عام على الكارثة.. ماذا فعلت العاصفة دانيال في ليبيا؟
تحل اليوم، الذكرى الأولى لكارثة إعصار دانيال، الكابوس الذي عاشه الشعب الليبي واستفاق منه على آلاف الضحايا والمشردين، فمنذ اللحظات الأولى من بدء الإعصار، ظن الجميع أنه مجرد ظرف مناخي استثنائي عابر، وسيمر مرور الكرام، إلا أن مروره كان مريرا وصادما ومأساويا.
لم يكن إعصار دانيال كارثة عادية، فكما حمل معه الموت لآلاف الأسر حمل الحياة لليبيا التي تبحث عن وحدتها أمام انقسام يضربها منذ 10 أعوام.
ورغم أن "دانيال"، الإعصار الذي ضرب مدينة درنة ومدنا أخرى بالشرق الليبي يومي 10 و11 سبتمبر/أيلول 2023، محا أحياء سكنية بشكل كامل، لكنه كتب سطرا جديدا من تاريخ الليبيين، مداده التعاون والتآذر؛ إذ تقاطرت من شرق البلد وغربها وجنوبها قوافل الإغاثة، وآلاف المتطوعين لعمليات الإنقاذ؛ ما ذكَّر الليبيين بوحدتهم قبل الانقسام والاقتتال والتدخلات الخارجية.
وتعرّضت درنة والمناطق المحيطة لأضرار فادحة بعد أن ضربها إعصار "دانيال"؛ إذ جرفت الفيضانات أحياء بأكملها، وقتلت آلاف الأشخاص، وزاد من هول الخسائر انهيار سدّين في المدينة؛ ما زاد من اندفاع الفيضانات.
قررت الحكومتان في الشرق والغرب إحياء هذه الذكرى سنويا، واعتبارها إجازة سنوية، تُخلد التلاحم بين الليبيين، البعيد عن التنافس الداخلي والتدخلات الخارجية.
الدمار الذي خلفه الإعصار
في يوم الأحد، 10 سبتمبر 2023، اجتاحت العاصفة دانيال شمال شرق ليبيا، حيث ضربت رياح قوية وأمطار غزيرة عدة مدن، خاصة درنة وبنغازي، مما أدى إلى فيضانات كارثية جرفت أحياء كاملة. لم يكن أحد يتوقع أن تتحول العاصفة إلى كارثة بهذا الحجم، لكن مع انهيار سدين قديمين بالقرب من مدينة درنة، تضاعفت الأضرار وازدادت الخسائر البشرية والمادية. انهيار السدين كشف عن عقود من الإهمال وسوء الإدارة، حيث لم تخضع هذه السدود للصيانة منذ بنائها في سبعينيات القرن الماضي، رغم تحذيرات خبراء محليين ودوليين بشأن حالتهما المتدهورة
آلاف الضحايا والمفقودين
مع مرور الوقت، اتضحت حجم الكارثة، حيث أعلنت الأمينة العامة للهلال الأحمر الليبي، ماري الدريس، أن عدد القتلى قد ارتفع إلى 11,300 شخص، مع فقدان حوالي 10,100 آخرين، معظمهم في مدينة درنة. الأرقام الصادمة تسلط الضوء على مدى الفوضى التي ضربت البلاد خلال العاصفة، وسط غياب آليات فعالة للإنذار المبكر، مما حال دون اتخاذ التدابير اللازمة لإخلاء المناطق المعرضة للخطر.
الأضرار المادية
إلى جانب الخسائر البشرية، كانت الأضرار المادية فادحة. وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، فإن تكلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة قد تصل إلى 3.22 مليار يورو. هذه التكاليف تشمل إعادة بناء البنية التحتية التي دمرت بالكامل، بما في ذلك الطرق، الجسور، والمستشفيات، فضلاً عن الممتلكات الخاصة والمنازل. التقرير كشف أيضًا أن الكارثة أثرت بشكل مباشر على حياة نحو 1.5 مليون شخص، أي ما يقرب من 22% من سكان ليبيا، ما يجعل هذه الكارثة من أسوأ الكوارث في تاريخ البلاد الحديث
انهيار السدين
كان انهيار سدي درنة من أبرز الأحداث التي زادت من حدة الكارثة. أشار التقرير الدولي إلى أن السدين قد بُنيا استنادًا إلى بيانات هيدرولوجية قديمة، ولم يخضعا للصيانة الدورية. ورغم التحذيرات المتكررة، لم تبادر الحكومات الليبية المتعاقبة إلى تحسين وضع السدين، مما أدى إلى انفجارهما عند أول اختبار حقيقي. الفساد وسوء الإدارة كانا من بين الأسباب الرئيسية وراء ضعف الاستجابة للكوارث الطبيعية، وهو ما دعا إلى مراجعة شاملة للبنية التحتية في البلاد.
مستقبل إعادة الإعمار
رغم التحديات الهائلة، هناك جهود دولية ومحلية حثيثة تسعى إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة. ويحتاج الأمر إلى جهود مكثفة للتغلب على التحديات المتعلقة بالفساد وضعف القدرات الإدارية. بالإضافة إلى ذلك، سيتطلب تحسين أنظمة الإنذار المبكر وتحديث البنية التحتية استثمارات كبيرة وجهودًا مشتركة بين الحكومة الليبية والمجتمع الدولي.