سوريا على أعتاب مرحلة جديدة.. حكومة انتقالية وخطط لإعادة بناء الدولة
بعد تكليف محمد البشير برئاسة الحكومة المؤقتة في سوريا، عقدت الحكومة أول اجتماعاتها في العاصمة دمشق بحضور رئيس الوزراء المكلف ورئيس الوزراء السابق محمد الجلالي.
الاجتماع تناول نقل الصلاحيات التنفيذية من الحكومة السابقة، تمهيدًا لمرحلة انتقالية قد تستمر حتى الأول من مارس المقبل.
البشير: تركيز على الإدارة العامة ونقل السلطة
أكد البشير، خلال تصريحات صحفية من مقر رئاسة الوزراء، أن حكومته المؤقتة تركز على الإشراف على الإدارة العامة للبلاد خلال الفترة الانتقالية.
وأشار إلى أن الاجتماع الأول ركز على خطوات نقل الصلاحيات، بما يضمن استمرار تقديم الخدمات وضمان الأمن في البلاد.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش
مصادر مطلعة أكدت لـ"أسوشييتد برس" أن الحكومة المؤقتة ستتخذ خطوات جريئة تشمل حل الأجهزة الأمنية وإلغاء قوانين مكافحة الإرهاب التي أثيرت بشأنها انتقادات واسعة، بالإضافة إلى إعادة النظر في حالة الجيش السوري وهيكليته، بما يهدف إلى تشكيل قوة عسكرية مهنية تعكس المرحلة الجديدة.
قيادة المعارضة وترتيبات ما بعد الأسد
تزامن تكليف البشير مع إعلان المعارضة السورية أنها بدأت مرحلة "انتقال السلطة" بعد سقوط الرئيس بشار الأسد، الذي حكم البلاد لنحو ربع قرن.
وتحدثت تقارير عن لقاءات بين قائد هيئة تحرير الشام، أحمد الشرع (المعروف بالجولاني)، ورئيس الوزراء السابق محمد الجلالي لبحث تنسيق المرحلة الانتقالية.
مجلس الشعب يدعم المرحلة الانتقالية
في مؤشر على التحول الكبير في المشهد السوري، أعلن مجلس الشعب دعمه لإرادة الشعب السوري في بناء "سوريا الجديدة".
وفي هذا السياق، أكد إبراهيم الحديد، الأمين العام لحزب البعث، أن الحزب سيواصل دعم المرحلة الانتقالية بهدف حماية وحدة البلاد أرضًا وشعبًا ومؤسسات.
من هو محمد البشير؟
محمد البشير، من مواليد جبل الزاوية بمحافظة إدلب عام 1983، شغل سابقًا منصب وزير التنمية والشؤون الإنسانية في حكومة الإنقاذ بين عامي 2022 و2023.
حكومة الإنقاذ كانت قد تأسست بدعم من هيئة تحرير الشام، وأدارت شؤون محافظة إدلب ومناطق من ريفي حلب وحماة التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
الوضع العام في سوريا: تحديات ما بعد الحرب
سوريا تمر بمرحلة دقيقة بعد أكثر من عقد من الحرب الأهلية التي خلفت دمارًا واسعًا. وتشير تقارير إلى أن البلاد تواجه تحديات كبيرة على صعيد إعادة الإعمار، وإعادة اللاجئين إلى ديارهم، وإنعاش الاقتصاد.
كما تشهد المناطق الشمالية والشرقية تحركات عسكرية مستمرة، بينما تعاني مناطق الجنوب من توترات أمنية وتحديات في ضبط الحدود مع دول الجوار.
أبرز الأولويات
- ضبط الأمن وإعادة الخدمات: تسعى الحكومة الانتقالية إلى استعادة الاستقرار الأمني وتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين.
- إعادة بناء المؤسسات: يشمل ذلك إصلاح المؤسسات الحكومية وإعادة تشكيل الأجهزة الأمنية لتواكب المرحلة الجديدة.
- دعم الاقتصاد: سوريا بحاجة إلى دعم دولي لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية التي دمرتها الحرب.
ردود الفعل الدولية
المجتمع الدولي يتابع عن كثب تطورات المشهد السوري، مع دعوات متزايدة لضمان انتقال سياسي شامل يحقق تطلعات الشعب السوري.
كما تثار تساؤلات حول دور روسيا وإيران في المرحلة المقبلة، خاصة بعد تقارير عن تراجع دعمهما للرئيس السابق بشار الأسد.
ماذا بعد الأسد؟.. سوريا «تتحسس» خطاها على طريق «ملغم» بالتطرف
أثار سقوط نظام بشار الأسد في سوريا بشكل مفاجئ وسريع، على يد معارضة مسلحة تقودها "هيئة تحرير الشام" التي تضعها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب، مخاوف من عودة شبح التطرف لسوريا، وتحول البلاد إلى ميدان اقتتال دام مع كثرة وتنوع انتماءات الفصائل.
ويعزز خبراء عرب في أحايث منفصلة في تصريحات صحفية، ذلك بأن "هيئة تحرير الشام" التي يتزعمها أحمد الشرع الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" التي انبثقت عن جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة سابقا، من الصعوبة أن تتخلى مثل هذه التنظيمات عن راديكاليتها وأيدولوجياتها التي قامت عليها.
وقال هؤلاء الخبراء، إنه "من الصعوبة تحول تنظيم مسلح يحمل فكرا راديكاليا، إلى تنظيم سياسي مدني يقبل بالآخر".
كما أشاروا إلى "المخاوف أيضا بسبب الخطابات المطروحة حتى الآن، الصادرة من بعض قادة الفصائل المسلحة، ومن خلال التوجهات الجديدة في تشكيل حكومات بشخصيات غير معروفة، ذات أيدولوجيات دينية".
مرحلة جديدة لـ"سوريا"
وفي تعقيبه، قال الدكتور مبارك آل عاتي، المحلل السياسي السعودي، إن "سوريا دخلت مرحلة جديدة بعد انتهاء حقبة الأسد، وسيطرت الثورة السورية على سوريا".
وإذ يشير إلى أن "هناك آمال تترقب التغيير الذي يجري في سوريا وأن تكون حاضنة لكل أبنائها من كل الطوائف"، يؤكد آل عاتي "وجود مخاوف كبيرة جدا تتصاعد حاليا، بأن تتحول سوريا إلى معقل من معاقل الإرهاب".
وأوضح: "تتصاعد مخاوف كبيرة بسبب الخطابات المطروحة حتى الآن، والتي صدرت من بعض قادة الفصائل المسلحة، أو من خلال التوجهات الجديدة في تشكيل حكومات بشخصيات غير معروفة، ذات أيدولوجيات دينية، ما يجعل علامات الاستفهام تزداد".
وما يعزز المخاوف، وفقا لـ"آل عاتي"، أن هناك نحو 138 فصيلا سوريا وكلهم يحملون السلاح ويحملون أيدولوجيات ومعتقدات تكاد تكون متضاربة؛ لذلك فهناك خطورة كبيرة جدا من تحول سوريا إلى ميدان للاقتتال الدامي.
وحول فرضية تخلي «هيئة تحرير الشام» عن ارتباطاتها بالقاعدة في وقت سابق، شدد على أنه «من الصعب تخلى التنظيمات الإرهابية عن راديكاليتها وأيدولوجياتها التي قامت عليها، وأنها تحتاج مزيدا من الوقت لكي تتداوى من هذا الداء".
ودعا المحلل السعودي، إلى "ضرورة وقوف الدول العربية والصديقة مع الأشقاء السوريين ومساعدتهم على اختيار حكم مدني وجعل سوريا دولة مدنية قابلة للعيش تضم كل السوريين بطوائفهم وأديانهم ومذاهبهم".
كما أكد مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، والباحث في "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، ومقره ألمانيا، أن "هناك مخاوف من سيطرة التنظيمات الإرهابية على سوريا، أو عودة تنظيمات إرهابية إلى البلاد".
وأشار إلى أن "كثرة الفصائل المسلحة واختلاف انتماءاتها سيزيد من التناحر بينها في الفترة المقبلة، وصراعها على الحكم"، لافتا إلى أن "سوريا الآن في موقف حرج جدا يحتاج لحوار وطني واضح وشامل يتم الاتفاق خلاله على وضع أسس لإدارة الدولة في سوريا بعد سقوط حكم الأسد".
وأكد الصميدعي، أنه "ما لم تتفق الفصائل الحالية، على وضع خارطة طريق لإدارة سوريا والانتقال بالبلاد من دولة تحت سيطرة الفصائل المسلحة إلى دولة مدنية ديمقراطية، فالنتيجة ستكون الذهاب إلى معارك داخلية كبيرة، وعودة فصائل وتنظيمات إرهابية كداعش، وقد تظهر تنظيمات أخرى إرهابية تقود سوريا والمنطقة إلى مشاكل كبيرة".
ونبه إلى أن "هيئة تحرير الشام تتكون من عدة فصائل إحداها كانت مرتبطة بالقاعدة، وهو أمر من الممكن أن يعيد سوريا والمنطقة إلى مشكلات لا تحمد عقباها".
تفكك سوريا وعودة شبح الإرهاب
ويذهب الدكتور هشام النجار، الكاتب بالأهرام والمحلل السياسي المصري، إلى أن "سقوط نظام بشار الأسد بهذا الشكل، يطرح مخاوف من تفكك سوريا، وعودة شبح الإرهاب لها".
وأرجع النجار، هذه المخاوف إلى "غياب الجيش، وحضور سلاح التنظيمات ومعظمها متشدد"، موضحا أنه: "من الصعب أن يغيرها خطاب براغماتي من الجولاني".
واعتبر أنه "خطاب موجه للغرب، لزوم المرحلة، لكنه غير مستساغ، أو من الصعب تصور أن تقبله مجموعات معروف جيدا المناهج التي تربت عليها وتشربتها"، مشيرا إلى أن "هناك إرث وتراكمات 6 عقود معروف جيدا ما جرى فيها من احتقانات وصراعات ومظالم طائفية وصراع ممتد بين تيار الإسلام السياسي وفي القلب منه الإخوان وتاليا تنظيم القاعدة".
وذهب إلى أنه "في ظل الضربات العسكرية الإسرائيلية للقدرات العسكرية لسوريا، ونفوذ المجموعات المسلحة المتصاعد في الداخل وسط غياب الجيش، فإن سيناريو العراق يلوح في الأفق، عبر نشوب صراعات شرسة بين هذا التنظيمات فيما بينها على الغنائم والمكاسب".
مع بدء المرحلة الانتقالية، تواجه الحكومة السورية المؤقتة تحديات كبرى لإعادة بناء الدولة بعد سنوات من الحرب. الأنظار تتجه نحو نجاح هذه الحكومة في تحقيق انتقال سياسي سلمي وبناء مؤسسات قادرة على ضمان مستقبل مستقر لسوريا.