوري» بمرحلة من المراحل.

بينما ما يحدث في فرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة، أمر مختلف تماماً، وانتخابات جادة ستؤثر؛ ليس على الدول المعنية بها، وإنما على أوروبا والعالم، ومنه منطقتنا، وبقضايا تهم منطقتنا بأثر آني، ومستقبلي.

وستؤثر تلك الانتخابات على أوروبا، بريطانيا أو فرنسا، سياسياً، وعسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، حيث تشهد أوروبا عموماً، والولايات المتحدة، تحولات تناقض ما ساد مؤخراً، ونزعة أكبر نحو التمسك بالوطنية، والابتعاد عن العولمة، وما خلفته من تحولات.

ما نشاهده مثلاً، بالولايات المتحدة، هو خطر انقسام الحزب الديمقراطي نفسه بسبب تمسك الرئيس بايدن بالترشح، وذلك بعد المناظرة الفاشلة أمام المرشح ترمب، حيث شعر الديمقراطيون بخطورة خسارتهم للانتخابات.

وتتفاقم هذه المخاطر نتيجة لصراع جمهوري ديمقراطي فاق كل ما سبق، وبسبب اثنين هما الرئيس الأسبق باراك أوباما، ثم الرئيس السابق ترمب، مما أدى إلى انقسام داخلي أميركي واضح، وخطر، رغم متانة المؤسسات الأميركية.

إلا أن هذا الانقسام الأميركي طال كل شيء، وحتى المؤسسات الأكاديمية، والسياسية، والإعلامية، وأصبح الفرز واضحاً، مع انقسام اجتماعي على التداعيات التي طالت المجتمع الأميركي نفسه، وشرحها يطول.

والأمر نفسه بأوروبا؛ حيث الفوضى في بريطانيا، ومنذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، والتردي الاقتصادي والأمني، والصحي، وتشعر بأن بريطانيا في حاجة إلى معجزة من أجل غد أفضل.

وكذلك فرنسا، ومثلها باقي أوروبا، حيث المد الشعبوي، والأزمة الاقتصادية، وأزمة اللاجئين، والخوف من الإرهاب، مع تداعيات الحرب بأوكرانيا التي كشفت أن القارة العجوز بحاجة إلى تغيير، وتمر بمخاض رافض لما ساد، وغير قادرة على التعايش معه، أو الخروج منه.

لذلك من الخطأ والتبسيط الإشارة حتى إلى الانتخابات الإيرانية بهذه المرحلة؛ لأنها مسألة مختلفة تماماً، ولا هي أصلاً بالانتخابات الحقيقية.