مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عادات وتقاليد رمضان في لبنان: موروث ثقافي وديني عبر العصور

نشر
الأمصار

يعد شهر رمضان المبارك مناسبة استثنائية في لبنان، حيث تتجلى خلاله مظاهر التقوى والتكافل الاجتماعي وسط أجواء روحانية تميز هذا الشهر عن باقي أشهر السنة.

وعلى الرغم من أن العادات والتقاليد الرمضانية في لبنان تتشابه مع نظيرتها في الدول العربية، إلا أن لكل منطقة طابعها الخاص الذي يعكس التنوع الثقافي والتاريخي الذي يتميز به هذا البلد.

يعود تاريخ بعض العادات الرمضانية في لبنان إلى مئات السنين، حيث تأثرت هذه التقاليد بالعهود الإسلامية المتعاقبة مثل العهد الفاطمي والعثماني، بالإضافة إلى بعض العادات التي حملها القادمون إلى لبنان من سوريا والعراق وإيران وتركيا والمغرب العربي.

 «المسحراتي»

ومن أبرز هذه العادات «المسحراتي» الذي كان يجوب الأحياء والشوارع لإيقاظ الناس للسحور، مستخدمًا طبلة صغيرة وعصا من الخيزران، حيث كان يضرب على الطبل ويردد الأناشيد الدينية والنداءات الشخصية بأسماء الصائمين.

ورغم التطور التكنولوجي الذي أدى إلى تراجع هذه العادة في المدن الكبرى، إلا أنها لا تزال قائمة في بعض القرى والأحياء التقليدية في الجنوب والبقاع، حيث يواصل المسحراتي أداء مهمته، مناديًا على الصائمين بأسمائهم لإيقاظهم للسحور.

 «سيبانة رمضان»

ومن العادات الرمضانية القديمة التي لا تزال مستمرة في بيروت «سيبانة رمضان»، وهي عادة تتمثل في تنظيم نزهة جماعية إلى شاطئ بيروت في اليوم الأخير من شهر شعبان، حيث يجتمع الناس لتناول المأكولات والمشروبات والحلويات قبل بدء الصيام.

ويعود أصل هذه العادة إلى تقليد كان يُعرف باسم «استبانة رمضان»، أي استهلال شهر رمضان، إلا أن لفظها تغيّر مع الزمن ليصبح «سيبانة رمضان». 

وفيما كانت هذه العادة تقتصر قديمًا على بعض العائلات، إلا أنها باتت اليوم من العادات التي تحظى بشعبية واسعة بين سكان بيروت والمدن اللبنانية الأخرى.

«مدفع رمضان»

أما «مدفع رمضان» فهو تقليد قديم عرفه لبنان منذ العهد الفاطمي، حيث يتم إطلاق قذيفة مدفعية عند أذان المغرب إيذانًا بحلول وقت الإفطار، وأخرى عند أذان الفجر إعلانًا عن وقت الإمساك.

وتعود أصول هذا التقليد إلى العهد العثماني، حيث كان يستخدم كوسيلة لتنبيه الصائمين إلى مواعيد الإفطار والسحور، وقد تبنته العديد من الدول العربية.

ويتولى الجيش اللبناني هذه المهمة في العديد من المدن الكبرى مثل بيروت وطرابلس وبعلبك وصيدا وصور، حيث يطلق ثلاث قذائف عند ثبوت شهر رمضان وثلاثًا أخرى عند إعلان عيد الفطر، بالإضافة إلى قذيفتين يوميًا للإمساك والإفطار.

وفي مدينة صيدا، تتزين الشوارع والمداخل بالفوانيس الرمضانية التي تعتبر من أبرز المظاهر الجمالية في هذا الشهر الفضيل. 

ويعود تقليد تعليق الفوانيس إلى العهد الفاطمي، حيث كان يُعتقد أن هذه المصابيح تُضفي أجواء روحانية وتزيد من بهجة الشهر الكريم.

وقد انتقل هذا التقليد من صيدا إلى بيروت ومدن أخرى، حيث أصبحت الفوانيس جزءًا أساسيًا من زينة الشوارع خلال رمضان، وتستخدمها الجمعيات الخيرية للترويج لحملات التبرع وكفالة الأيتام.

ويُعد أكبر فانوس رمضاني في لبنان ذلك الذي شهدته مدينة النبطية جنوب البلاد، حيث دخلت به «موسوعة جينيس للأرقام القياسية» بعدما أُضيء فانوس ضخم في الساحة العامة بارتفاع 18.5 متر وعرض 5 أمتار، واستغرق بناؤه 180 يومًا.

وفي طرابلس، العاصمة الثانية للبنان، يستعد السكان لاستقبال رمضان بطريقة خاصة، حيث تجوب فرق إنشادية شوارع المدينة قبل أيام من بدء الشهر الكريم مرددة الأناشيد الدينية والمدائح النبوية، في تقليد قديم يهدف إلى تهيئة الناس للصيام وتعزيز الأجواء الروحانية.

كما تشتهر طرابلس بصناعتها للحلويات التي يزداد الإقبال عليها في رمضان، مثل حلاوة الجبن والقطايف والجلاش والعثملية، وهى حلويات رمضانية يحرص اللبنانيون على شرائها خلال الشهر الكريم.

ولا تقتصر صناعة الحلويات على طرابلس وحدها، بل تشتهر بها أيضًا صيدا وبيروت ومختلف المناطق اللبنانية، حيث تتنافس المحال في تقديم أفضل أنواع الحلويات التقليدية.

أما على الصعيد الديني، فيحرص اللبنانيون خلال الشهر المبارك على أداء الصلوات في المساجد والتكايا والزوايا، حيث تمتلئ هذه الأماكن بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح بعد الإفطار، ويخصص البعض وقتًا لقراءة القرآن الكريم والدعاء.

كما تُقام في بعض المناطق حلقات الذكر والدروس الدينية التي تهدف إلى تعميق الفهم الروحي لهذا الشهر الفضيل.

ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان، يبقى شهر رمضان مناسبة لتعزيز التكافل الاجتماعي، حيث تنتشر موائد الرحمن التي تقدم وجبات الإفطار للمحتاجين والفقراء، كما تكثر التبرعات والصدقات التي تجمعها الجمعيات الخيرية لمساعدة الأسر المتعففة.

وتتميز الأسواق اللبنانية في رمضان بازدحامها، حيث يقبل الناس على شراء مستلزمات الإفطار من التمور والمكسرات والعصائر، إلى جانب الأطباق الرمضانية التقليدية مثل الفتوش والشوربات والمعجنات.

وهكذا يظل شهر رمضان في لبنان فرصة لإحياء التقاليد الدينية والثقافية، حيث تتلاقى الأجيال على حب هذا الشهر المبارك الذي يجسد قيم التضامن والمحبة بين أفراد المجتمع اللبناني بمختلف طوائفه وانتماءاته.