مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. تحسين الشيخلي يكتب: الفيسبوك لا يعلم الغيب

نشر
الأمصار

وصلتني اشارة من الفيس بوك ينبهني فيها الى ان اليوم هو مناسبة لعيد ميلاد صديق و يطالبني بكتابة شيء على صفحته لتهنئته بهذه الذكرى. الى هنا و الامر طبيعي لاننا يوميا نستلم اشعارات من هذا النوع ، لكن الغريب في الامر ان صاحبي قد توفى العام الماضي !!! وحتما ان الفيسبوك ارسل اشعارات من نفس النوع لكل اصدقائه و ربما بعض افراد عائلته .... انتابني شعور غريب هو مزيج من الحزن و الألم و الدهشة ..
ماذا يكون شعورك عندما تقرأ مثل هذه الرسالة؟
هل تشعر بأن صديقك المتوفي. لا يزال حيا؟ وهل تتذكر في تلك اللحظة موقفا أو حوارا دار بينك وبينه فيما مضى؟ هل تتمنى لو كان بامكانك ان تجري معه محادثة كما كنت تفعل سابقا ؟ أم تدعو له بالرحمة والمغفرة. باعتبار أن الموتى لا يعودون؟
في محاضرة لي في مؤسسة الحوار الانساني في لندن قبل سنوات تحدثت عن المقابر الافتراضية وان الشركات تتسابق لحل مشكلة (الكرامة الرقمية للموتى ).
في عام 2013 تنبأ الكاتب والمخترع وعالم المستقبليات الامريكي راي كورزويل بأنه في 2045 لن يكون هناك فارق كبير بين حياة الجسم البشري وبين موته وان الجانب البيولوجي للبشر لن يكون بالأهمية نفسها التي يتمتع بها حاليا بمعنى أننا سنصبح. غير بيولوجيين إلى حد كبير.
ومع تراجع قيمة الجسد تزايد الاتجاه العالمي لحرق جثث الموتى بدلا من دفنهم في المقابر التي تلوث البيئة وتحتل مساحات كبيرة من الأرض.
وفي ضوء التغير في تعاملنا مع الأموات يأتي التغير في طريقة تذكرنا لهم كما يأتي التغير في طريقة مواساة أهله. لدرجة اننا اصبحنا نقيم سرادقات العزاء ونواسي بعضنا بعضا على صفحات السوشيال ميديا!!
ويقول العلماء إن قدرات الكمبيوتر ستتطابق قريبا مع قدرات المخ البشري وعند هذه النقطة سيصبح وعينا مختلطا. بشكل وثيق مع الذكاء الآلي. وهذا سيقودنا إلى نوع من الخلود.
هناك موقع يسمى ( ما بعد الرقمية ). وهو يحتفظ بقائمة الشركات التي تعالج كل شيء. ابتداء من اغلاق حسابات الموتى على مواقع التواصل الاجتماعي او الحفاظ على نعي دائم للميت. إلى إنشاء نصب تذكارية إلكترونية تفاعلية.
ومعظم هذه الشركات تتيح. لمن يرغب نشر نصوص ومقاطع فيديو بعد الوفاة او حتى تتيح لك ارسال رسائل من العالم الآخر لمن تحبهم على الفيس بوك. كأن تهنئهم بأعياد ميلادهم. أو بذكرى زواجهم. أو بالمناسبات والأعياد العامة.
ربما كان هذا الكلام غريبا. ولكن ذلك يعود بالدرجة الاولى إلى أننا لم نتكيف على ثقافة التغيرات السريعة في عالمنا.
و ذكرت بان هناك برامج آلية للدردشة على الإنترنت يمكنها محاكاة اسلوب تحدث الشخص الميت. وتستطيع الابقاء على ( الذات الرقمية ) للفرد تتحدث لفترة طويلة بعد ان يغادر صاحبها الحياة.
ويجري خبراء الكمبيوتر عمليات تطوير لما يطلقون عليه ( الخلود المدعم ). وهذه العمليات تستجمع كل المعلومات عن الميت لخلق حضور افتراضي له. على الإنترنت.
كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تمكين الكمبيوتر من التفكير كإنسان على مستوى عال من الثقافة والمعرفة.
ويعتقد الخبراء بأنه لو استمر التقدم في الدمج بين الإنسان والكمبيوتر فإن ذلك قد يتحقق عام 2029. وسيكون هناك قدر كبير من التشوش في القدرة على التمييز بين الإنسان والكمبيوتر ولو صحت تلك التوقعات. فإن ما سنفعله بجثة المتوفي. سواء بالحرق او الدفن. لن يكون ذا أهمية كبيرة.
ويرى هؤلاء انه سيكون بوسعنا خلق أجسام افتراضية لابائنا مثلا في الفضاء الالكتروني دون أن تتعرض هذه الاجسام للتحلل الذي يحدث لأجسامهم البيولوجية!!
لكن البعض يسخرون من هذه الرؤية. باعتبارها غير معقولة من الناحية التكنولوجية او غير مقبولة فلسفيا فتخيلنا للخلود يجعلنا نحلم بحياة افضل من تلك التي نعيشها وهذه الرؤية قد تدفعنا أيضا لانكار الموت!
وسواء أردت أو لم ترد. فإن بعض أشكال الحياة الرقمية فيما بعد الموت اصبحت موجودة بالفعل. وهناك تفاصيل أخرى في الطريق.