الذكرى الرابعة له.. إنفجار مرفأ بيروت من الكارثة لـ الإفلات من العقاب
تحيي لبنان الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت، وهو أكبر انفجار غير نووي في العالم، ودرج البعض على تسميته “بيروشيما” لتشبيهه بإنفجاري هيروشيما وناجازاكي، ولم يقدم أحد للمحاسبة بعد مرور 4 سنوات على تاريخ إندلاعه.
ويعد انفجار مرفأ بيروت هو انفجار ضخم حدث على مرحلتين في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت عصر يوم الثلاثاء 4 أغسطس 2020 نتجت عنه سحابة دخانية ضخمة على شاكلة سحابة الفطر ترافقت مع موجة صادمة هزّت العاصمة بيروت، مما أدّى إلى أضرار كبيرة في المرفأ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية بيروت.
من شحنة مهملة إلى بؤرة الكارثة
بدأت قصة أنفجار مرفأ بيروت في 23 أيلول 2013، أبحرت سفينة بضائع روسية تُدعى «إم في روسوس» وترفع العلم المولدوفي من مرفأ مدينة باطوم الجورجية، متوجهة بالشحنة إلى مدينة بيرا في موزمبيق، وعلى متنها 2750 طنًا من مادة نترات الأمونيوم.
ولدى بلوغها مرفأ إسطنبول توقفت ليومين، قبل أن تبحر مجدداً في 3 تشرين الأول، خلال الرحلة اضطرت إلى التوقّف في ميناء بيروت في 21 تشرين الثاني بسبب مشاكل في محركها. وعند التفتيش الذي قامت به سلطات الرقابة في الميناء، قُرّر أن السفينة تعاني من عيوب كبيرة تعيق تحركها وأنها غير صالحة للإبحار، ومُنِعت إثر ذلك من الإبحار. كان على متن السفينة ثمانية أوكرانيين ومواطن روسي واحد، وبمساعدة القنصل الأوكراني، أفرج عن البحارة.
أفلس مالك السفينة بعد وقت قصير من ذلك، ثم تخلى عن سفينته، مما دفع دائنين مختلفين للتقدم بدعاوى قانونية ضده، وفقدت الجهة التي كانت تستأجر السفينة اهتمامها بالشحنة، بينما لم يتمكن بقية طاقم السفينة من النزول منها بسبب قيود الهجرة. ثم حصل الدائنون أيضًا على ثلاثة مذكرات اعتقال ضد رعاة السفينة. وجادل المحامون في إعادة الطاقم إلى بلادهم لأسباب إنسانية.
وبسبب الخطر الذي تمثله المواد التي كانت لا تزال على متن السفينة، سمح قاضي الأمور المستعجلة في بيروت للطاقم بالعودة إلى بلادهم بعد أن كانوا قد علقوا على متن السفينة لمدة عام تقريبًا. وفي عام 2014، بأمر من المحكمة، قامت سلطات الميناء بتفريغ السفينة من الشحنة الخطرة ونقلت المواد إلى الشاطئ بسبب المخاطر المتعلقة بإبقاء نترات الأمونيوم على متن السفينة، حيث خزنتها في المستودع رقم 12 في الميناء، لتظل هناك لأكثر من ست سنوات.
الإنفجار
أفادت التحقيقات الأولية بأن حريقًا نشب في الدقائق الأولى من الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي للبنان (15:00 توقيت غرينيتش) في 4 أغسطس 2020، داخل المستودع رقم 9 في مرفأ بيروت، ليمتد إلى المستودع رقم 12، حيث كانت تُخزن شحنة النترات، وليُحدث إثر ذلك مجموعة من الأصوات والأضواء في محيط المبنى، كانت تبدو أنها ناتجة عن مفرقعات، ثم حدث الانفجار على مرحلتين، حيث شكّل الانفجار الأوّل، وهو الانفجار الأصغر، سحابة دخانية بيضاء وسوداء اعتُقد أنها نتاج مجموعة من الحرائق، ثم تلاه انفجار ثانٍ، هو الأكبر عند الساعة 18:08، ليهز بدوره العاصمة اللبنانية بيروت ويخلق سحابة من الغبار، تشبه سحابة عيش الغراب، مُسبّبًا في دمار المنطقة. وقال شهود عيان إن الأضرار امتدت إلى منازل وأبنية تقع على بعد 10 كيلومترات من موقع الانفجار.
أضرار الانفجار
وحصد المرفأ أرواح أكثر من 218 شخصا وأصيب أكثر من 7 آلاف آخرين وتضررت 3 مستشفيات و34 مدرسة ونحو 50 ألف وحدة سكنية، وبات نحو 300 ألف شخص بلا مأوى، وقدرت الخسائر المادية الناجمة عن الانفجار ما بين 10 إلى 15 مليار دولار أمريكي
دمر الانفجار منازل تقع على بعد 10 كيلومترات من المرفأ، واضطر الدفاع المدني اللبناني لاستخدام المروحيات لإطفاء الحرائق الناتجة عن الانفجار، واستنادًا إلى الحكومة اللبنانية، فقد دُمِّرت ثاني أكبر رافعة للحبوب في المدينة، مما أدى إلى تفاقم حدّة نقص الغذاء التي نتجت عن جائحة كورونا الأزمة المالية التي تعصف بلبنان. وحذرت سفارة الولايات المتحدة في بيروت من الغازات السامة التي أطلقها الانفجار.
من جانب آخر، دُمّرت ثلاثة مستشفيات خاصة ومستشفى حكومي واحد كانت تؤدي الخدمات لنحو مليون شخص، وتعرض مستشفيان آخران للأضرار. ولم تتمكن المستشفيات من استقبال العشرات من الجرحى الذين نقلوا إلى المستشفيات القريبة بسبب الأضرار التي لحقت بالمستشفيات والأولويات في استقبال الحالات. واضطر مستشفى سانت جورج، الذي يقع على بعد أقل من كيلومتر واحد من الانفجار، إلى علاج المصابين في الشارع، بسبب الأضرار البالغة التي لحقت بالمنشأة الطبية.
مشاهير يفقدون منازلهم في انفجار بيروت
ونشر عدد من الفنانين صوراً من منازلهم إثر الانفجار كان أبرزهم الفنانة إليسا التي وثقت صور الدمار الذي حل بمنزلها بعد انفجار بيروت، وهو ما حدث مع الفنان راغب علامة، والمخرج اللبناني جاد شويرى الكائن منزلة بمنطقة الأشرفية.
كما وصلت الكارثة إلى الفنانة دومينيك حوراني التي تعرض منزلها وسيارتها للتدمير، وأصيبت زوجة الفنان رامي عياش جراء تدمير منزلهما، كما نشرت الفنانة اللبنانية نادين نسيب نجيم عبر «إنستغرام» مشاهد من منزلها المدمر والمكون من 22 طابق
القاضي البيطار
يعتبر أكثر الأسماء اللامعة في قضية انفجار مرفأ بيروت هو القاضي البيطار، ويعد ثاني قاضٍ يقود التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت 2020، بعد فادي صوان الذي أقالته المحكمة اللبنانية بعد اتهامه لوزيرين من حركة امل في قضية الانفجار الذي سببه 2750 طنًا من نترات الأمونيوم مخزّنة في المرفأ لأكثر من ست سنوات. واعترض أهالي ضحايا الانفجار على إبعاد صوان خشية عودة القضية إلى الصفر.
يوصَف بيطار بأنه ليس لديه أي تحيّز سياسي. في سبتمبر 2021، تلقى بيطار تهديدًا من حزب الله.
في 14 أكتوبر 2021، أطلق حزب الله وحليفه حركة امل احتجاجات خارج قصرالعدل في بيروت للمطالبة بإستقالة بيطار، حيث اندلعت اشتباكات دامية بين الاطراف الشيعية من جهة والجيش اللبناني والقوات اللبنانية (كما يزعم) المسيحية من جهة أخرى.
محاولات الهجوم والإقصاء
وتجلى ذلك في شن الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، هجوما عنيفا على البيطار، ذاكر إياه بالاسم مطالبا مجلس القضاء الاعلى بتغييره.
ومنذ أن أصدر المحقق العدلي طارق البيطار لائحة الادعاء مطلع شهر يوليو (تموز) 2021، وضمّنها أسماء سياسيين وقادة أمنيين، بدأت خطة محاصرته قضائياً عبر عشرات الدعاوى التي أقامها السياسيون المدعى عليهم ضدّه، ما أدى إلى وقف إجراءاته منذ 23 ديسمبر (كانون الأول) 2021، تاريخ آخر جلسة تحقيق عقدها، وخلالها تبلغ البيطار دعوى مخاصمة أقامها ضده النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، اللذان رفضا مع باقي السياسيين المثول أمامه.
في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2023؛ أي بعد 13 شهراً على تجميد التحقيق، أعدّ البيطار مطالعة قانونية استند فيها لاجتهادات قضائية تفيد بأن «المحقق العدلي يوازي بالدور والأهمية رئيس وأعضاء المجلس العدلي الذين لا يمكن ردّهم أو مخاصمتهم». وأعلن البيطار استئناف التحقيق وتحديد مواعيد لاستجواب السياسيين خلال شهر فبراير 2023، وألحق هذا القرار بالادعاء على النائب العام التمييزي السابق القاضي غسان عويدات، والمحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري؛ كونهما كانا على علم بوضع العنبر رقم 12 الذي كان يحوي النيترات في مرفأ بيروت، ولم يتخذا قراراً بملاحقة المسؤولين عن عدم إخراجها منه ولم يعطيا الأمر بإزالتها، بل ختما التحقيق الذي كان مفتوحاً يومها.
سارع عويدات إلى الادعاء على البيطار بجرم انتحال صفة محقق عدلي، وأصدر مذكرة لإحضاره بالقوة ومنعه من السفر، كما أقدم عويدات على إطلاق سراح 17 موقوفاً في الملفّ، متجاهلاً مذكرات التوقيف الصادرة بحقهم.
ومع إحالة عويدات إلى التقاعد في 10 فبراير (شباط) الماضي، وتكليف القاضي جمال الحجار نائباً عاماً تمييزياً، عقدت لقاءات بين الأخير والبيطار، وسادت أجواء التفاؤل باستئناف التحقيق، لكن سرعان ما تبدد هذا التفاؤل إثر معلومات عن إصرار الحجار على إخراج السياسيين والقضاة من الملفّ، الأمر الذي رفضه البيطار بالمطلق، ورأى أنه «لا يمكن تجزئة الملف وإفراغه من مضمونه».
ولم يحرز التحقيق في ملابسات انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس آب 2020، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة في التاريخ، أي تقدم يذكر وسط حملة تشويه للقاضي طارق بيطار ومقاومة من جماعات سياسية لبنانية نافذة.