أزمة متواصلة.. ترحيل تونس للمهاجرين إلى الحدود الليبية يفاقم المخاطر الإنسانية
في ظل تصاعد التوترات حول أزمة الهجرة غير النظامية في شمال إفريقيا، تستمر السلطات في تونس، بتطبيق سياسة الطرد الجماعي للمهاجرين نحو الحدود البرية مع ليبيا، رغم المخاطر الكبيرة التي تترتب على هذه الخطوة.
فالمهاجرون الذين يتم إنقاذهم من عرض البحر، بعد مغامرات خطيرة بحثًا عن أمل جديد في أوروبا، يجدون أنفسهم مرة أخرى عالقين في مسار محفوف بالمخاطر حين يُعادون إلى الحدود الليبية.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن السلطات في تونس، رغم الانتقادات المتزايدة، لا تزال تمارس سياسة طرد المهاجرين غير النظاميين نحو الحدود البرية مع ليبيا.
وتصف منظمات المجتمع المدني هذا الإجراء بأنه غير إنساني، بل ويعرض حياة المهاجرين للخطر، ففي الوقت الذي تسعى فيه هذه الفئات للهروب من أوضاع معيشية سيئة في بلادهم، يجدون أنفسهم مهددين بالعنف والانتهاكات على الحدود الليبية، التي تشهد حالة من الانفلات الأمني وانعدام الاستقرار.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية كان من بين المنظمات التي وجهت تحذيرات شديدة اللهجة بخصوص هذه السياسات، مشيرًا إلى أن إعادة المهاجرين نحو ليبيا قد تنطوي على مخاطر صحية، نفسية، وإنسانية جسيمة، فالمناطق الحدودية ليست فقط قاحلة، بل تمثل أيضًا بؤرة للعصابات المنظمة التي تتاجر بالبشر وتستغل ضعف هؤلاء المهاجرين.
خلال الأشهر الأخيرة، ازدادت الأصوات الدولية والمحلية المطالبة بتغيير هذه السياسة، حيث أصدرت 61 منظمة محلية ودولية في بداية أكتوبر 2024، بيانًا مشتركًا دعت فيه السلطات في تونس، إلى وقف الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها اللاجئون وطالبو اللجوء والمهاجرون.
وأكد البيان أن الطرد الجماعي غير القانوني، خاصة نحو ليبيا، يشكل خطرًا حقيقيًا على حياة هؤلاء الأشخاص، ولا يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
المنظمات الحقوقية حذرت من أن المهاجرين الذين يعادون إلى ليبيا يواجهون ظروفًا قاسية، بدءًا من نقص الغذاء والماء، وصولاً إلى احتمالات تعرضهم للاستغلال من قبل الميليشيات والجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة من ليبيا.
الوضع في ليبيا
الوضع في ليبيا، الذي لا يزال غير مستقر بعد سنوات من الصراع المسلح والتوتر السياسي، يجعل من إعادة المهاجرين إليها خطوة محفوفة بالمخاطر، والعديد من المهاجرين الأفارقة الذين ينجحون في الوصول إلى الحدود الليبية يجدون أنفسهم محاصرين في ظروف معيشية صعبة للغاية، حيث يواجهون معاناة نفسية وجسدية في مراكز احتجاز مكتظة وغير ملائمة.
وقد أشارت تقارير سابقة صادرة عن منظمات حقوقية مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” إلى أن المهاجرين الذين يعادون إلى ليبيا غالبًا ما يتعرضون للعنف الجسدي والاستغلال الجنسي، بالإضافة إلى نقص الرعاية الطبية والتغذية.
في ظل هذا المشهد المأساوي، تتزايد الضغوط على حكومة تونس من قبل المجتمع الدولي لتغيير سياستها تجاه المهاجرين.
الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عبروا مرارًا عن قلقهم إزاء الانتهاكات التي يتعرض لها المهاجرون في تونس، ودعوا إلى ضرورة التوقف عن ترحيلهم إلى ليبيا، التي تُعتبر من بين أخطر الوجهات للمهاجرين غير النظاميين.
الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
كما أن تونس تواجه تحديات داخلية تتعلق بالضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تفاقمت نتيجة تدفقات المهاجرين. ففي حين تسعى الحكومة إلى إيجاد حلول وسطية للتعامل مع الأزمة، تتصاعد التوترات الداخلية بين السلطات والمنظمات المدنية التي ترى أن الحل لا يمكن أن يكون على حساب حقوق الإنسان.
واحدة من أكثر الحوادث التي تعكس هذا الواقع الأليم تمثلت في إنقاذ مجموعة من المهاجرين الأفارقة الذين كانوا عالقين في البحر قبالة سواحل قرقنة. رغم الجهود المبذولة لإنقاذهم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مرة أخرى في مواجهة مصير مجهول حين فقد الاتصال بهم بعد نقلهم إلى جزيرة غير مأهولة.
رمضان بن عمر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، عبر عن مخاوفه من أن هؤلاء المهاجرين قد يكونون قد أُعيدوا إلى الحدود البرية مع ليبيا، مشيرًا إلى أن الحادثة ليست الأولى من نوعها. “المهاجرون الذين يُعادون إلى الحدود الليبية غالبًا ما يختفون عن الأنظار، ولا نعلم مصيرهم بعد ذلك”، يقول بن عمر.
وسط هذه الأزمة المتفاقمة، يبقى السؤال الأبرز: ما هو الحل؟ هل يمكن لتونس، التي تعاني من ضغوط داخلية ودولية، أن تغير سياستها تجاه المهاجرين؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن يقدم الدعم اللازم لضمان احترام حقوق هؤلاء الفئات الهشة؟
الحل ربما يكمن في وضع استراتيجية شاملة للتعامل مع ملف الهجرة، تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية والسياسية لهذه الأزمة. يجب على تونس أن تتعاون بشكل أكبر مع المنظمات الدولية لضمان توفير ممرات آمنة للمهاجرين وضمان عدم ترحيلهم إلى مناطق النزاع. كما أن الدعم الدولي في هذا السياق يجب أن يركز على تحسين الظروف المعيشية للمهاجرين وضمان حصولهم على حقوقهم الأساسية.
ختامًا، يبدو أن سياسة الطرد الجماعي نحو ليبيا لا تشكل حلاً فعليًا لأزمة الهجرة، بل تزيد من تعقيدها وتفاقم المعاناة، الحلول الحقيقية تتطلب تعاونًا دوليًا ورؤية إنسانية تأخذ في اعتبارها كرامة الإنسان وحقوقه الأساسية، فالمهاجرون الذين يهربون من الفقر والنزاع لا ينبغي أن يجدوا أنفسهم في مواجهة الموت مرة أخرى على أبواب ليبيا.