لجنة استشارية جديدة في ليبيا.. هل تقترب الانتخابات
وسط مشهد سياسي متشابك ومتأرجح بين الأمل واليأس، أُعلن في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية جديدة برعاية الأمم المتحدة، في خطوة تهدف إلى كسر حالة الجمود السياسي وتمهيد الطريق لإجراء انتخابات وطنية تُنهي مرحلة الغموض التي أرهقت البلاد، فهل تكون هذه اللجنة المفتاح المنتظر أم حلقة جديدة في مسلسل التعقيد؟.
اللجنة، التي تتكون من 20 شخصية ليبية تم اختيارها بعناية، ليست هيئة لصنع القرار، لكنها تسعى لتقديم مقترحات "ملائمة فنياً وقابلة للتطبيق سياسياً"، بحسب بيان بعثة الأمم المتحدة، إلا أن هذا التعريف الفضفاض يثير تساؤلات عديدة حول مدى تأثير اللجنة الفعلي، وهل ستلقى توصياتها آذاناً صاغية لدى الأطراف المتنازعة، أم أنها ستنضم إلى قائمة المبادرات السابقة التي وُلدت ولم تُنفَّذ؟.
اللافت في تشكيل اللجنة هو الحرص على تمثيل مختلف المناطق والتوجهات، مع مراعاة التوازن الجغرافي والثقافي وتمثيل المرأة، في محاولة لتجنب الانتقادات التي لطالما لاحقت جهود الوساطة الأممية في ليبيا، لكن، هل يكفي هذا لضمان قبول الأطراف المتصارعة بمخرجات اللجنة.
مبادرة سياسية في ليبيا
ليبيا تعيش مرحلة من الجمود السياسي منذ سنوات، حيث تعثرت الانتخابات التي كان يُفترض إجراؤها نهاية 2021، ولم تفلح أي من المحاولات اللاحقة في تجاوز العقبات القانونية والدستورية. وهنا، تبدو اللجنة الاستشارية كخطوة جديدة لإعادة الزخم للعملية السياسية، لكنها ليست الأولى من نوعها، فهل يكون مصيرها كسابقاتها؟.
يؤكد المتابعون أن أي مبادرة سياسية في ليبيا تصطدم بعقبات جوهرية، أبرزها تعارض المصالح بين الأطراف المحلية، فضلاً عن التدخلات الخارجية التي تزيد المشهد تعقيداً، فحتى لو نجحت اللجنة في تقديم توصيات واقعية، فإن تنفيذها يبقى رهن إرادة القوى المتحكمة في المشهد، والتي اعتادت التلاعب بالمبادرات الدولية لخدمة أجنداتها الخاصة.
الحديث عن الانتخابات في ليبيا يشبه الحديث عن سراب في صحراء شاسعة، فبينما يُطالب الليبيون بإجراء انتخابات تُنهي حالة الانقسام، يبدو أن القوى السياسية والعسكرية ليست متحمسة بالقدر نفسه، بل إن بعضها يرى أن بقاء الوضع كما هو يخدم مصالحه.
ومع ذلك، فإن بعثة الأمم المتحدة تؤكد أن الانتخابات تظل الهدف الأساسي، وأن اللجنة الاستشارية جزء من الجهود الرامية إلى تهيئة الظروف الملائمة لها.
ولكن، هل تكفي الجهود الأممية لدفع عجلة الانتخابات إلى الأمام، أم أن المعرقلين أقوى من أي مساعٍ دولية؟، الحقيقة أن التجربة أثبتت أن الضغوط الدولية وحدها لا تكفي، ما لم تُقترن بإرادة سياسية ليبية حقيقية لإنهاء المراحل الانتقالية الطويلة التي أثقلت كاهل البلاد.
على الرغم من أن إعلان تشكيل اللجنة قوبل ببعض التفاؤل، إلا أن الشكوك تحيط بها من كل جانب، فهناك من يرى أنها ليست سوى محاولة أخرى لتأجيل الحلول الحقيقية، بينما يرى آخرون أنها قد تشكل فرصة أخيرة لإيجاد أرضية مشتركة بين الفرقاء السياسيين.
الرهان الآن ليس فقط على عمل اللجنة، بل على كيفية تعامل القوى السياسية معها. فإذا تعاملت الأطراف المتنازعة معها بجدية، فقد تكون خطوة نحو الأمام، أما إذا اعتُبرت مجرد واجهة لإضفاء الشرعية على وضع قائم، فإنها لن تكون أكثر من محطة أخرى في طريق الأزمة الليبية الطويل.
بعثة الأمم المتحدة في ليبيا
بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تُحاول منذ سنوات الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام، لكنها تواجه دائماً عقبات داخلية وخارجية تحدّ من قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة. وبينما تؤكد التزامها بمبادئ الشفافية والتوافق والملكية الوطنية، فإن الواقع يثبت أن أي حل في ليبيا لا بد أن يأتي من الداخل، وأن أي مبادرة دولية تحتاج إلى دعم محلي حقيقي كي تُترجم إلى واقع ملموس.
في النهاية، تبقى اللجنة الاستشارية خطوة جديدة في رحلة البحث عن حل للأزمة الليبية، لكنها ليست الضمانة الوحيدة. فالرهان الحقيقي يظل على قدرة الليبيين أنفسهم على تجاوز خلافاتهم، ووضع مصلحة الوطن فوق المصالح الضيقة.
فهل تكون هذه اللجنة بداية جديدة نحو الاستقرار، أم أنها مجرد محطة أخرى في طريق طويل من المحاولات الفاشلة؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة.