لغز "مجمع بن لادن" في الصين.. تدريب عسكري أم رسالة مشفرة؟

أثار ظهور مجسم صيني مطابق لمجمع زعيم تنظيم القاعدة السابق، أسامة بن لادن، تساؤلات عديدة حول أهدافه ودلالاته، خصوصًا أنه يقع في منطقة نائية غربي الصين.
فهل هو مجرد تدريب عسكري على عمليات مكافحة الإرهاب، أم أن هناك رسائل مبطنة وراء إنشائه؟
مجمع بن لادن الأصلي.. هدف أمريكي منذ 2011

في الثاني من مايو2011، نفذت القوات الخاصة الأمريكية (Navy SEALs) غارة ليلية على مجمع سكني بمدينة أبوت آباد شمالي باكستان، حيث كان يقيم أسامة بن لادن.
العملية، التي حملت اسم "نبتون سبير"، أسفرت عن مقتل زعيم القاعدة وابنه خالد وعدد من مرافقيه، لتنتهي بذلك عملية تعقّب دامت سنوات.
وقبل تنفيذ الهجوم، أنشأت القوات الأمريكية نسخة طبق الأصل من المجمع داخل قاعدة عسكرية سرية في ولاية نيفادا للتدريب على الاقتحام، وهو تكتيك عسكري شائع في العمليات المعقدة.
مجسم صيني مطابق.. محاكاة أم رسالة؟

على غرار ما فعلته الولايات المتحدة، كشف تقرير لمجلة "نيوزويك" الأمريكية عن قيام الجيش الصيني ببناء مجسم مطابق لمجمع بن لادن في مقاطعة يولين، بالقرب من مدينة كورلا في صحراء شينجيانغ، غربي الصين.
ويبعد الموقع الصيني 1380 كيلومترًا شمال شرق مدينة أبوت آباد الباكستانية.
ووفقًا لتحليل صور الأقمار الصناعية عبر Google Earth، بدأ العمل في هذا المجسم بين أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2014، واكتمل بحلول أكتوبر2015.
وقد ظهر المجسم لأول مرة في تقرير إخباري على تلفزيون الصين المركزي (CCTV) عام 2017، ثم أعادت صور الأقمار الصناعية تسليط الضوء عليه مؤخرًا، ما أثار جدلًا واسعًا حول الهدف من إنشائه.
لماذا الصين؟.. أبعاد استراتيجية
أثارت هذه الخطوة العديد من التكهنات بشأن دلالاتها الاستراتيجية، خاصة أن الصين ليست طرفًا مباشرًا في الحرب على الإرهاب كما كانت الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن بكين كانت دائمًا تراقب تطورات الصراعات العالمية عن كثب، وتسعى للاستفادة من التجارب القتالية المختلفة.
ووفقًا لمسؤول رفيع في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، فإن الصين "تحاول تعويض نقص خبرتها القتالية، نظرًا لأنها لم تخض حربًا رئيسية منذ عام 1979، من خلال محاكاة سيناريوهات القتال الفعلية وتكثيف التدريبات العسكرية الواقعية".
ارتباط شينجيانغ بمكافحة الإرهاب
لا يمكن فصل موقع المجسم الصيني عن الوضع الأمني في إقليم شينجيانغ، حيث تواجه بكين توترات متصاعدة مع الأقلية المسلمة من الإيغور.
وتُتهم الصين بتنفيذ حملات قمعية ضد الإيغور تحت ذريعة محاربة الإرهاب، وهو ما تبرره الحكومة الصينية بأن الإقليم شهد هجمات إرهابية في السنوات الماضية.
لذلك، يرى بعض المحللين أن الصين ربما تستخدم هذا المجسم لتدريب قواتها على عمليات مكافحة الإرهاب في بيئات مشابهة لتلك التي استهدفت فيها الولايات المتحدة قادة تنظيم القاعدة.
تفكيك مجمع أبوت آباد.. ونهاية رمز القاعدة
وفي المقابل، وبحسب صور حديثة التقطتها Google Earth في أغسطس/آب 2024، فقد تم هدم المجمع الأصلي في باكستان، وتحولت المنطقة إلى أرض خاوية، لتنتهي بذلك معالم آخر مكان عاش فيه أسامة بن لادن.
لكن الجدل حول هذا الإرث لم ينتهِ بعد، حيث لا يزال اسمه وعائلته مرتبطين بملفات أمنية معقدة، كما أن ظهور هذا المجسم الصيني أعاد طرح أسئلة جديدة عن استمرار تأثير أحداث 2011 على التوازنات الجيوسياسية حتى اليوم.
هل تسعى الصين لمنافسة التكتيكات العسكرية الأمريكية؟
يبقى التساؤل المطروح: هل المجسم الصيني مجرد وسيلة لتدريب قوات النخبة على سيناريوهات قتالية مشابهة، أم أنه رسالة استراتيجية تحمل أبعادًا أوسع تتجاوز مكافحة الإرهاب؟
التكهنات لا تزال قائمة، لكن المؤكد أن الصين تواصل دراسة وتحليل الدروس المستخلصة من أبرز العمليات العسكرية الأمريكية، وربما تكون بصدد تطوير نهجها الخاص في التعامل مع التهديدات المستقبلية.