مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رمضان في الأردن: زخم الإيمان والتكافل وروح الموروث الأصيل وأبرز الأكلات

نشر
الأمصار

يستقبل الأردنيون شهر رمضان بحفاوة تميّزه عن باقي أيام السنة، حيث تبدأ التحضيرات مبكرًا في شهر شعبان.

وتنشط الأسواق لتعرض الزينة والمستلزمات الرمضانية، فيما يحرص الناس على إعداد منازلهم لاستقبال أجواء الشهر الكريم، مع تعليق الزينة الرمضانية في البيوت والشوارع.

في عمان القديمة ووسط البلد تحديدًا، تصبح الأزقة المزيّنة والمقاهي الشعبية نقطة جذب، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، مما يخلق أجواء خاصة تسكن ذاكرة كل زائر.

مائدة إفطار رمضانية تزخر بالتنوع

المائدة الأردنية في رمضان تُعبّر عن غنى المطبخ الشامي بروحه الخاصة، تبدأ وجبات الإفطار بتمرة وماء، لتُتبع بأنواع متعددة من الحساء مثل العدس والشعيرية، إلى جانب المقبلات كالحمص والمتبل والمخللات.

والطبق الرئيسي غالبًا ما يكون “المنسف”، الأكلة الوطنية التي تجمع الأرز واللحم البلدي ولبن الجميد وخبز الشراك. إلى جانب ذلك، تحضر المحاشي والدجاج بالخضار والعديد من الأصناف التقليدية.

أما الحلويات، فتتصدرها القطايف التي لا تغيب عن موائد رمضان، إلى جانب الكنافة والهريسة والعوامة وكرابيج حلب.

ولا تكتمل المائدة الرمضانية إلا بالعصائر التقليدية، مثل قمر الدين والتمر الهندي والعرقسوس، التي تُباع في الأسواق وعلى الطرقات، لتعيد أجواء رمضان القديمة بكل تفاصيلها.

مساجد عامرة بالإيمان

رمضان هو شهر المساجد التي تحتضن الآلاف من المصلين يوميًا، حيث تزدحم صفوف المصلين خلال صلاة التراويح والقيام. يبلغ عدد المساجد في الأردن حوالي 7000، وتُحيي جميعها حلقات تلاوة القرآن والوعظ الديني.

من أبرز الأنشطة الرمضانية في الأردن، “المجالس العلمية الهاشمية”، التي تُقام برعاية ملكية، حيث يلتقي علماء ودعاة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لمناقشة قضايا الأمة، وإبراز وسطية الإسلام ودعوته للخير والاعتدال، هذه المجالس تضيف بُعدًا فكريًا وروحانيًا لشهر رمضان في الأردن، وتعزز الدور المحوري للعلماء في توجيه المجتمعات.

التكافل الاجتماعي.. روح رمضان

رمضان هو شهر التآخي والرحمة، حيث يحرص الأردنيون على تقديم العون للمحتاجين من خلال موائد الرحمن والمساعدات العينية والغذائية. في المناطق والمخيمات التي تأوي اللاجئين، تتضاعف الجهود الإنسانية، حيث تنطلق حملات الخير التي تترجم روح التكافل الأردني.

أما “المساكبة”، وهى عادة رمضانية أردنية قديمة، فما زالت تُمارس في بعض الأحياء والقرى، حيث تتبادل العائلات أطباق الطعام قبل الإفطار، في عادة تزيد من الترابط الاجتماعي وتعكس روح المحبة والتواصل.

أمسيات رمضانية تجمع بين الثقافة والترفيه

لا تقتصر أجواء رمضان في الأردن على العبادة والتكافل فقط، بل تشمل أيضًا الأمسيات الثقافية التي تُقام في الساحات العامة، حيث تُنظم وزارة الثقافة ووزارة السياحة فعاليات تتضمن الإنشاد الديني، والغناء التراثي، والمسابقات الشعبية. هذه الأنشطة تضفي على ليالي رمضان بُعدًا ترفيهيًا ممتعًا يعكس التنوّع الثقافي.

وعلى الرغم من انتشار الوسائل التكنولوجية الحديثة، فإن شخصية “المسحراتي” لا تزال حاضرة، ولو بشكل محدود، في بعض الأحياء، حيث يقوم شخص بإيقاظ الناس للسحور، في محاولة للحفاظ على هذا الإرث الثقافي المرتبط برمضان.

ليلة القدر.. ذروة الروحانية

في العشر الأواخر من رمضان، تتصاعد الأجواء الروحانية، حيث يتحرى الأردنيون ليلة القدر في صلاة وقيام حتى الفجر. تتزايد مشاعر التقرب إلى الله من خلال قراءة القرآن وإخراج زكاة الفطر، التي يعتبرونها “جبر خواطر” للفقراء والمحتاجين، مما يعزز قيم الإحسان التي يتميز بها الشهر الفضيل.

استعدادات العيد.. فرحة الختام

مع اقتراب نهاية الشهر، تبدأ الأسواق والساحات العامة في استقبال أعداد كبيرة من الزوار الذين يشترون الملابس والمأكولات استعدادًا لعيد الفطر. تزدحم محال الحلويات، حيث يحرص الأردنيون على إعداد الكعك والمعمول لزيارة الأقارب وتبادل التهاني.

في صباح العيد، تتردد تكبيرات العيد في الساحات التي تُخصصها وزارة الأوقاف لصلاة العيد، حيث يتجمع الناس في أجواء إيمانية مبهجة. وبعد الصلاة، تبدأ زيارات العائلات، التي تتخللها تقديم الحلوى والجلوس مع كبار السن، لترتسم الفرحة على وجوه الأطفال بثيابهم الجديدة.

رمضان في الأردن ليس مجرد شهر للصيام، بل هو رحلة روحية واجتماعية تجمع بين الإيمان والتواصل والتكافل. هو مناسبة يعيد فيها الأردنيون اكتشاف معاني الوحدة والمحبة التي تُبرز قوة المجتمع وتماسكه في كل أوقات العام.

ركائز مائدة الإفطار في الأردن

ويستقبل الأردنيون شهر رمضان المبارك بأجواء روحانية وعادات متوارثة تجسد أصالة التقاليد الرمضانية في بلاد الشام، بدءًا من العبادات التي تملأ الأجواء بالطمأنينة، وصولاً إلى المأكولات التي تحمل عبق التراث الشعبي، مثل قمر الدين والقطايف والعوامة، التي تعتبر ركائز مائدة الإفطار في هذا الشهر الكريم.

قمر الدين: غذاء الروح والجسد

يعد قمر الدين من المشروبات الرمضانية الأساسية في الأردن، وهو يُصنع من المشمش الطبيعي ليمنح الصائم فوائد غذائية غنية بفيتامينات تعزز النشاط خلال ساعات الصيام الطويلة، التي قد تصل إلى أكثر من 14 ساعة في بعض أيام رمضان.

وسط العاصمة عمّان، تعج المحلات التجارية، وخاصة محلات العطارة، بلفائف قمر الدين المستوردة غالبًا من سوريا، هذه الصناعة التي تبدأ من قطف المشمش الطازج، مرورًا بعمليات التصفية والعصر، وحتى نشره تحت أشعة الشمس لتجفيفه، تبرز قيمة هذا المنتج كعنصر تقليدي لا غنى عنه على المائدة الأردنية.

إلى جانب قمر الدين، تعد التمور والعصائر من المشروبات الأكثر استهلاكًا، ويليها التوابل والأعشاب التي يستخدمها الأردنيون في تحضير وجباتهم الرمضانية.

القطايف.. معشوقة رمضان

رغم الشهرة الكبيرة للكنافة النابلسية في الأردن طوال العام، إلا أن القطايف تخطف الأضواء في رمضان، حيث تصبح الحلوى المفضلة التي لا غنى عنها في هذا الشهر.

ويعود تاريخ القطايف إلى عصور قديمة، إذ يُعتقد أنها ظهرت في العصر الأموي أو العباسي، فيما يشير آخرون إلى العصر الفاطمي كأصل لهذه الحلوى الشعبية.

في العاصمة عمان، يستعد صانعو القطايف قبل شهر رمضان بأيام لتجهيز محلاتهم، حيث يتم بيع القطايف بأنواعها المختلفة دون طهي، تاركين للزبائن حرية اختيار الحشوات وطرق التقديم. 

وتصنع القطايف من طحين خاص، يُخلط مع الحليب والخميرة لتصبح عجينة طرية تُطهى سريعًا، ثم تُحشى بالجوز المطحون، أو القشطة، أو الجبنة، وتُقدم مشوية أو مقلية ومغموسة في القطر.

العوامة.. دفء الشتاء في رمضان

إلى جانب القطايف، تعد العوامة، المعروفة أيضًا بالزلابية في بعض الدول العربية، من الحلويات الرمضانية المحببة في الأردن. مع استمرار فصل الشتاء وهطول الأمطار خلال رمضان هذا العام، يزداد الإقبال على العوامة، التي تقدم كوجبة حلوة خفيفة تمنح دفئًا للجسم.

تشترك العوامة مع باقي الحلويات الشرقية في مكوناتها من الدقيق والسميد والسمنة، إلا أن شكلها الدائري وقوامها الهش يجعلها تتميز بطابع خاص على المائدة الأردنية.

تاريخ وحكايات الحلويات الرمضانية

لكل حلوى رمضانية قصة مرتبطة بتقاليد وأسماء شعبية مختلفة. فالعوامة، على سبيل المثال، سُميت بهذا الاسم لشكلها الدائري الذي يشبه العوامات البحرية.

أما “أصابع زينب”، التي تُحضر في رمضان أيضًا، فترتبط قصتها بسيدة تدعى زينب أبدعت في تحضيرها، وقيل إن جمالها ألهم تسمية الحلوى على اسمها.