«المستشفى المعمداني».. شاهد حي على وحشية الاحتلال الإسرائيلي في غزة

المستشفى المعمداني في غزة، ليس مجرد منشأة طبية، بل هو شهادة حية على مُعاناة «الشعب الفلسطيني» جراء الاعتداءات المستمرة من قِبل «الاحتلال الإسرائيلي». مُنذ أن أصبح بُؤرة للصراع، شهد هذا المستشفى مئات الحالات الإنسانية المُروعة التي نتجت عن الحروب المستمرة والقصف العشوائي.
المستشفى المعمداني مرآة لمعاناة المدنيين تحت وطأة الاحتلال
ويُمثّل «المستشفى المعمداني» أكثر من مجرد مكان لتقديم العلاج، فهو شاهد على فظائع الاحتلال، حيث يتنقل الجرحى والمُصابين من أرجائه كدليل حي على بشاعة الهجمات التي استهدفت المدنيين بكل قسوة، مُخلفة وراءها قصصًا من الألم والصمود.
صواريخ إسرائيلية تنهال على غزة، مُخلّفة دمارًا واسعًا وأعدادًا كبيرة من الشهداء والمُصابين. في ظل هذا التصعيد، كان المستشفى المعمداني أحد أكثر الأماكن تأثّرًا بهجمات الاحتلال، حيث شهد إخلاء العائلات النازحة والمرضى الذين تم نقلهم على أسرّة طبية في مشاهد مؤلمة. من أبرز هذه الهجمات كانت تلك التي تلت عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023.

آخر حلقات مسلسل الجرائم الإسرائيلية ضد المستشفى المعمداني وقعت صباح اليوم الأحد، حيث أفاد أحد الأشخاص بأنه تلقى اتصالًا من شخص ادعى أنه من الأمن الإسرائيلي، طالبًا منه إخلاء المستشفى قبل وقت قصير من وقوع الهجوم. وبعدها، استهدفت صواريخ إسرائيلية قسم الطوارئ والاستقبال، ما أسفر عن تدميره، إضافة إلى أضرار كبيرة في المباني الأخرى.
وعلى مدار عام ونصف، ظلّ «المستشفى المعمداني» واحدًا من بين (35) مستشفى دمرها الاحتلال الإسرائيلي عمدًا، في إطار خطة منهجية للقضاء على البنية التحتية الصحية في قطاع غزة. كما دمر الاحتلال العديد من المراكز الطبية والمؤسسات الصحية الأخرى، في انتهاك صارخ للمواثيق الدولية واتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف المنشآت الطبية.
مستشفى المعمداني الأقدم في غزة
يُعَدّ «مستشفى المعمداني» واحدًا من أقدم مستشفيات قطاع غزة، وقد أُنشئ قبل أكثر من 140 عامًا، وعُرف وقتها بـ"المشفى الأهلي العربي"، وكان أقدم مستشفى في فلسطين المحتلة تقريبًا. ويقع في منطقة سكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، وتُحيط به كنيسة القديس برفيريوس، ومسجد الشمعة، ومقبرة الشيخ شعبان.
وتم تأسيس المستشفى في عام (1882)، على يد البعثة «التبشيرية» التي كانت تابعة لإنجلترا، وتُعدّ الكنيسة المعمدانية واحدة من ثلاث كنائس للمسيحيين في غزة، وهي كنيسة القديس برفيريوس، والكنيسة اللاتينية.
وأثناء الحرب العالمية الأولى، تعرّض المستشفى المعمداني للتدمير، لكن أُعيد بناؤه ثانية في عام 1919، وأُطلق عليه اسم "المستشفى الأهلي العربي". وعند انتهاء حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين – حيث كانت غزة تابعة لمصر – قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا إقفال أبواب المستشفى، لكن البعثة المعمدانية تكفّلت به وبإدارته.
وفي أواخر الأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، نشب خلاف حول ملكية المستشفى عقب إلغاء الإدارة المصرية قانون الوقف الأهلي في غزة، مما عرض ممتلكاته وأراضيه لخلاف على الملكية.
المشرفون على المستشفى استمروا في تقديم الخدمات للمرضى، رغم الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام (1967)، كما بنوا طابقًا ثانيًا ليضم مكتبًا ومختبرًا وثلاث غرف خُصّصت لأغراض علاجية متنوعة.
المستشفى تعرّض لانتكاسة جديدة في عام (1976)، عندما قطعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) المساعدات عنه وأوقفت دعمها لمدرسة التمريض التابعة له، فتراجعت خدماته وتقلص عدد موظفيه، حيث انخفض عدد الأطباء فيه إلى ثلاثة فقط، ومعهم (28) مُمرضًا، الأمر الذي أدى إلى تراجع عدد المرضى فيه.

وفي نهاية السبعينيات، عادت ملكيته لأبرشية القدس الأسقفية، وواصل تقديم خدماته بعد تلقيه التمويل من الجمعية المتحدة الفلسطينية في الولايات المتحدة، وتم بناء أقسام أخرى، إضافة إلى توفير معدات طبية متطورة له، ليتحوّل إلى مؤسسة صحية تضم أقسامًا مختلفة.
وأُضيف إليه قسم الطوارئ والعمليات الجراحية – مثل جراحة العظام – إلى جانب أقسام أخرى مثل قسم الولادة، والعلاج الطبيعي، والحروق، وقسم الأشعة، والعيادات الخارجية، والمختبر الخاص به.
وطوال تاريخه، قدّم المشفى العديد من الخدمات الطبية لكافة مواطني وأهالي قطاع غزة، والوافدين من باقي المدن الفلسطينية، كما اعتمد عليه أهالي القطاع، أثناء القصف الإسرائيلي على منازلهم ومحاولة إجبارهم على التهجير، فاستقرّ معظمهم في ساحة المستشفى القديم، كونه مصدر أمان لهم.
وعلى الرغم من نقص المؤن الطبية، فإن المستشفى ظل يعمل بكل طاقته، لكن الاحتلال الإسرائيلي لم يتركه أو أطبّاءه أو مصابيه.
مجزرة أكتوبر.. نقطة تحول مُفجعة في تاريخ النزاع
يوم الثلاثاء (17) أكتوبر (2023)، شهد «المستشفى المعمداني» مجزرة شنيعة قام بها الاحتلال الإسرائيلي، حيث استُشهد ما يقرب من (500) فلسطيني بعد قصف استهدف المستشفى عمدًا، ضمن سلسلة غارات على مناطق مختلفة من القطاع، أدّت إلى مقتل العشرات من الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء.
وقتها، نفى جيش الاحتلال الإسرائيلي مسؤوليته الحادث، وزعم أنه ناجم عن "عملية إطلاق فاشلة لصاروخ من جانب حركة الجهاد الإسلامي"، بينما نفت الحركة بدورها هذه الاتهامات، مُؤكدة أنها "أكاذيب" و"اتهامات باطلة"، وأن المستشفى تم قصفه من طائرة حربية إسرائيلية.
كما أعلن الرئيس الفلسطيني، «محمود عباس» الحداد لمُدة (3) أيام، واصفًا الأمر في كلمة أعقبت القصف الإسرائيلي بـ "مذبحة حرب بشعة لا يمكن السكوت عنها"، مُشيرًا إلى أن إسرائيل "تجاوزت كل الخطوط الحمراء"، وحمّلت السُلطة الفلسطينية الاحتلال المسؤولية الكاملة في وقوع الهجوم.
خطط إسرائيل الشيطانية ضد غزة.. حصار شامل يشمل قطع الكهرباء والمساعدات الغذائية وحظر الأونروا
في تصعيد غير مسبوق لسياساتها القمعية، تُواصل «إسرائيل» تنفيذ خطط شيطانية تهدف إلى مُحاصرة «قطاع غزة» بشكل شامل، في خطوة تتجاوز كل الحدود الإنسانية. فقد بدأت حكومة الاحتلال بفرض حصار خانق على غزة، يتضمن «قطع إمدادات الكهرباء والمساعدات الغذائية الأساسية، فضلاً عن حظر عمل وكالة الأونروا التي تُقدم الدعم لملايين اللاجئين الفلسطينيين».