مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. أنمار الدروبي يكتب: إذا أردنا معرفة الرئيس الأمريكي القادم علينا فهم استراتيجية أمريكا؟

نشر
الأمصار

الأمريكان يشغلون العالم بمسرحهم السياسي وكأن الانتخابات الأمريكية ستقرر مصير العالم ومستقبله، وبمجرد اشغال العالم بسجال الانتخابات والمناظرات يضعون البشر في معادلة قيادتهم، إذن المشهد دراماتيكي أكثر من كونه سياسي.

يؤسر العالم مرتين وتربط أعصاب العقول في متابعة دورة كأس العالم لكرة القدم وسجال الانتخابات الأمريكية! هل يحدث ذلك اعتباطا؟ أم يندرج في سياق خطط الاحتواء والسيطرة ضمن مسلسل برمجة عقول البشر بهدف ديمومة النظام الدولي القائم حاليا. 

يشير الرئيس السابق دونالد ترامب دائما إلى ما يسمى بالدولة العميقة! فهو بارع يجيد تسويق بضاعته السياسية وأفكاره إضافة لمهارته في عقد الصفقات، الرجُل ليس غامضًا وسبق أن تصدر الرئاسة الامريكية وأثبت جدارته في إدارة بعض الملفات المُعقدة وحقق منجزات تُحسب لصالحه على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، يمكن أن نعتبره رائد الشعبوية المتصاعدة في الغرب حاليا. 

نعود الى مفهوم الدولة العميقة، وما هي الدولة العميقة التي يقصدها الرئيس ترمب؟

أولا. هل يقصد المؤسسات المتجذرة التي تدير النظام الأمريكي؟

ثانيا. أم يقصد اللوبيات المؤثرة على صناعة القرار؟

وبعد المناظرة الرئاسية بين المرشح الرئاسي ترمب وهاريس، الصراع جمهوري ديمقراطي في طابعه

يطرح المقال التساؤل الأهم التالي:

هل ستتغير سياسة الرئيس الأمريكي القادم للبيت الأبيض تجاه النظام الدولي الحالي؟ وما أبرز مظاهر الاستمرار والتغيير في تلك السياسة؟

ويندرج تحت التساؤل الأهم عدة تساؤلات فرعية وهي:

1. حاليا العالم يعيش أصعب مراحل تشكيل نظام دولي جديد، بمعنى أدق نعيش حالة مخاض ولادة نظام عالمي تتخللها الكثير من الصعوبات وحتى الكوارث. إذن ما هي رؤية الادارة الأمريكية الجديدة؟

2. كيف سيتعامل قادة البيت الأبيض في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية مع منطقة الشرق الأوسط، خاصة وإن منطقة الشرق الأوسط حبلى وجاء دور الولادة.

3. رؤية الرئيس الأمريكي القادم عن الحشود والأساطيل الأمريكية في الشرق الأوسط، لاسيما أن هذه الحشود لم تأتي لحماية إسرائيل فقط، هنالك ما هو أكثر أهمية في سبب تواجدها، في إعادة رسم خرائط نفوذ الاستعمار الغربي.

4. ما هي رؤية الرئيس الأمريكي القادم في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع كل من الصين وروسيا، ومن ضمنها الأزمة الروسية الأوكرانية.

5. ما ملامح الاستمرار أو التغيير في سياسة الرئيس الأمريكي القادم تجاه إيران؟

6. كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع حرب غزة؟

7. كيف سيتعامل الرئيس الأمريكي القادم مع (الدولة العميقة) في أمريكا كما أشار لها ترمب لأكثر من مرة؟

ربما موضوع الدولة العميقة حقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية ولكن ليس بالصورة التي يشتت أذهاننا ترمب عنها.

وبناء على ما تقدم، كل ملفات المنطقة كانت مؤجلة بلا حلول، ويجب حل كل الملفات المعلقة وإلا الوضع سينفجر وتتغير خرائط المنطقة. بالتالي، يوجد لدى دوائر صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية خطط مسبقة يجب أن يتم تنفيذها خصوصا في الملف النووي الإيراني وحدود التمدد الروسي. (عملية ترتيب أوراق تحت الطاولة) حلول لمشاكل معلقة. والمعادلات السياسية تخضع لضوابط سرية خارجة عن تصور المحللين (تصريف مياه جيوسياسية).

لكن الحقيقة هي أن أمريكا تحتاج من يعالج مشاكلها الداخلية أكثر من سياستها الخارجية.

ترامب يلوّح الى وجود ما هو أكبر وأهم مما ذكرنا، الرجُل يريد أن يقول للشعب الأمريكي دولتكم مختطفة. باراك حسين أوباما وكامالا هاريس والرئيس جو بايدن واجهة ليس أكثر لمنظمة أخطبوطيه تختطف الولايات المتحدة الاميركية. ربما كان فشل محاولة الاغتيال التي تعرض لها طوق نجاة لأمريكا من الغرق في فوضى الحرب الأهلية لو نجحت عملية الاغتيال. عليه فإن المرشح الرئاسي ترمب يحاول أن يقدم نفسه بطل أمريكي وصمام أمان لسد ثغرات الخلل في النظام الدولي وتحديدا في احداث أوكرانيا وإسرائيل، أو مواجهة الصين ونفوذها المتنامي اقتصاديا. فإنه يقدم نفسه منقذ لأمريكا ويحذر من حرب عالمية ستنشب بسبب سياسة الحزب الديمقراطي، فهو ضد سياسة الحزب الديمقراطي وأعلن ذلك مرارا ويعد بوقفها فورا حال انتخابه. بالمقابل، هناك من يرى أن كمالا هاريس هي الأنسب لهذه الاستراتيجية، فهي مجرد امتداد لسياسة بايدن التي لم تكمل اهدافها.

بلا شك توجد سكة للقطار الأمريكي ودور أي رئيس للولايات المتحدة الأمريكية لا يزيد عن كونه سائق للقطار ولا يمتلك صلاحية الخروج عن السكة. بمعنى أن الرئاسة الأمريكية بطولة غير مسموح لبطلها الخروج عن السيناريو المرسوم له. لكن أحيانا يخرج البطل عن السيناريو ويجتهد ضمن نهج محدد له. أما القرارات المصيرية فهي خارج صلاحياته. في الوقت نفسه أمريكا تحتاج إلى سياسة ناعمة لكي تبسط نفوذها على عالم متغير سريع التقلبات، لأن هناك من يرى أن السياسة حلبة صراع ويحاول ايقاع الخصم بالضربات.

تأسيسا لما تقدم، ترمب وبايدن وغيرهما مجرد واجهة لسياسة أمريكا، حيث توجد استراتيجية ثابتة في الولايات المتحدة الأمريكية لا يستطيع ترمب ولا غيره تجاوزها ابدا. لاسيما أن صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية معقدة جدا والرئيس له دور الناطق الرسمي ليس أكثر، وأقصى صلاحية لأي رئيس أمريكي أن توضع أمامه خيارات عليه أن يختار أحدها. بالتالي يجب أن نقرأ استراتيجية السياسة الأمريكية لكي نقيم من هو المناسب لرئاسة أمريكا بعد بايدن. ثم أن الأمريكان يعرفون جيدا مع من يتبعون سياسة التلويح بالعصا الغليظة لتحقيق انتصارات عن طريق التفاوض واجبار الخصم بتقديم تنازلات بمعنى (سياسة نعومة القوة أو مرونتها). وبموجبها سنعلم من يؤدي دور الرئيس.