مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

جبار المشهداني يكتب: ليلة رحيل الشاعر

نشر
جبار المشهداني
جبار المشهداني

كان صديقي الشاعر المغترب منذ اكثر من عقدين من الزمن يحلم بزيارة بغداد يوما قبل رحيله الأبدي وليس هناك من سبب يمنعه سوى تحذيرات معظم الأصدقاء والأقارب وما ينشر من أخبار حتى تلاشى لديه أمل زيارة المدينة الأحب الى نفسه  .

قبل أيام قليلة رن هاتفي ليظهر على شاشته رقم دون إسم نسميه عادة ( رقم غريب ) أجبت المتصل ليصلني صوت شاب يبادلني التحية والسلام بتهذيب عال ليبلغني أنه يقف عند باب بيتي حاملا كتبا أرسلها لي صديق عزيز  .

توجهت صوب باب الدار وأفتحه لأفاجأ بصديقي الشاعر يقف أمامي مبتسما  .

لا أدري كيف تبادلنا التحية والعناق ولكني وجدتنا نجلس داخل المنزل نتبادل الحديث والاسئلة والاطمئنان على عائلتينا والأصدقاء المشتركين وتذكرت الشاب الذي أوصله فأبلغني أنه سيذهب لتجهيز سيارته لرحلة طويلة الى احد المحافظات تلبية لدعوة رسمية ويعود في اليوم ذاته .

بعد أقل من ساعة عادت سيارته واتفقنا على لقاء ثان يحدده جدوله المزدحم بالمواعيد لكنه وعدني إننا سنلتقي ونتحدث لساعات طويلة  .

بعد إنتصاف ليلة الخميس أتصل بي الشاعر الصديق ليقترح أن نسافر سوية الى أربيل لأن طيارته ستقلع من مطارها فجر السبت وبذلك يكون قد خصني بقرابة أثنتي عشر ساعة من ظهيرة الجمعة الى فجر السبت .

وافقت فورا وأنتظرته ليأتي متأخرا عن موعده قليلا وعذرته لأن كل القادمين للعراق وقتهم محدود وأمنياتهم بلقاءات لا عد ولا حصر لها  .
انطلقنا من بغداد في عز ظهيرة الجمعة التموزي دون أن نشعر بحرارة شمس تموز  أخذتنا الأحاديث المتشعبة إجتماعيا وسياسيا وفنيا ولم أشعر أنني أجتاز مدينة تلو أخرى ومحافظة بعد أخرى  .

توقفنا في منطقة (العظيم) لشرب القهوة( الجكليتية ) التي يعرفها كل المسافرين الذين يمرون في المنطقة كما توقفنا عند منطقة المطاعم في (طوز خرماتو) وفي طريقنا توقفنا لمساعدة عائلة تعطل أحد عجلات سيارتها وكانا رجل وامرأة مسنان لا يمتلكان القدرة على تبديل الإطار والحقيقة أن وقوفنا لم يشكل فارقا فنيا لحل مشكلتهما بل كان مساندة معنوية وتمنينا أن يقف من يستطيع تقديم الدعم الفني الحقيقي ولم تتأخر أمنيتنا فقد توقف عجلة بيك آب يقودها شاب حاول بكل ما يستطيع أن ينزل الإطار البديل ( السبير ) فلم يفلح لتتوقف سيارة ثانية ويترجل منها أربعيني أنيق ليستفسر عن نوع العطل وما أن شاهد الإطار العاطل حتى عاد الى سيارته لينزل منها جهاز عبارة عن منفاخ كهربائي ليملأ الإطار هواءا يسمح له بالمسير وصولا إلى أقرب محل تصليح إطارات( بنجرجي ) وبذلك تحركت السيارة التي كانت عاطلة مركونة قبل قليل بموكب مكون من أربع سيارات تسير أمامها وخلفها لضمان وصولها وإصلاح عطلها قبل مغيب الشمس وحلول الظلام  .
وصلنا أربيل ليلا وشاعري يحمل في جيبه طلبات لأصدقاء مغتربين حقق معظمها فيما لم نجد بعض أنواع الحلويات التي كنت أظنها قد انقرضت منذ زمن بعيد  .
بعد انتصاف الليل وبعد وصولنا الى سكني في اربيل وأستحمامنا وتغيير ملابسنا بدى لنا أن الوقت يمر سريعا جدا وقد حان وقت التوجه إلى المحطة والكنطرة . 
كوكب حمزة كان ثالثنا في السيارة التي تسير بنا صوب المطار  .
توجه كوكب بالسؤال مباشرة الى القمر  .
( يمتى تسافر ياكمر وأوصيك ) . 
ساد بيننا صمت ولم نعد ننظر الى بعضنا  .
اجتزنا منطقة التفتيش في مدخل مطار أربيل ووصلنا معا الى بوابة الدخول  .
أوقفت السيارة وترجلنا وانزلنا حقيبتي السفر ثم انتظرته ليجلب عربة يحمل عليها الحقائب ويدفعها صوب بوابة المغادرة دون أن يدري هل سيعود عبر بوابة الواصلين ام هي الرحلة الأخيرة له صوب بلاده التي كتب لها وفيها وعنها دواوين من الشعر  .
تحاشيت أن انظر اليه وقلت في عجل .
مع السلامة  .
قال مرتبكا : ألن تودعني يا كهل  ؟؟؟ .
اتجهت صوب سيارتي وأنا أجيبه دون التفاتة مني .
كل الذين يعرفون الكهل يشهدون له إنه لا يودع أحدا أملا في لقاء قريب قادم  .
عدنا انا وكوكب حمزة نبحث عن (الكنطرة) التي بقيت بعيدة دوما  .