مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رمضان في فلسطين.. بين العادات الراسخة والواقع المرير

نشر
الأمصار

مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تستعد المدن الفلسطينية لاستقبال الشهر الكريم، لكن الفرق شاسع بين ما كان عليه الحال في الماضي، وما هو عليه اليوم، خاصة في قطاع غزة الذي يعاني من آثار الحرب المستمرة منذ أكثر من عام.

العادات الرمضانية في فلسطين

لطالما كان شهر رمضان في فلسطين يتميز بأجواء روحانية واجتماعية خاصة، حيث تتزين الشوارع بالفوانيس المضاءة، وتُعلق الزينة الرمضانية على المنازل والمحلات التجارية، ويُقبل الناس على الأسواق لشراء المستلزمات الرمضانية من تمور ومكسرات ومشروبات تقليدية مثل قمر الدين والعرق سوس.

كما كانت البيوت تمتلئ برائحة الأطعمة التقليدية التي تُطهى خصيصًا لهذا الشهر.

وفي المدن الفلسطينية، وخاصة في القدس ونابلس ورام الله، كانت المساجد عامرة بالمصلين في صلاة التراويح، فيما يحرص الباعة المتجولون على تقديم المأكولات الرمضانية الشهيرة مثل الكنافة النابلسية وحلويات القطايف، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من طقوس رمضان في فلسطين.

أما الأسواق الشعبية، فكانت تشهد انتعاشًا كبيرًا في حركة البيع والشراء، إذ يُقبل الفلسطينيون على شراء اللحم والدجاج والخضروات الطازجة، بالإضافة إلى الألبان والأجبان والخبز الطازج الذي يُعد عنصرًا أساسيًا على الموائد الرمضانية.

كيف تغيرت الأوضاع في غزة؟

لكن، في غزة، تغير كل شيء مع استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، للمرة الثانية على التوالي، يستقبل الفلسطينيون هناك رمضان وسط الدمار والفقر والحداد.

حيث اختفت الزينة الرمضانية تمامًا، ولم يعد هناك احتفالات استقبال الشهر الفضيل كما كان الحال في السابق.

وتوقفت العديد من الأنشطة التجارية بسبب القصف والتدمير المستمر للبنية التحتية والأسواق والمحال التجارية.

الأعمال عبد المنعم لبد، صاحب مركز تسوق في شمال غزة، يقول: "للمرة الثانية لم نستورد زينة رمضان، فالناس تعيش في حالة حزن دائم، والأسواق شبه خالية".

الأمر ذاته ينطبق على سوق المواد الغذائية، حيث تأثرت حركة البيع بسبب ارتفاع الأسعار وعدم توفر المواد الأساسية.

محمد تنيرة، صاحب مركز تجاري في غزة، أوضح أن "الأسعار تفوق قدرة المواطنين، إذ إن أغلبهم فقدوا مصادر دخلهم، كما أن شح المواد التموينية زاد من صعوبة تأمين المستلزمات الرمضانية".

في الوقت الذي تعاني فيه الأسواق من ركود غير مسبوق، هناك آلاف العائلات التي فقدت منازلها وأصبحت تعيش في خيام، حيث يقضي المواطن خالد أبو لبدة، من سكان رفح، يومه في طوابير للحصول على الطعام والمياه.

ويقول: "أطفالي يسألونني عن فانوس رمضان، لكن بالكاد أستطيع تأمين الطعام لهم".

الطقوس والعادات الرمضانية وتاريخها في فلسطين

لطالما شكل شهر رمضان في فلسطين مناسبة مميزة تمتزج فيها الطقوس الدينية بالعادات الاجتماعية العريقة، حيث تتجلى روح التآخي والتكافل الاجتماعي.

ومن أبرز هذه العادات:

جمعات الإفطار العائلية: يعد الإفطار الجماعي من التقاليد الفلسطينية الأصيلة، حيث تجتمع العائلات حول موائد مليئة بالأطعمة التقليدية، ويحرص الأقارب والجيران على تبادل الدعوات.

ومع الحرب المستمرة، تراجعت هذه العادة بشكل كبير، إذ باتت معظم العائلات مشردة أو فاقدة لأحبابها.

الأنشطة الخيرية والمبادرات: كانت الجمعيات الخيرية والمبادرات المجتمعية تلعب دورًا كبيرًا في توزيع الطرود الغذائية ووجبات الإفطار على الفقراء والمحتاجين، لكن في ظل الحرب، أصبح الاعتماد شبه كلي على المساعدات الإنسانية، مع نقص كبير في الإمدادات.

صلاة التراويح في المساجد: تكتظ المساجد بالمصلين خلال ليالي رمضان، وخاصة في المسجد الأقصى، حيث كان الفلسطينيون يتوافدون من كل أنحاء البلاد.

لكن الحرب أدت إلى تدمير المئات من المساجد في غزة، بينما يعاني المسجد الأقصى من تضييقات الاحتلال، مما يجعل أداء الصلاة تحديًا يوميًا.

مواكب الفوانيس في المسجد الأقصى: هذه واحدة من أجمل العادات الرمضانية التي اشتهرت بها القدس، حيث يحمل الأطفال والكبار الفوانيس المضاءة وهم ينشدون الأناشيد الدينية احتفاءً بالشهر الفضيل.

غير أن القيود الأمنية والاعتداءات المتكررة على المصلين أضعفت هذه الظاهرة بشكل كبير.

أشهر الأكلات الشعبية والتقليدية في فلسطين ورمزيتها

يتميز المطبخ الفلسطيني بتنوع أكلاته في شهر رمضان، حيث ترتبط بعض الأطعمة بذكريات وروح الشهر الفضيل. ومن أشهر الأكلات:

المقلوبة: وهي أكلة تتكون من الأرز، واللحم أو الدجاج، والباذنجان، تقدم مقلوبة في صحن كبير، وترمز إلى العطاء والكرم الفلسطيني.

المسخن: طبق فلسطيني تقليدي مكون من الخبز البلدي المغطى بالبصل والسماق والدجاج، ويعكس ارتباط الفلسطينيين بأرضهم وزيتونهم.

الشوربات المختلفة: مثل شوربة العدس التي تعتبر خيارًا شائعًا خلال الإفطار، نظرًا لفوائدها الغذائية العالية وسهولة تحضيرها.

القطايف: الحلوى الرمضانية الأشهر في فلسطين، والتي ترمز إلى الفرحة والاحتفال، حيث يتم تحضيرها في البيوت أو شراؤها من الأسواق الشعبية.

الكنافة النابلسية: وهي من أشهر الحلويات الفلسطينية، ترتبط بالاحتفالات والمناسبات، وتعد رمزًا للضيافة والكرم.

الفعاليات الدينية والثقافية وأشهر أماكن السهرات الرمضانية

رغم الحرب والدمار، تظل بعض الفعاليات الدينية والثقافية تحاول البقاء، إذ تشكل شهر رمضان فرصة لتعزيز الروحانيات وتعزيز الروابط الاجتماعية. ومن أبرز هذه الفعاليات:

إحياء ليالي رمضان في المسجد الأقصى: كان المسلمون في القدس يحرصون على الاعتكاف في المسجد الأقصى والاستماع إلى الدروس الدينية بعد الإفطار، لكن التضييقات الأمنية حدّت من هذه المظاهر.

 

الخيم الرمضانية الثقافية: كانت تنتشر في المدن الفلسطينية خيم رمضانية تستضيف محاضرات دينية وأمسيات إنشادية ومسابقات للأطفال، لكنها اختفت في غزة بسبب القصف والتدمير الواسع.

الأسواق الليلية: قبل الحرب، كانت الأسواق الشعبية في نابلس ورام الله والقدس تعج بالمتسوقين لشراء الفوانيس والحلويات والملابس، لكن تدهور الأوضاع الاقتصادية حال دون ذلك هذا العام.

في ظل هذه التحديات، يبدو رمضان في فلسطين هذا العام مختلفًا عن أي وقت مضى، حيث تراجعت العادات والتقاليد أمام قسوة الحرب، لكن يبقى الأمل حاضرًا في قلوب الفلسطينيين رغم الألم.

ورغم الظروف القاسية، يحاول سكان غزة الحفاظ على بعض العادات الرمضانية، لكن شح المواد الغذائية وانقطاع الكهرباء أثر بشكل كبير على ذلك.

وفي السابق، كانت موائد رمضان تتزين بأطباق فلسطينية شهيرة مثل المسخن، والمقلوبة، والمفتول، والسمك المشوي، إضافة إلى المقبلات كالحمص والفول والفلافل، أما الحلويات، فكانت الكنافة والقطايف تتصدر المشهد.

أما الآن، فقد باتت الكثير من الأسر تعتمد على المساعدات الإنسانية، حيث توفر التكايا وجبات بسيطة من الأرز والعدس والخبز.

كما أن نقص الوقود وانقطاع الكهرباء يجعل عملية الطهي صعبة للغاية.

الاقتصاد المنهار وزيادة المعاناة

ووفقًا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أدى الحصار الإسرائيلي إلى انهيار اقتصادي غير مسبوق، حيث ارتفعت معدلات البطالة إلى 80%، وتجاوزت نسبة الفقر 100% تقريبًا.

ومع حلول رمضان، تصبح الأزمة أشد وطأة، إذ ترتفع معدلات الاستهلاك لكن دون وجود قدرة شرائية لدى المواطنين.

المحلل الاقتصادي ماهر الطباع يقول: "الحرب المستمرة منذ أكثر من عام دمرت جميع مكونات الاقتصاد في غزة، حيث توقفت مصادر الدخل، وأصبحت العائلات تعتمد على المساعدات الإنسانية، التي بالكاد تكفي لسد الاحتياجات الأساسية".

ويضيف الطباع: "أكبر أزمة تواجه الغزيين اليوم هي تأمين الطعام، إذ لم يعد السؤال عن الأسعار، بل أصبح السؤال: هل هناك طعام متاح أصلًا؟".

رمضان في ظل الاحتلال.. مساجد مدمرة وأجواء غائبة

كان رمضان في فلسطين يتميز بأجواء إيمانية مميزة، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين الذين يؤدون صلاة التراويح وقيام الليل.

لكن اليوم، دُمر أكثر من 1109 مساجد بفعل القصف الإسرائيلي، منها 834 مسجدًا دُمرت بالكامل، وفقًا لتقرير وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية.

المسن سامي أبو الخير، من حي الشجاعية، يقول: "لا نعرف كيف سنؤدي صلاة التراويح، فجميع المساجد التي اعتدنا على الصلاة فيها تحولت إلى أنقاض، وحتى المشاعر الدينية باتت مكبوتة بفعل العدوان المستمر".

وفي ظل هذا المشهد القاتم، يمر رمضان على فلسطين، وخاصة غزة، كضيف ثقيل لا يحمل معه إلا المزيد من الألم.

ومع استمرار الحصار والدمار، تتضاءل أجواء الفرح التي لطالما ميزت هذا الشهر المبارك، ويبقى الأمل الوحيد هو أن تنتهي هذه المحنة قريبًا، ليعود رمضان إلى سابق عهده، شهرًا للفرح والتآخي والإيمان.