مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

إسرائيل توسع المنطقة العازلة.. رفح تحت التهديد والعزل الكامل عن قطاع غزة

نشر
الأمصار

في تطور خطير يهدد مستقبل قطاع غزة، وسّعت إسرائيل نطاق المنطقة العازلة على الحدود، مضيفة مدينة رفح – التي تمثل خُمس مساحة القطاع – إلى المخطط الأمني، في خطوة اعتبرها مراقبون بداية لتغيير ديموغرافي وجغرافي واسع النطاق في جنوب غزة.

رفح، التي كانت يومًا ما مأوى لحوالي 200 ألف فلسطيني، أصبحت اليوم مهددة بالإزالة الكاملة من الخارطة، بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي نيته هدم كافة المباني في المدينة ومنع السكان من العودة إليها. 

وهذه الخطوة تأتي في وقت تعيش فيه غزة واحدة من أعنف فصول الحرب وأكثرها تدميرًا، وسط صمت دولي متزايد.

ووفقًا لتقارير إعلامية إسرائيلية، فإن القرار العسكري بضم رفح جاء بعد استئناف العمليات العسكرية في فبراير/شباط الماضي، بالتوازي مع إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن نية إسرائيل فرض سيطرتها على "مساحات واسعة" من غزة، مما يرسّخ سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة العسكرية.

ويمثل هذا التحول العسكري خطًا فاصلاً جديدًا في النزاع المستمر، حيث تسعى تل أبيب إلى فرض منطقة أمنية تمتد بعرض يتجاوز في بعض المناطق كيلومترًا كاملًا، وتغطي مساحة تزيد عن 75 كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل 20% من إجمالي القطاع الساحلي.

وفيما تستمر العمليات العسكرية البرية، يتصاعد القلق الإنساني، إذ تُركت أحياء بأكملها في رفح بلا سكان، بعد موجات متلاحقة من الإخلاء القسري، وسلسلة من الهجمات التي أدت إلى تدمير واسع في البنية التحتية، لتُطرح بذلك تساؤلات حول مستقبل المدينة وسكانها، والسيناريوهات المحتملة لإنهاء هذا الفصل من النزاع.

رفح تحت التصفية العسكرية

بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فإن قرار ضمّ رفح إلى المنطقة العازلة جاء تنفيذًا لخطط استراتيجية إسرائيلية ترمي إلى إنشاء "طوق أمني دائم" يفصل القطاع عن الحدود المصرية، مع منع أي وجود مدني في هذه المنطقة الحساسة.

 وأكدت الصحيفة أن الجيش بدأ بالفعل بهدم المباني على طول محور موراج - فيلادلفيا، وأن أجزاءً من الطريق الجديد قد يصل عرضها إلى أكثر من كيلومتر.

منطقة شبه مهجورة.. وتحذيرات متكررة

مدينة رفح التي كانت تضم حوالي 200 ألف نسمة قبل الحرب، باتت اليوم شبه خالية، بعد أن وجّه الجيش الإسرائيلي إنذارات متكررة للسكان لمغادرتها، في أعقاب انهيار التهدئة في 18 مارس/آذار الماضي. 

وتم توجيه المدنيين إلى ما تُعرف بـ"المنطقة الإنسانية" قرب خان يونس ومنطقة المواصي، دون وجود ضمانات إنسانية أو بنية استقبال كافية.

تغيير جغرافي ديموغرافي قسري

وتبلغ مساحة المنطقة العازلة الحالية نحو 60 كيلومترًا مربعًا، إلا أن توسيعها ليشمل رفح سيزيدها لتغطي نحو 75 كيلومترًا مربعًا. 

وهذه النسبة تمثل خمس مساحة القطاع تقريبًا. وبحسب مصادر دفاعية إسرائيلية، فإن هذه الخطوة تهدف إلى عزل غزة تمامًا عن الحدود المصرية، ومنع أي امتداد جغرافي لحركة حماس، وخلق أدوات ضغط جديدة على الحركة في ظل فشل الجهود السياسية والعسكرية حتى الآن.

نقمة داخل صفوف الجيش الإسرائيلي

داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، بدأت تبرز أصوات معارضة لإعادة العمليات في المناطق التي سبق تدميرها، وخصوصًا بين صفوف جنود الاحتياط.

 ونقلت "هآرتس" عن أحد الضباط الذي خدم أكثر من 240 يومًا في غزة قوله: "لم يبقَ شيء لتدميره.. نُرسل لتدمير ما دُمر بالفعل".

 كما أشار إلى غياب الهدف الواضح من وراء هذه التحركات، ما يزيد من حالة الإحباط داخل صفوف الجيش.

ثمن العمليات.. دماء وأرواح

أحد أكثر الحوادث دموية في المنطقة العازلة وقع في يناير/كانون الثاني 2024، حين قُتل 21 جنديًا إسرائيليًا من قوات الاحتياط في انفجار أثناء هدم مبانٍ بالقرب من معبر كيسوفيم، ما يعكس الثمن الباهظ الذي تدفعه إسرائيل في محاولة فرض سيطرة ميدانية على أراضٍ مدمرة خالية من المدنيين، دون نتائج استراتيجية ملموسة.

العمليات العسكرية مستمرة.. والقصف لا يتوقف

في بيان للجيش الإسرائيلي نُشر الأربعاء، أكد استمرار العملية البرية في قطاع غزة، لافتًا إلى أن قوات "فرقة غزة 143" تواصل عملياتها في منطقة تل السلطان، حيث اكتشفت فتحات أنفاق ودمرت بنى تحتية عسكرية. 

كما أعلنت "الفرقة 36" عن توغلها في مناطق جديدة بمحور موراج، بينما تواصل "الفرقة 252" تحركها شمال القطاع في الشجاعية.

وأشار البيان إلى تنفيذ سلاح الجو الإسرائيلي لأكثر من 45 غارة جوية خلال الساعات الماضية، استهدفت منشآت لإنتاج الأسلحة ومواقع إطلاق صواريخ ومبانٍ عسكرية ومستودعات ذخيرة.

مستقبل رفح.. إلى أين؟

في ظل الموقف الدولي المرتبك، واستمرار الصمت العربي الرسمي، تبقى رفح نموذجًا مأساويًا لما يُمكن أن تؤول إليه مناطق أخرى من القطاع إذا استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية وفق النهج الحالي.

 وبالرغم من الحديث المتكرر عن التهدئة، فإن المشهد في جنوب غزة يعكس استراتيجية تقوم على الإفراغ القسري والضم الميداني، وهو ما يفتح الباب أمام أزمة إنسانية حادة ومزيد من التوتر الإقليمي.