مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بعد اتصال ترامب وبوتين.. تفاصيل العهد الجديد بين موسكو وواشنطن

نشر
الأمصار

العلاقات بين القوى العالمية الكبرى لطالما كانت في قلب اهتمامات المتابعين حول العالم، وخاصة حين يتعلق الأمر بروسيا والولايات المتحدة. 

هذه العلاقة التي شهدت توتراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، تعود اليوم لتتصدر المشهد من جديد، بعدما جرى أول اتصال رسمي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين.

 

 هذا التطور يُثير التساؤلات حول إمكانية فتح صفحة جديدة بين البلدين، قد تحمل في طياتها تغييراً في مسار أزمات عالمية، على رأسها الحرب الأوكرانية.

تفاصيل الاتصال.. ملفات شائكة على الطاولة

 

شهد يوم الأربعاء مكالمة هاتفية مطوّلة بين ترامب وبوتين، استمرت قرابة الساعة والنصف، لتكون الأولى بينهما منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ووفقاً لما نقلته شبكة "سي إن إن" الأمريكية، ناقش الرئيسان ملفات حساسة، شملت الحرب في أوكرانيا، والوضع في الشرق الأوسط، وملف الطاقة، إلى جانب قضايا الذكاء الاصطناعي، وقوة الدولار.

الرئيس الأمريكي وصف الاتصال بأنه "مثمرة للغاية"، مشيراً إلى أنه اتفق مع نظيره الروسي على ضرورة وقف نزيف الدماء في أوكرانيا، والبدء الفوري في مفاوضات دبلوماسية. ترامب كشف عبر منصته "تروث سوشيال"، أن المحادثات تطرقت إلى ذكريات الحرب العالمية الثانية، حين وقفت موسكو وواشنطن جنباً إلى جنب ضد النازية، مؤكداً أهمية العمل المشترك في المستقبل لتحقيق "مكاسب عظيمة" للدولتين.

تفاهمات مبدئية.. وزيارات مرتقبة

ترامب أكد أن بوتين استخدم شعاره الانتخابي "المنطق السليم" خلال الحديث، مشيراً إلى إيمانهما المشترك بضرورة التعاون. كما كشف عن اتفاق الطرفين على تبادل الزيارات قريباً، حيث وجه بوتين دعوة رسمية لترامب لزيارة موسكو.

في المقابل، أصدر الكرملين بياناً أكد فيه حدوث الاتصال، مشيراً إلى أن الرئيسين ناقشا عقد لقاء مباشر بينهما، في خطوة تُعيد للأذهان قمم الحرب الباردة، حين كانت مثل هذه اللقاءات تُحدد مصير العالم.

مفاوضات ووسطاء أمريكيون

ترامب أوضح أنه كلف فريقاً دبلوماسياً رفيع المستوى لقيادة المفاوضات مع موسكو وكييف، يضم وزير الخارجية ماركو روبيو، ومدير وكالة الاستخبارات جون راتكليف، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز. كما شدد على أن أولى خطوات هذا المسار ستكون بالتواصل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لإطلاعه على فحوى الاتصال.

تبادل أسرى.. بادرة حسن نية

في لفتة اعتُبرت مؤشراً إيجابياً، كشف ترامب عن الإفراج عن المواطن الأمريكي مارك فوغل، الذي كان محتجزاً في روسيا، مؤكداً أنه استقبله في البيت الأبيض، معرباً عن شكره لبوتين على هذه الخطوة، التي وصفها بأنها "تمهد الطريق لحلول أكبر".

أبعاد الاتصال.. ما وراء المكالمة

هذا الاتصال يأتي في وقت شهدت فيه العلاقات الأمريكية الروسية توتراً غير مسبوق منذ الحرب الباردة، على خلفية الصراع في أوكرانيا، والدعم الأمريكي الكبير لكييف عسكرياً ومالياً. لكن ترامب، الذي طالما أبدى مواقف أكثر انفتاحاً تجاه موسكو، أعاد التأكيد على قناعته بإمكانية إنهاء الحرب خلال 24 ساعة، حال توفرت الإرادة السياسية.

المحللون يرون أن الاتصال قد يكون بداية لتحولات في السياسة الخارجية الأمريكية، خصوصاً أن ترامب يضع نصب عينيه تحقيق إنجاز دبلوماسي كبير، يُحسب له في ظل حملة إعادة انتخابه.

في ظل هذه التطورات، يبقى التساؤل هل يؤدي هذا التقارب الأمريكي الروسي إلى وقف الحرب الأوكرانية؟، أم أن التعقيدات الميدانية والتحالفات الدولية ستُعرقل جهود السلام؟

ما هو مؤكد حتى الآن، أن مكالمة ترامب وبوتين أحيت الآمال بإمكانية كسر الجمود، وفتح باب للحوار، في وقت تتعالى فيه الأصوات المطالبة بإنهاء الحرب، التي أودت بحياة مئات الآلاف، وخلفت دماراً واسعاً في أوكرانيا.

 

الاتصال الهاتفي بين ترامب وبوتين قد يكون خطوة أولى نحو عهد جديد في العلاقات الدولية، لكن نجاحه يتطلب إرادة صادقة من الأطراف كافة، واستعداداً لتقديم تنازلات من أجل تحقيق السلام.

 الأيام المقبلة ستحمل الإجابة عن مدى قدرة واشنطن وموسكو على تجاوز الخلافات، والانطلاق نحو شراكة قد تُغيّر ملامح النظام العالمي.

روسيا وأمريكا.. تاريخ من التجارة والدبلوماسية منذ الثورة الأمريكية

لطالما ارتبطت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بمراحل من التقارب والبرود، إلا أن جذورها تمتد إلى زمن أبعد مما قد يتصوره البعض، حيث تعود أولى بوادر التواصل بين البلدين إلى منتصف القرن الثامن عشر، قبل إعلان استقلال الولايات المتحدة رسميًا عن الإمبراطورية البريطانية عام 1776.

بدأت القصة عام 1763، حين رست سفينة تابعة لتاجر من بوسطن في ميناء كرنشتات الروسي، بعد رحلة مباشرة عبر المحيط الأطلسي، فاتحةً الباب أمام علاقات تجارية مباشرة، رغم القوانين البريطانية الصارمة التي كانت تقيد مستعمراتها بالتجارة حصريًا مع بريطانيا.

لكن التطور الأبرز للعلاقة بين روسيا وأمريكا ظهر مع اندلاع الثورة الأمريكية (1775-1783)، حينما لعبت الإمبراطورة الروسية كاثرين العظمى دورًا دبلوماسيًا مهمًا، رغم أن بلادها كانت بعيدة جغرافيًا عن ساحة المعركة. رفضت كاثرين الاستجابة لطلبات بريطانيا المتكررة للحصول على دعم عسكري روسي لقمع الثورة، وأصرت على موقف الحياد الرسمي، ما اعتُبر دعمًا ضمنيًا للثوار الأمريكيين.

أسندت كاثرين بعض المهام الدبلوماسية لمستشارها نيكيتا بانين، الذي تواصل مع الدبلوماسي البريطاني جيمس هاريس (إيرل مالمسبري الأول)، وحرص على أن تبقى روسيا بعيدة عن أي تدخل عسكري. كما ضغطت كاثرين على بريطانيا للقبول بمفاوضات سلام، اشترطت خلالها ربط حل النزاع الأمريكي بتسوية صراعات أوروبية أخرى، وهو ما صب في صالح الثوار.

اقتصاديًا، أدركت كاثرين أن أمريكا المستقلة قد تفتح آفاقًا جديدة للتجارة الروسية، حيث استمرت المنتجات الروسية مثل القنب والكتان والحديد في الوصول إلى الموانئ الأمريكية رغم الحرب. ورأت الإمبراطورة في استقلال أمريكا فرصة لتجاوز الهيمنة البريطانية، وفتح باب التبادل التجاري المباشر، بما يعزز موقع روسيا كمورد رئيسي لمواد استراتيجية تحتاجها بريطانيا بعد فقدانها لمستعمراتها الأمريكية.

وبذلك، لعبت روسيا بقيادة كاثرين العظمى دورًا دبلوماسيًا واقتصاديًا مؤثرًا في خلفية الثورة الأمريكية، مهدت به لعلاقة معقدة بين البلدين، ما تزال أصداؤها تتردد حتى يومنا هذا.