تصاعد الأوضاع الإنسانية في شمال غزة وسط استمرار العمليات العسكرية
في ظل استمرار الصراع في شمال غزة وتفاقم الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق، تقف فاطمة، سيدة من جباليا، وسط واقع يصعب وصفه بالكلمات، حيث تجتمع مع أفراد عائلتها الثلاثين حول بقايا خبز يابس وقليل من الماء غير الصالح للشرب.
هذه الصورة ليست مجرد لقطة عابرة؛ بل تجسد واقعاً مريراً يعيشه عشرات الآلاف ممن وجدوا أنفسهم وسط أزمة إنسانية تتصاعد كل يوم، مع اشتداد العمليات العسكرية في الشمال. لقد أدت هذه العمليات إلى دمار واسع النطاق، وحولت أحياء بأكملها إلى مناطق منكوبة حيث يفقد السكان أبسط سبل الحياة اليومية.
أزمات المياه والطعام
تعيش فاطمة في بيت يفتقر إلى المياه النظيفة بعد تدمير خزانات المياه بسبب الشظايا المتطايرة جراء الضربات الجوية الإسرائيلية. تعتمد العائلة على كميات محدودة من الماء، لا تكفي لتلبية حاجات الجميع، ناهيك عن صعوبة الحصول على طعام كافٍ، حيث أصبحت الوجبات نادرة للغاية. تقول فاطمة إن "حتى التفكير في طعام الغد لم يعد ممكناً، لأننا نعيش يومًا بيوم ونتوقع الأسوأ في أي لحظة".
تصاعد العنف ونزوح السكان
منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية في أوائل أكتوبر، تتوالى المنشورات التي تسقطها القوات الإسرائيلية على المناطق الشمالية في القطاع، مطالبة السكان بالنزوح نحو الجنوب، باعتبار المناطق الشمالية "منطقة قتال خطيرة".
ومع تضاعف القصف، نزح ما يزيد عن نصف السكان، في حين بقي قرابة 100 ألف شخص لم يتمكنوا من مغادرة منازلهم بسبب المخاطر الكبيرة وصعوبة الانتقال. يرى السكان أن الأوضاع الحالية غير مسبوقة من حيث حجم العنف والدمار، حيث تحولت المعارك إلى صراع للبقاء.
انهيار القطاع الطبي
مع القصف المتواصل، تدهور النظام الصحي في شمال غزة بشكل كامل. خرجت المستشفيات الرئيسية عن الخدمة، ولم تعد قادرة على تقديم أدنى درجات الرعاية. فقد استهدف الجيش الإسرائيلي مستشفى العودة، وحاصر مستشفى الإندونيسي، فيما تعرض مستشفى كمال عدوان للاقتحام أكثر من مرة، حيث تم طرد غالبية أفراد الطاقم الطبي، ولم يتبقَ فيه سوى طبيب واحد.
وقال مدير مستشفى كمال عدوان، الدكتور حسام أبو صفية، إنه فقد ابنه البالغ من العمر ثماني سنوات بسبب القصف، مضيفاً أن الوضع داخل المستشفى مأساوي إلى حد كبير، حيث يواجه المصابون الموت بسبب نقص المعدات الطبية والعناية الضرورية.
الحياة بين الركام والموت
تشير تقارير حقوقية إلى أن القصف المتواصل أودى بحياة نحو 1800 شخص وأدى إلى إصابة 4000 آخرين. وتواجه فرق الإسعاف صعوبة بالغة في الوصول إلى المناطق المنكوبة؛ إذ تعرض عناصر من فرق الدفاع المدني للاعتقال أو الاستهداف المباشر، مما منعهم من انتشال الجثث الملقاة في الشوارع. تحكي فاطمة عن رائحة الموت التي تملأ الهواء في شوارع جباليا، حيث اختلطت روائح الجثث المتحللة مع روائح النفايات ومياه الصرف الصحي، مما يزيد من معاناتهم.
تداعيات العنف على الأطفال والأسر
يحمل هذا الصراع تداعيات نفسية قاسية على السكان، لا سيما الأطفال الذين يعيشون وسط أجواء الحرب.
وقالت فاطمة إن أطفالها وأطفال الجيران يعانون من اضطرابات نفسية، حيث يسمعون أصوات القصف ويشاهدون الدمار يوميًا.
كما أن نزوح آلاف الأسر باتجاه مناطق الجنوب يزيد من الضغط على المرافق القليلة المتبقية في هذه المناطق، حيث يواجه النازحون صعوبة في العثور على مأوى وأبسط متطلبات الحياة.
دور المجتمع الدولي ومساعي وقف إطلاق النار
تتزايد الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، لكن الأوضاع على الأرض لا تزال تنذر بمزيد من التصعيد. يعاني السكان في شمال غزة من نقص حاد في المواد الغذائية والمياه والأدوية، ويواجهون صعوبة في التواصل مع العالم الخارجي، إذ تعاني شبكات الاتصال من انقطاعات مستمرة.
ومع صعوبة إيصال المساعدات الإنسانية إلى داخل القطاع، يواجه السكان أوضاعًا مأساوية تتطلب تدخلاً عاجلاً.
يبقى سكان شمال غزة، مثل فاطمة وعائلتها، صامدين وسط معركة غير متكافئة تتجاوز تأثيراتها المادية إلى مستوى يهدد حياتهم اليومية واستمرارهم.
ومع تزايد وتيرة العنف وتصاعد الأزمة الإنسانية، يستمر أهالي غزة في التمسك بأمل ضئيل في الحصول على الدعم الدولي والإغاثة.
وحذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، اليوم الثلاثاء، من تدهور الأوضاع الصحية في قطاع غزة، وانتشار القوارض والحشرات، ما يشكل خطرا على صحة الناس في ظل الأوضاع المتردية.
وقالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في بيان نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، "تتدهور الأوضاع الصحية في غزة بشكل متزايد يومًا بعد يوم، إذ تشكل الحشرات والقوارض خطرًا على الصحة من خلال نشرها الأمراض، ما يهدد صحة الناس".
وأضافت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": "تعمل فرق الأونروا على دعم العائلات النازحة في الملاجئ، بهدف منع هذه الآفات من اجتياح المساحات المكتظة التي يعيشون فيها".
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، يواجه الفلسطينيون معاناة النزوح المتكرر، إذ يأمر الجيش الإسرائيلي أهالي مناطق وأحياء سكنية بإخلائها استعدادا لقصفها وتدميرها والتوغل فيها.
ويضطر مليونا نازح من أصل 2.3 مليون نسمة إلى اللجوء إلى المدارس أو إلى منازل أقربائهم أو معارفهم، أو إقامة خيام في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل السجون ومدن الألعاب، في ظل ظروف إنسانية صعبة، إذ لا تتوفر المياه والأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.
وفي سياق منفصل، شارك عدد من ذوي المعتقلين والمتضامنين معهم من ممثلي فصائل العمل الوطني، وقفتهم الأسبوعية، اليوم الثلاثاء، دعمًا للمعتقلين أمام مكتب الصليب الأحمر في مدينة طولكرم.
وأكد المعتصمون أن "قضية المعتقلين هي قضية وطنية جامعة لشعبنا، وتحتاج إلى جهد أكبر للإفراج عنهم، فهم يعانون ويلات السجن وممارسات الاحتلال القمعية بحقهم".
وشددوا على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه قضيتهم، خاصة في هذا الوقت الذي يتعرضون فيه لأبشع أساليب التنكيل والتعذيب التي راح ضحيتها العشرات من المعتقلين، الذين تحتجز سلطات الاحتلال جثامينهم، مؤكدين أن المعتقلين هم عنوان القضية والوطن، وضحوا بحريتهم من أجل كرامة وطنهم وشعبهم، وهم يستحقون وقفة تضامن وضغط حتى الإفراج عنهم جميعا.