مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بوادر انفراجة في الأزمة بين الجزائر وفرنسا بعد أشهر من التوتر

نشر
الأمصار

شهدت العلاقات بين فرنسا والجزائر واحدة من أخطر الأزمات الدبلوماسية منذ استقلال الجزائر عام 1962، حيث تفاقمت التوترات بين البلدين بسبب قضايا سياسية وقضائية معقدة.

 وبرزت هذه التوترات بشكل واضح بعد سلسلة من الاعتقالات التي طالت شخصيات مؤثرة ومثقفين في الجزائر، مما عمّق الخلافات مع باريس.

ترحيل "دوالمن".. القشة التي قصمت ظهر البعير

من بين أبرز الملفات التي زادت من حدة التوتر، كان قرار السلطات الفرنسية ترحيل المؤثر الجزائري المعروف باسم "دوالمن"، واسمه الحقيقي بوعلام نعمان، وذلك بعد نشره مقطع فيديو مثير للجدل يدعو فيه إلى "معاقبة" أحد المعارضين الجزائريين. وقد أثار القرار ردود فعل غاضبة في الجزائر، حيث اعتبرته السلطات تدخلاً فرنسياً في شؤونها الداخلية.

مؤشرات على انفراجة دبلوماسية

على الرغم من حدة الأزمة، أبدى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مؤخراً رغبة واضحة في خفض التصعيد مع باريس، مشيراً إلى أنه يحتفظ بعلاقة خاصة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون. واعتبر محللون هذه الإشارة الدبلوماسية بداية لانفتاح الجزائر على حوار جديد مع فرنسا بعد أشهر من الجمود.

الجزائر تسعى لفرض نفسها كشريك ندّي

يرى المحلل السياسي الفرنسي برونو كوتريه أن الأزمة الحالية بين البلدين ليست مجرد أزمة دبلوماسية عابرة، بل تعكس تحولات عميقة في العلاقة بين الجزائر وفرنسا. 

وأوضح أن الجزائر تسعى لفرض نفسها كشريك متساوٍ مع باريس، بدلاً من لعب دور التابع كما كان الحال في العقود الماضية.

وأضاف كوتريه أن "ماكرون يدرك أهمية الجزائر كشريك رئيسي في ملفات الهجرة والطاقة والأمن في منطقة الساحل، مما يجعله أكثر ميلاً لتهدئة الأوضاع مع الجزائر لتحقيق مصالح بلاده الاستراتيجية".

علاقات متقلبة عبر التاريخ

من جانبه، يرى الأستاذ في معهد الدراسات السياسية بباريس جان بيير فيليو أن العلاقات بين البلدين لطالما كانت متقلبة، حيث تشهد فترات تقارب تعقبها أزمات حادة.

 لكنه أشار إلى أن هذه الأزمة الحالية قد تكون فرصة لإعادة ضبط العلاقات وفق أسس جديدة تحقق مصالح الطرفين.

وأوضح فيليو أن "الجزائر، رغم مواقفها الحادة، لا تستطيع تجاهل أهمية التعاون الاقتصادي والأمني مع باريس، بينما تدرك فرنسا أن تعزيز العلاقات مع الجزائر ضروري للحفاظ على نفوذها في شمال إفريقيا ولمواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل".

قرار الترحيل.. نقطة خلاف جديدة

في تطور جديد للأزمة، رفض القضاء الفرنسي طلبًا بتعليق قرار ترحيل "دوالمن" إلى الجزائر، معتبرًا أن الشروط القانونية لاتخاذ هذا القرار "لم تكتمل". وجاء في بيان المحكمة الإدارية بباريس أن "الإجراءات القانونية الخاصة بتعليق الترحيل لم تستوفِ الشروط المطلوبة"، مشيرة إلى أن القرار صدر بموافقة وزارة الداخلية الفرنسية وبعد توصية إيجابية من لجنة الترحيل.

وبالرغم من أن "دوالمن" عاش في فرنسا لأكثر من 20 عامًا بوضع غير قانوني، ثم 15 عامًا بصفة قانونية، إلا أن القاضي رأى أنه "لم يقدم أدلة كافية على امتلاكه روابط عائلية قوية مع أبنائه أو أحفاده، أو اندماجًا مهنيًا طويل الأمد في المجتمع الفرنسي"، مما جعله معرضًا للترحيل.

المصالح الاقتصادية في قلب الأزمة

يرى خبراء أن العلاقات الفرنسية الجزائرية ليست مجرد علاقات سياسية أو تاريخية، بل تحكمها المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى. فالجزائر تعد شريكًا اقتصاديًا مهمًا لفرنسا، خاصة في مجالات الطاقة والاستثمارات، حيث تعتمد باريس بشكل كبير على الغاز الجزائري.

وبالمقابل، فإن الجزائر بحاجة إلى الاستثمارات الفرنسية في عدة قطاعات، بما في ذلك الصناعة والتكنولوجيا والبنية التحتية. وهذا ما يجعل أي توتر في العلاقات بين البلدين يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد والتبادل التجاري بينهما.

الهجرة والملف الأمني.. أوراق ضغط متبادلة

تمثل قضايا الهجرة والأمن أحد أهم محاور الخلاف بين الجزائر وفرنسا. ففي ظل ارتفاع أعداد المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا، تسعى باريس إلى تشديد سياساتها تجاه المهاجرين غير الشرعيين، وهو ما ترفضه الجزائر بشدة.

وفي المقابل، تمتلك الجزائر نفوذًا كبيرًا في ملفات الأمن الإقليمي، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، مما يجعلها ورقة ضغط مهمة في يدها عند التفاوض مع باريس.

مستقبل العلاقات بين البلدين

على الرغم من أن الأزمة الحالية بين الجزائر وفرنسا تُعد واحدة من أكثر الأزمات الدبلوماسية حدة بين البلدين، إلا أن هناك مؤشرات على إمكانية حدوث انفراجة في العلاقات خلال الفترة المقبلة.

ويرى محللون أن عودة الحوار بين الطرفين، سواء عبر القنوات الدبلوماسية أو من خلال الزيارات الرسمية، قد تمهد الطريق لحل القضايا العالقة وإعادة بناء الثقة بين البلدين، لكن ذلك سيعتمد بالدرجة الأولى على مدى استعداد الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة.

في النهاية، تبقى العلاقات الجزائرية الفرنسية محكومة بالتاريخ والمصالح المشتركة، وهو ما قد يجعل الأزمة الحالية مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الأزمات التي لطالما ميزت العلاقة بين البلدين.