بعد 13 عام من الفوضى.. من يسيطر على سوريا؟
بعد أكثر من عقد من القتال الذي مزّق سوريا، تبدو خريطة السيطرة متفرقة ومعقدة، حيث توزعت السلطة بين أطراف مختلفة، منها القوات الحكومية وفصائل مسلحة مدعومة من قوى إقليمية ودولية.
حول هذه الصورة الشائكة، يبقى السؤال الأساسي: من يسيطر على سوريا اليوم؟
الخلفية التاريخية للنزاع
انطلقت الأزمة السورية في 2011 كمظاهرات سلمية تطالب بإصلاحات سياسية واجتماعية، إلا أن الأمر سرعان ما تطور إلى نزاع مسلح.
الحكومة السورية، بدعم من روسيا وإيران، استعادت السيطرة على معظم الأراضي، حيث تدير الآن نحو ثلثي البلاد، بما في ذلك العاصمة دمشق والمناطق الساحلية. فيما يلي نستعرض مناطق النفوذ وتوزيع السيطرة الحالي في سوريا.
سيطرة الحكومة السورية
منذ بداية النزاع، استطاعت القوات الحكومية السورية المدعومة بقوة من حلفائها روسيا وإيران، تحقيق تقدم واسع. وفي 2015
ساعدت روسيا بشكل كبير في قلب موازين الحرب لصالح النظام، حيث وفّرت الدعم العسكري المباشر، بما في ذلك الغارات الجوية التي ساهمت في استعادة السيطرة على مساحات واسعة.
اليوم، تسيطر الحكومة السورية على معظم المناطق الحضرية الرئيسية، إضافة إلى الجنوب والساحل. على الصعيد الاقتصادي، يعد ميناء اللاذقية، الذي يخضع لسيطرة الحكومة، مرفأً استراتيجيًا أساسيًا للتجارة السورية.
شمال سوريا: الفصائل المدعومة من تركيا
تركيا تلعب دورًا أساسيًا في دعم بعض الفصائل المسلحة في الشمال السوري، حيث سيطرت على عدة مناطق قرب حدودها بعد عمليات عسكرية بدأت منذ 2016.
المناطق مثل عفرين وجرابلس تخضع لسيطرة "الجيش الوطني السوري" الذي تدعمه أنقرة، وتعد هذه المناطق مهمة بالنسبة لتركيا من حيث رغبتها في إنشاء منطقة عازلة تؤمن حدودها.
علاوة على ذلك، تحاول تركيا تأمين هذه المناطق لتكون ملجأ لللاجئين السوريين الذين تريد إعادتهم من أراضيها، في ظل الضغط السكاني والاقتصادي الذي تواجهه.
إدلب: معقل الفصائل الإسلامية المسلحة
إدلب، المعقل المتبقي للمعارضة السورية، تسيطر عليه في الغالب "هيئة تحرير الشام"، وهي مجموعة كانت سابقًا تعرف بجبهة النصرة ومرتبطة بتنظيم القاعدة، لكنها أعلنت قطع علاقاتها به. وعلى الرغم من هذه الخطوة، لا تزال الولايات المتحدة وتركيا وعدد من الدول الأخرى تصنف الهيئة كتنظيم إرهابي.
تحاول الهيئة تقديم نفسها على أنها حكومة محلية تركز على الخدمات وإعادة الإعمار، بهدف الحصول على الشرعية الدولية.
مناطق الأكراد و"الإدارة الذاتية"
في الشمال الشرقي من سوريا، يسيطر تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية، والذي تأسس في عام 2015 ويحظى بدعم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. تتمتع هذه القوات بنفوذ في مناطق استراتيجية تشمل شرق الفرات وبعض المدن الكبرى مثل منبج وتل رفعت.
رغم استقلالية الإدارة الذاتية في هذه المناطق، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية ما زالت تخوض صراعًا طويل الأمد مع تركيا التي تعتبرهم امتدادًا لحزب العمال الكردستاني.
على الصعيد الداخلي، تسعى الإدارة الذاتية للحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة، التي تمتلك قواعد عسكرية في المنطقة، في ظل التوتر المستمر مع تركيا.
رغم طرده من سوريا في 2019، يظل تهديد "داعش" حاضرًا في سوريا، حيث ينفذ عمليات متفرقة ويشكل خطرًا على استقرار البلاد.
يجمع داعش الآن مقاتليه في خلايا سرية، وينفذ هجمات بشكل دوري، خاصة في المناطق الصحراوية الممتدة بين سوريا والعراق. كما يحتجز الآلاف من أفراد التنظيم وعائلاتهم في مخيمات تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، ما يشكل نقطة ضعف يمكن أن تستغلها داعش في حال حدوث خلل أمني.
التنافس الدولي والإقليمي على النفوذ
تعد سوريا اليوم ساحة صراع إقليمي ودولي، حيث يواصل الفاعلون الخارجيون تعزيز نفوذهم، سواء عبر الوجود العسكري المباشر أو من خلال دعم الفصائل المحلية.
روسيا، الحليف الرئيسي للحكومة السورية، تعمل على توسيع نفوذها، خاصة في المناطق الساحلية التي تتمتع بأهمية استراتيجية. أما إيران، فتسعى لتعزيز وجودها العسكري والاقتصادي، خاصة في المناطق الحدودية والجنوبية. وفي المقابل، تستمر الولايات المتحدة في دعم قوات سوريا الديمقراطية لمحاربة الإرهاب وضمان بقاء نفوذها.
يبقى مستقبل سوريا غامضًا، في ظل عدم التوصل إلى اتفاق سياسي بين الأطراف المتنازعة.
ويبدو أن الفاعلين الخارجيين غير مستعدين للتخلي عن مصالحهم الاستراتيجية في البلاد، ما يجعل التوصل إلى حل سياسي صعب المنال. ومن جهة أخرى، يعاني السكان من أزمة إنسانية حادة نتيجة استمرار النزاع ونقص الخدمات الأساسية، ما يضاعف التحديات أمام أي جهود لإعادة الإعمار.
ختامًا، تبدو سوريا بعد 13 عامًا من النزاع أرضًا مقسمة، حيث تتوزع السلطة والنفوذ بين عدة أطراف محلية ودولية. وبالرغم من الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي، لا يزال الطريق طويلًا وشاقًا، ولا تزال مصالح الأطراف المختلفة تعيق التوصل إلى سلام دائم يتيح للسوريين العودة إلى وطنهم وبناء مستقبل آمن.