د. أنمار الدروبي يكتب: من بن غوريون إلى ترمب.. فكر متطرف وعنف سياسي
![الأمصار](/Upload/files/0/4/37.jpg)
في علم السياسة يتم التحكم بميول وأهواء البشر أو تقنينها وتصريفها ضمن أجندات لتحقيق أهداف محددة وغالبا ما تدخل تلك الأهداف كعوامل في معادلة أوسع شمولية. إذا نتعدى الغلاف لنبحث عن المحتوى سنجد الأفكار ذاتها تتلون حسب البيئة المحيطة فيها لتلبس ما تدغدغ به الأهواء والعواطف وبعض العقول المتحجرة.
هذا بالتحديد ما جسدته النازية والصهيونية وتجسده السياسة الترامبية في ثالوث رؤوس الأفعى العنصريّة الذي تم قطع رأسها النازي في المانيا.
وبما أن الاستبداد أحيانا يتجاوز حدود الممارسة الفردية ليعبر عن طبيعته في عقيدة تشتمل على جملة أفكار شاذة عن الفطرة الإنسانية ومنطق الأشياء، إذن فالخطر في هذه الحالة لا يقف عند حدود الفرد الدكتاتور الذي تفرض حالته ظروف معينة تنتهي مع هلاكه أو سقوطه بسبب تصرفاته الشاذة واستهتاره بالقيم الانسانيةكما يحاول ترمب عبثا في تهجير أهل غزة. ان مثل هذا الخطر يستشري كالوباء الذي ينشط متى وجد البيئة المناسبة لانتشاره خاصة بين الاوساط الجاهلة بالحياة. لاسيما أن سياسة ترمب لا تُطيق التعاطي مع متطلبات التقدم الحضاري والمدمنة على تحجرها الكهنوتي الوثني.
ولعل مشكلة الرئيس ترمب أنه يعيش في جلباب (بن غوروين) ويحاول إحياء العقيدة (السوبرمانية) للصهاينة، لكن بمفهوم تجاريلتصدير الجهل والخرافات، بيد أنها عقيدة متعفنة في دهاليز الظلم والاستبداد، وكذلك الاقصاء والتهجير والاستيلاء على جميع مقدرات الشعب الفلسطيني وثرواته.
ويقتنع أصحاب الفكر المتطرف من عهد بن غوريون إلى ترمب بفكرة واحدة فقط، ألا وهي، كل ما زاد تطرفهم أصبحت هذه الفكرة قناعة راسخة لديهم لا يتزحزحون عنها، ربما لأن المشكلة الأساسية ليست فقط قائمة على أساس انحياز أمريكي لإسرائيل وسعيهما معا لتهجير أهالي غزة، المشكلة في سياسة ترمب نفسه ومنظومته الفكرية ومرجعياته الفلسفية في هذه الدروة الرئاسية الثانية، في حالة اعتبار الدورة الرئاسية الأولى لترمب كانت أقرب إلى ما يسمى(المرحلة الجنينية). ولا يخفي على المتأمل ما تعنيه هذه الأزمة في الوقت الحاضر، فهي معركة تحاول من خلالها كل من الولايات المتحدة وإسرائيل استخدام كل أنواع الأسلحة الفتاكة، الإعلامية والفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، التي تهدف إلىزعزعة الاستقرار في المنطقة، وإشاعة الفوضى والانحلال، والانسلاخ من العقيدة والتراث والتاريخ، والإتيان على بنيان هذه الأمة.
بالتالي فهي سياسة ترمب الحالية التي اتخذت منحى كريها وبذيئا، وهي تلك السياسة القديمة من زمن بن غوريون التي جعلت قوانين الاستبداد والاستيطان تتفوق اخلاقيا على قوانين العلاقات الدولية والشخصية ومبادئ حقوق الانسان واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها. وربما تقودنا تلك السياسة الحمقاء إلى نوع من القلاقل والاضطرابات وحالة الانتقام التي سوف تطفو على السطح.
في المقابل، لم ولن تسمح مصر بتهجير أهل غزة، حيث أننا نلحظانسجاما عظيما بين الموقف الرسمي والشعبي للدولة المصرية، موقف القوة والصلابة الرافض لكل ما يتعلق بقضية التهجير، لاسيما أن الموقف الرسمي للدولة المصرية تجاه هذه القضية ينطلق من رؤية مستقبلية وفق استقراء وإدراك لكل الظروف السياسية والاقتصادية العربية والإقليمية والدولية. وهذا هو بكل تأكيد الموقف المشرف للدولة المصرية في تعاملها مع القضية الفلسطينية منذ عقود.
الكوميديا السوداء التي يعيشها العالم في الوقت الراهن، وهي صعوبة ﺍﻻﺘﻔﺎﻕ ﺍﻟﺩﻭﻟﻲ ﺤﻭل ﻤﺼﺩﺭ ﺍﻟﻌﺩﻭﺍﻥ ﺘﻤﻬﻴﺩا ﻹﺩﺍﻨﺘﻪ ﻭﻤﻌﺎﻗﺒﺘﻪ، ﻓﺎﻟﻤﻅﻬﺭ ﺍﻟﺭﺌﻴﺴﻲ ﻟﻠﻌﺩﻭﺍﻥ ﻗﺒل ﻨﺸﻭﺀ ﺍﻟﺤﺭﺏ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﻜﺎﻥ ﻴﻨﺤﺼﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺯﻭ ﺍﻟﻌﺴﻜﺭﻱ ﺍﻟﺫﻱ ﺘﻤﺎﺭﺴﻪ ﺩﻭﻟﺔ ﻀﺩ ﺃﺨﺭﻯ، ﺃﻤﺎ ﺍﻵﻥ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﻌﺩﻭﺍﻥ ﻗﺩ ﺘﻨﻭﻉ ﻭﺃﺨﺫ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻅﺎﻫﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﻭﻏﻴﺭ ﺍﻟﻤﺒﺎﺸﺭﺓ ﻤﺜل ﺍﻟﺘﺤﺭﻴﺽ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ والضغط الاقتصادي ومواجهة الإرهاب والأيديولوجيات المضادة وغيرها.
إذن هل سيشهد العالم فصلا دراماتيكيّا ساخنا، يتمثل في تحولات كبيرة ولن يكون أحدا في المنطقة بعيدا عن هذه التحولات، ولن يبقى متماسكا مع تأثيرات ما يحدث جراء تهجير أهل غزة؟
بلا شك أن الاصرار على قضية تهجير أهل غزة خطوة خطيرة جدا،وقد تذهب المنطقة الى حرب إقليميّة. الحقيقة التي لابد من توضيحها هي أن المنطقة أصلا تشهد صراعات إقليمية تتقاطع فيها أجندات ومشاريع لا تضع وزنا للشعوب التي تعيش عليها، وكذلك إحداث تغيرات غير منسجمة على المستوى السياسي والاجتماعي بما في ذلك التغيير الديموغرافي وتهجير الملايين من مناطقهم التاريخية الى دول أوربا وغيرها.
وبناء على ما تقدم:
1. الولايات المتحدة الأمريكية وترمب تحديدا، دائما يعول أو يتباهي بالقوة العسكرية الأمريكية، وفي رأيه بأن الحرب هي التي ستحل كل مشاكل المنطقة وتفرض واقع جديد يرغم الجميع على القبول به. لكن لا أحد يتكهن في معرفة نتائج الحرب وتوسعها وآثارها المدمرة حتى لو كانت أمريكا أعظم قوة بالعالم.
2. التهجير هدف أساسي للأمريكان والإسرائيليين، ولن يحدث مطلقا بوجود مصر الرافضة تماما لعملية التهجير.
3. خطر الإرهاب الإسلاموي المتربص.
4. عليه سيكون مكمن الخطر الذي يصعب على أمريكا أن تحتويه،وهي التي فشلت في خلق استقرار بالعراق بعد اجتياحه.
5. يجب على كل الدول العربية أن تتخذ من موقف الدولة المصرية نموذجا لها في رفض عملية التهجير، وبخلاف ذلك عليهم أنيحسبون حسابهم بأن السياسة الأمريكية تضعهم دروع لها وسوف ينالهم التدمير الشامل.