مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الوضع في سوريا.. تحديات سياسية وأمنية في ظل الانقسامات الداخلية والصراع الإقليمي

نشر
الأمصار

يشهد الساحل السوري تصعيدًا عسكريًا وأمنيًا غير مسبوق منذ ديسمبر 2024، حيث اندلعت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية الانتقالية ومجموعات موالية للنظام السابق، وسط اضطرابات متزايدة في مناطق اللاذقية وطرطوس.

وهذه الأحداث تأتي في ظل محاولات الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية، فيما تسعى الفصائل الموالية للنظام السابق إلى استعادة نفوذها في معاقلها التقليدية.

ولم تكن هذه المواجهات مفاجئة، إذ تصاعد التوتر بشكل تدريجي خلال الأشهر الماضية، مدفوعًا بتحركات سياسية وعسكرية متسارعة، من أبرزها تشكيل "لواء درع الساحل"، الذي يضم مقاتلين موالين للنظام السابق، والمجلس العسكري لتحرير سوريا، الذي يسعى إلى إنهاء سيطرة القوات الحكومية الانتقالية.

وهذه التشكيلات تعكس الانقسامات العميقة داخل البلاد، والتي تعقد مسار الحل السياسي المنتظر.

إلى جانب المواجهات المسلحة، يواجه المدنيون في الساحل السوري وضعًا إنسانيًا متدهورًا، حيث تسببت الاشتباكات في نزوح آلاف العائلات، فيما تفيد التقارير بوجود نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، مع تفاقم أزمة الكهرباء والمياه. 

وقد أثارت هذه الأوضاع قلقًا دوليًا، حيث دعت بعض الدول إلى ضبط النفس، في حين أصدرت أخرى إدانات متباينة بشأن الأطراف المتصارعة.

وفي ظل هذه الظروف، برز تعقيب الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي وجه خطابًا شديد اللهجة إلى الطائفة العلوية، محذرًا من استمرار المواجهات وداعيًا إلى الاستسلام، مما أثار ردود فعل متباينة في الداخل والخارج. 

ومع استمرار التوترات، يظل المشهد في الساحل السوري مفتوحًا على تطورات جديدة قد تعيد رسم خريطة النفوذ العسكري والسياسي في سوريا.

خلفية الصراع في الساحل السوري

بدأت الأحداث الأخيرة في الساحل السوري مع نهاية عام 2024، عندما اندلعت اشتباكات بين القوات الحكومية الانتقالية السورية والفصائل الموالية للنظام السابق، خاصة في اللاذقية وطرطوس. 

وتميزت هذه الاشتباكات باستخدام أسلحة ثقيلة، حيث حاولت قوات الأمن بسط سيطرتها على المناطق التي تشهد اضطرابات متزايدة.

وفي 6 مارس 2025، شهدت بلدتا بيت عانا ودالية في محافظة اللاذقية معارك دامية بين قوات الأمن السورية ومسلحين موالين لحزب البعث. 

وأسفرت المواجهات عن مقتل 15 عنصرًا من قوات الأمن، مما دفع الحكومة الانتقالية إلى إرسال تعزيزات عسكرية من إدلب وحماة وحمص في محاولة للسيطرة على الوضع.

ظهور "لواء درع الساحل" وتنامي المقاومة المسلحة

وفي 6 فبراير 2025، أُعلن عن تشكيل "لواء درع الساحل" بقيادة مقداد فتيحة، وهو قائد سابق في الحرس الجمهوري، وذلك بهدف مواجهة قوات الحكومة الانتقالية. 

ووجّه فتيحة نداءً صريحًا إلى الطائفة العلوية وأتباع النظام السابق لحمل السلاح، مؤكدًا أن "الساحل لن يسقط بيد الغرباء".

ويتمتع هذا اللواء بتأييد قوي داخل بعض المناطق الساحلية، مما مكنه من شن هجمات منسقة ضد قوات الحكومة الانتقالية، مستفيدًا من وعورة الجغرافيا الساحلية واستخدام تكتيكات حرب العصابات. 

وأشارت تقارير إلى أن اللواء حصل على دعم عسكري غير مباشر من جهات خارجية، مما يزيد من تعقيد الصراع.

المجلس العسكري لتحرير سوريا وتحولات الصراع

على الجهة المقابلة، وفي ظل استمرار الاشتباكات، أُعلن في مارس 2025 عن تشكيل "المجلس العسكري لتحرير سوريا" بقيادة العميد غياث سليمان دلة، وهو ائتلاف معارض يهدف إلى "تحرير سوريا من القوات الإرهابية واستعادة الأمن والاستقرار"، وفقًا لبيان التأسيس.

ويضم المجلس مزيجًا من المقاتلين السابقين في الجيش السوري، وعناصر منشقة عن النظام، وقوات تابعة للحكومة الانتقالية، ما يجعله لاعبًا جديدًا في الصراع الدائر. 

ومع تصاعد العمليات العسكرية في الساحل، أصبح المجلس طرفًا رئيسيًا في المواجهة ضد الفصائل الموالية للنظام السابق.

التداعيات الإنسانية وردود الفعل الدولية

أدت الاشتباكات المتزايدة في الساحل السوري إلى تفاقم الوضع الإنساني، حيث تشير التقارير إلى نزوح آلاف المدنيين من المناطق المتأثرة إلى مناطق أكثر أمانًا. 

كما تعاني العديد من المدن والبلدات من نقص حاد في المواد الغذائية والطبية، فضلًا عن تدهور البنية التحتية بسبب القصف المتبادل.

دوليًا، أثارت الأحداث قلقًا واسعًا، حيث أدانت كل من الكويت والبحرين أعمال العنف، مشيرة إلى أن "الخارجين عن القانون يستهدفون الأمن والاستقرار".

 وفي المقابل، خرجت مظاهرات في تركيا منددة بدور الحكومة التركية في دعم القوات السورية، متهمة إياها بالمشاركة في تصعيد الأوضاع.

وفي خطاب بثه عبر تطبيق تليغرام، وجه الرئيس السوري أحمد الشرع تحذيرًا شديد اللهجة إلى الفصائل الموالية للنظام السابق، قائلاً:"لقد جاء الرد، ولم تتمكنوا من تحمله. ألقوا أسلحتكم واستسلموا قبل فوات الأوان."

وهذا التصريح أثار ردود فعل متباينة، حيث رأى البعض أنه يعكس إصرار الحكومة الانتقالية على إنهاء التمرد بأي وسيلة، بينما اعتبره آخرون مؤشرًا على تصعيد قادم قد يشهد عمليات عسكرية أكثر حدة في الساحل.

السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصراع

مع استمرار التصعيد في الساحل السوري، تظل عدة سيناريوهات محتملة:

الحسم العسكري لصالح الحكومة الانتقالية:
إذا تمكنت القوات الحكومية من سحق التمرد في الساحل، فقد يؤدي ذلك إلى تعزيز سيطرة الشرع على البلاد، لكنه قد يتسبب في مزيد من المعاناة الإنسانية.

تصاعد المواجهات وتحولها إلى حرب استنزاف:
استمرار القتال دون حسم واضح قد يؤدي إلى حرب استنزاف طويلة، مما يزيد من تدهور الوضع الإنساني، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية.

تدخل دولي لفرض تسوية:
مع تصاعد العنف، قد تسعى بعض الأطراف الدولية إلى فرض تسوية سياسية لإنهاء الصراع، سواء عبر مفاوضات مباشرة أو ضغوط اقتصادية وسياسية. 

تشهد الساحة السورية، ولا سيما الساحل، مرحلة حرجة من الصراع، حيث تتشابك المصالح السياسية والعسكرية في معركة مفتوحة على جميع الاحتمالات. 

وفي ظل هذه الأوضاع، يظل السؤال الأبرز: هل ستحسم القوات الحكومية المواجهة، أم أن البلاد مقبلة على فصل جديد من الفوضى وعدم الاستقرار؟