فرحة العودة وفراق الأحبة.. مشاعر مختلطة لسكان شمال غزة
أهل غزة ساروا لساعات طويلة محملين بكل ما استطاعوا حمله من ملابس وطعام، ابتسم كثيرون، وعانق بعضهم أحباء لم يروهم منذ شهور.
هكذا كان مشهد النازحين الفلسطينيين على الطريق الساحلي، وهم عائدون سيرا على الأقدام، إلى منازلهم التي هُجروا منها في شمال قطاع غزة، في الأسابيع الأولى من الحرب الإسرائيلية.
وأمس الإثنين، بدأت إسرائيل السماح لآلاف الفلسطينيين بالعودة إلى شمال قطاع غزة المدمر بشدة، وذلك بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل له الأحد قبل الماضي، بعد 15 شهرا من الحرب.
على أحد جانبي الطريق الساحلي (شارع الرشيد) كان البحر الأبيض المتوسط، وعلى الطرف الآخر امتد مشهد من المباني المدمرة والأراضي التي تم تجريفها بالجرافات والتي خلفتها القوات الإسرائيلية المنسحبة.
ووفق لما تم رصده في أوساط النازحين، كان المزاج مبتهجا، على الرغم من أن كثيرين منهم كانوا يعرفون أن منازلهم دمرت في الغارات الإسرائيلية التي سوت أجزاء كبيرة من مدينة غزة والشمال المحيط بها بالأرض.
وبالنسبة لهؤلاء، كان الأمر المهم هو العودة، لمنع ما كان يخشاه الكثيرون من أن يكون طردا دائما من منازلهم.
إسماعيل أبو مطر، عاد مع زوجته وأطفاله الأربعة إلى أنقاض منزلهم في مدينة غزة، الذي دُمر جزئيا بسبب القصف الإسرائيلي في وقت مبكر من الحرب.
ومثل العديد من الآخرين الذين تضررت منازلهم، خطط أبو مطر، لإقامة خيمة قريبة والبدء في إزالة الأنقاض.
وقال لوكالة أسوشيتد برس: "خيمة هنا أفضل من خيمة هناك"، في إشارة إلى الخيام التي كانت تفتقر لمقومات الحياة، في وسط وجنوب قطاع غزة، حيث عاش هو ومعظم سكان المنطقة لأشهر.
وأضاف "كنا نعتقد أننا لن نعود، مثل أسلافنا"، وكان أجداده من بين مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين طردوا من ما يُعرف الآن بإسرائيل خلال حرب عام 1948 التي أحاطت بتأسيسها.
عودة على الأقدام
وقدّر مسؤولون من الأمم المتحدة أن نحو 200 ألف شخص عادوا خلال اليوم الأول.
وكانت مشاهد الاحتفال متناقضة بشكل حاد مع البؤس والخوف أثناء الحرب، حيث فرّ أكثر من مليون شخص جنوبا على نفس الطرق للهروب من القصف.
وفي رحلة عودتهم إلى الشمال سيرا على الأقدام، حملت العائلات أكياسا من المتعلقات والبطانيات الملفوفة، وعلى أكتافهم، حمل الرجال أطفالا صغارا وعبوات معدنية من غاز الطهي.
وكانت النساء يحملن أطفالهن الرضع بين أذرعهن وهن يحملن حقائب مليئة بالملابس وأباريق المياه.
طريق آخر
من شارع صلاح الدين، شرقا، عاد آخرون في سيارات وشاحنات محملة بالفرش وغيرها من المتعلقات.
كان العديد من الناس يبتسمون. ولوح طفل بعلامة النصر. وعانق الناس أقاربهم وأصدقائهم وهم يذرفون الدموع بعد أن فُصِلوا عنهم لشهور.
وفي فيديو للوكالة الأمريكية، غنّت امرأة عجوز تدفع على كرسي متحرك أغنية فلسطينية تقليدية عن المثابرة تعود إلى عام 1948.
وتقول كلمات الأغنية "قفوا إلى جانب بعضكم البعض، يا شعب فلسطين، قفوا إلى جانب بعضكم البعض. لقد رحلت فلسطين، لكنها لم تودعكم وداعا أخيرا".
غنت بابتسامة على وجهها، ثم أضافت: "الحمد لله، نحن عائدون إلى ديارنا، بعد أن عانينا الكثير من الخراب والجوع والمرض".
عبر العائدون ممر نتساريم، وهو شريط من الأرض يقسم قطاع غزة حولته القوات الإسرائيلية إلى منطقة عسكرية لإغلاق الشمال الذي شهد بعضا من أشد الهجمات الإسرائيلية كثافة، بهدف القضاء على عناصر حماس.
خلال الحرب، أمرت إسرائيل المدنيين مرارا وتكرارا بإخلاء الشمال ــ من أجل سلامتهم، على حد قولها ــ لكنها منعت عودتهم.
وبموجب شروط وقف إطلاق النار، انسحبت القوات الإسرائيلية من الطرق الرئيسية للسماح بالعودة، ومن المقرر في نهاية المطاف أن تنسحب تماما من الممر.
فرحة ملطخة بفراق الأحباب
وبالنسبة للكثيرين ممن عادوا، تلطخت فرحة العودة بوفاة أحبائهم.
كان كمال حمادة عائدا إلى مدينة غزة، حيث قُتل ابنه الأكبر وابنته وأطفالها في القصف في وقت مبكر من الحرب.
وقال إن جثثهم تُرِكَت مدفونة تحت الأنقاض في الشوارع، حتى مع فرار بقية أفراد الأسرة إلى الجنوب.
ثم قبل أكثر من شهر بقليل، قُتل أحد أبنائه الآخرين الذين فروا معه.
"عندما علمت والدته أننا سنعود إلى المنزل، أصيبت بحزن شديد لأنها عادت بدون الصبي"، يضيف حمادة.
وعند عودتها إلى المنزل، حظيت ياسمين أبو عمشة بلقاء سعيد مع أختها الصغرى، أماني، التي بقيت في مدينة غزة طوال الحرب.
وقالت الأم البالغة من العمر 34 عاما لثلاثة أطفال: "اعتقدت أن هذا لن يحدث، ولن نرى بعضنا البعض مرة أخرى".
وتضرر المبنى المكون من أربعة طوابق ولكنه لم يدمر، لذلك ستبقى هي وأفراد آخرون من عائلتها الممتدة هناك.
ويواجه العائدون مستقبلا غير مؤكد، إذا انهار وقف إطلاق النار، فقد يواجهون هجمات إسرائيلية جديدة.
أما إذا استمرت الهدنة، فليس من الواضح متى سيتمكن الفلسطينيون من إعادة بناء المنازل، مما يترك الكثير من السكان في مساكن وخيام مؤقتة.