مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

المجلس الأعلى في ليبيا يرفض موازنة "غير مسبوقة" أقرها البرلمان

نشر
الأمصار

رفض المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومقره العاصمة طرابلس، اليوم الخميس، الموازنة التي أقرها مجلس النواب المتمركز في شرق ليبيا، وحذر من زيادة الإنقسام وإهدار المال العام.

وجاء الرفض في رسالة وجهها رئيس المجلس محمد تكالة إلى رئيس مجلس النواب في ليبيا عقيلة صالح في بنغازي، وأرسل المكتب الإعلامي للمجلس الرسالة إلى الصحافيين.

والموازنة مخصصة لحكومة أسامة حماد التي تتخذ من بنغازي مقرًا لها وتولت السلطة في مارس 2023، والتي يجمعها تحالف مع القائد العسكري خليفة حفتر الذي يسيطر على الشرق ومناطق كبيرة في جنوب ليبيا.

وقال المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، إن “تمادي مجلس النواب في تجاوزاته وإدارته الشأن العام بإرادته المنفردة لن يقود إلا إلى مزيد من الانقسام"، وذكر أن الموازنة البالغة نحو 179 مليار دينار ليبي (نحو 29 مليار دولار أميركي)، "مبلغ مالي غير مسبوق".

وكان مجلس النواب في ليبيا، اعتمد خلال جلسة أمس الأربعاء، في مدينة بنغازي الموازنة الأضخم في تاريخ ليبيا بقيمة 179 مليار دينار (نحو 29 مليار دولار أميركي)، مقسمة بين الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب، بعد نصف عام من الخلافات حولها.

أما أبرز الأطراف التي خرجت راضية في قانون الموازنة للعام الحالي فكان البرلمان والحكومة الموالية له في بنغازي والتي حظيت بحصة الأسد فيها، مخصصة بالكامل لمشاريع التنمية، بينما حصلت حكومة عبدالحميد الدبيبة في طرابلس على موازنة تسييرية خصص جلها لتغطية المصاريف العامة مثل الرواتب والمحروقات.

ويمكن القول إن الطرف الوحيد الذي خرج خالي الوفاض من جلسة مناقشة الترتيبات المالية للعام الحالي كان الشارع الليبي الذي لم يتحقق أي مطلب له في هذه الجلسة، وعلى رأس هذه المطالب تحديد سلطة تنفيذية واحدة موحدة للبلاد وإلغاء الضريبة التي فرضت أخيراً على بيع العملات الأجنبية، وإعادة سعر صرف الدينار إلى 4.85 دينار في مقابل الدولار بدلاً من السعر الحالي 6.15 بعد فرض هذه الضريبة.

مخصصات إضافية

الموازنة العامة الجديدة التي اعتمدها وأقرها البرلمان وأعدتها الحكومة المكلفة منه في بنغازي برئاسة أسامة حماد، كان السبب في أن تصبح الأضخم في تاريخ ليبيا هو اعتماد مخصصات إضافية فيها بقيمة 88 مليار دينار (14.3 مليار دولار)، لتبلغ قيمتها أكثر من 179 مليار دينار (29 مليار دولار).

وقال رئيس لجنة المالية بمجلس النواب عمر تنتوش إن "اعتماد الموازنة العامة جاء بالتوافق الكامل بين المجلس ومصرف ليبيا المركزي، والأخير قادر على تغطية قيمتها على رغم ضخامتها".

وبرر تنتوش، استمرار فرض الضريبة على بيع النقد الأجنبي التي طالب الشارع الليبي بإلغائها خلال الجلسة، بأن “فرض هذه الضريبة مستمر لأنه يسد العجز في الموازنة المقدر بنحو 23 مليار دينار (3.7 مليار دولار) مع وجود إمكان إلغائها لاحقاً في حال إيجاد البديل لتغطية العجز”.

تصويت بإجماع

من جانبه بين عضو مجلس النواب عبدالمنعم العرفي لـ"اندبندنت عربية" أن “قانون الموازنة الجديدة تمت الموافقة عليه بإجماع النواب الحاضرين، وأن القيمة الأكبر في هذه الموازنة سيذهب إلى بند الرواتب بقيمة تصل إلى 60 مليار دينار (9.7 ميار دولار)، وبند الدعم الذي خصص له 36 مليار دينار (5.8 مليار دولار).

وتابع العرفي، “ناقشنا أيضاً في هذه الجلسة خفض سعر الصرف للدينار الليبي وإعادته للسعر القديم، لكن رفع القيمة الكلية للموازنة دفعنا للإبقاء على هذه الضريبة”.

وأشار إلى أن “الموازنة قسمت بالتوافق بين حكومتي بنغازي وطرابلس والمصرف المركزي، وأن وزارة المالية في حكومة عبدالحميد الدبيبة حددت أيضاً مخصصاتها وتم إدراجها في الموازنة”.

خطوة إلى الأمام

ورأى رئيس لجنة الطاقة بمجلس النواب عيسي العريبي أن “اعتماد الموازنة كان خطوة ضرورية للبلاد حتى تسير الأمور إلى الأمام”، وكشف عن أن “إقرار الموازنة تم باتفاق رئيس مجلس النواب ومحافظ المصرف المركزي ونائبه خلال اجتماع القاهرة، وشكلت لجنة تحت إشرافهم لمناقشة بنودها”.

العريبي رد على احتاج أطراف غرب البلاد على تخصيص موازنة كاملة للتنمية لحكومة أسامة حماد في بنغازي وموازنة تسييرية لحكومة الدبيبة في طرابلس، بقوله إن “باب التنمية في الموازنة سيوزع بين الحكومتين، مع العلم أن حكومة أسامة حماد تنفذ مشاريع إعمار في الشرق والجنوب وبعض المناطق في الغرب الليبي”.

تأجيل ملف الحكومة الموحدة

وأكد العريبي أن “مجلس النواب أقر خلال الفترة الماضية خريطة طريق جديدة للعملية السياسية تتضمن تشكيل حكومة جديدة واحدة، لكن حالياً تعثر مسار الاتفاق على الحكومة الواحدة، والبلاد تحتاج حالياً إلى صرف الموازنة سواء للرواتب أو المحروقات أو العلاج في الخارج أو الكهرباء والأدوية، وغير هذا من حاجات الدولة، واتفق الأطراف حالياً على اعتمادها بحيث تعطى لجميع القطاعات”.

ولفت إلى أن “من بين الأسباب التي دفعت مجلس النواب إلى إقرار الموازنة استمرار مشاريع الإعمار التي انطلقت فعلياً والتي طالب بها الليبيون سواء في طرابلس أو برقة أو فزان”.

اعتراض “الخصم اللدود”

في المقابل وصف رئيس مجلس الدولة محمد تكالة قانون الموازنة الجديدة المقر من البرلمان بـ “المخالف للاتفاق السياسي الليبي”، وقال إن “هذا القانون مرفوض من مجلسه ولن يطرح خلال لقائه المرتقب مع رئيس البرلمان عقيلة صالح في القاهرة خلال الفترة المقبلة، لأننا سنلجأ إلى القضاء”، موضحاً أن “قانون الموازنة مرفوض لأنه مخالف للاتفاق السياسي المضمن بالإعلان الدستوري، ولذلك لا تنفع معه الوساطة والمفاوضات، وإنما اللجوء للمحاكم مباشرة”.

كما اعتبر تكالة أن “ليبيا لا تتحمل إنفاقاً بهذا الحجم، وكلما ارتفع الإنفاق ارتفعت أسعار العملات وأصبحت حياة المواطن في جحيم، لو كانت هناك ديون داخلية تتم محاولة تصفيتها فمن الضروري جدولتها، أما في بند التنمية والإنشاءات فمن الضروري أيضاً أن تكون هناك جدولة للمشاريع، أما الموازنة الحالية الضخمة فستسبب بمشكلات اقتصادية وخصوصاً التضخم، كما أن المصروفات الزائدة ستهدر بالكامل، وأمام كل ذلك خيارنا الوحيد لمصلحة ليبيا هو رفضها”.

وخلص رئيس مجلس الدولة إلى أن “اللجنة المالية التي أقالها رئيس البرلمان عقيلة صالح بسبب اعتراضها على الموازنة كانت الأفضل في عملية ترشيد الإنفاق، وأتوقع أن يلتزم المصرف المركزي بالإجراءات القانونية ويقبل مراجعة الموازنة لأن إجراءاتها غير سليمة، والقانون واضح في هذا الشأن”.

وأكدت عضوة مجلس الدولة أمينة المحجوب أن هناك وفاقاً داخل المجلس على ما صرح به رئيسه محمد تكالة، وقالت إن “مجلس الدولة سيصدر بياناً رسمياً يرفض فيه قانون الموازنة الجديدة بعد تمريرها بالمخالفة للاتفاق السياسي”.

ورأت أن “إقرار الموازنة بهذه الطريقة ما هو إلا مشهد جديد من انتهاكات البرلمان للإعلان الدستوري وتجاهله مجلس الدولة، ما سيؤثر سلباً في اللقاء المنتظر بين رئيسي المجلسين في القاهرة، ومستقبل المحادثات السياسية بينهما”.

قلق من العجز المالي

من جهة أخرى أثارت القيمة المتضخمة للموازنة الجديدة قلقاً داخلياً من تأثيرها في الوضع الاقتصادي وأرصدة الدولة التي استنزفت كثيراً خلال الأعوام الماضية، وتراكم العجز فيها بحسب البيانات الدورية للمصرف المركزي الليبي.

وفي هذا السياق طرح المحلل الاقتصادي إدريس الشريف عدداً من الأسئلة حيال اعتماد مجلس النواب للموازنة العامة لعام 2024، قائلاً إن “مجلس النواب أضاف مبلغ 89 مليار دينار (14.4 مليار دولار) للموازنة التي اعتمدها للعام المالي الحالي والبالغة 90 مليار دينار (14.6 مليار دولار)، لتصل قيمتها الإجمالية إلى مبلغ 179 مليار دينار (29 مليار دولار) هذا العام، لكن السؤال هو كيف تم تقدير الموارد اللازمة لتغطية هذا المبلغ؟ ومن أين المصادر؟”.

وأضاف، “بيانات الإيرادات التي تمت جبايتها فعلياً عن النصف الأول من عام 2024 لم تتجاوز 55 مليار دينار (8.9 مليار دولار) بما فيها إيرادات النفط والرسم الإضافي على بيع العملة الأجنبية، وبناء على ذلك فإن عجز الموازنة المقدر خلال كل العام، إذا تم إنفاق كامل المبلغ، قد يصل إلى 70 مليار دينار (11.3 مليار دولار)”.