52 عامًا على حريق الأقصى الذى لم تُخمد نيرانه حتى اليوم
يحل اليوم ذكرى مرور 52 عامًا على جريمة إحراق المسجد الأقصى فى 21 – 8 – 1969 إذا أشعل متطرف يهودي يدعى” مايكل دينيس” النيران عمدًا في الجناح الشرقي للمسجد الأقصى، والتي أتت على واجهات المسجد وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير وأتى الحريق على منبر صلاح الَين الأيوبي وألحق ضررًا عميقًا في 400 متر مربع من السقف الجنوبي الشرقي للمصلى القبلي كما تضررت فسيفساء وزخارف القبة الرصاصية وعمودان من الرخام بين القبة والمحراب، ما تطلب سنوات لإعادة ترميمها وزخرفتها كما كانت.
أدعت القوات الإسرائيلية بأن ما حصل هو عمل فردي وليس مخطط من قبل جماعاتٍ وجهاتٍ صهيونية تعمل ليل نهار حتى اللحظة لتهويد المسجد، من خلال الانتهاكات اليومية بالحفر تحته، واستباحة باحاته، ومن ثم استغلال أية فرصة لهدمه.
ولم يمض وقت طويل حتى ادعت أنه مختل عقليًا ومجنون، ليتم إطلاق سراحه، كما تم اطلاق سراح المستوطنين الذين قاموا بإحراق عائلة “دوابشة” في قرية دوما جنوب نابلس قبل سنوات عدة.
ومن ضمن المعالم التي أتت عليها النيران؛ مسجد عمر الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، ويمثل ذكرى دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مدينة القدس وفتحها، إضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا، وثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة، وجزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق، وعمودي مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، و74 نافذة خشبية وغيرها.
كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والجدران الجنوبية، وتحطمت 48 نافدة في المسجد مصنوعة من الجبص والزجاج الملون، واحترقت الكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
واستطاع الشعب الفلسطينى آنذاك إنقاذ ما تبقى في المسجد الأقصى قبل أن تجهز عليه النيران، بعد أن هرعت مركبات الإطفاء من مدن الخليل، وبيت لحم ومناطق مختلفة من الضفة والبلديات العربية لإنقاذ الأقصى، رغم محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعها من ذلك، وقطعها المياه عن المنطقة المحيطة بالمسجد في نفس يوم الحريق، كما تعمَّدت مركبات الإطفاء التابعة لبلدية الاحتلال بالقدس التأخر؛ حتى لا تشارك في إطفاء الحريق.
اعتداءات الاحتلال
لا تزال قوات الاحتلال والمستوطنين يعتدون على المسجد بأشكال أخرى كإغلاقه أمام المصلين والتضييق عليهم، واقتحامه وتدنيسه من قبل المستوطنين، وتنفيذ أعمال تخريب فيه، ومنع عمليات ترميمه، وتنفيذ أعمال حفريات للأنفاق أسفله، وإجراء أعمال مسح وأخذ قياسات في باحات المسجد الأقصى وفي صحن قبة الصخرة.
وسادت خلال العام الجاري حالة من التوتر الشديد في المسجد الأقصى خاصة خلال شهر رمضان الماضي، مع تكثيف سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءاتها العسكرية في حي الشيخ جراح وسلوان بالقدس المحتلة، جراء القرارات الإسرائيلية القاضية بتهجير السكان الفلسطينيين من القدس.
المسجد الأقصى
المسجد الأقصى، أول قبلة للمسلمين، وثالث أقدس مسجد في الإسلام. بعد حرب 1948، التي أسفرت عن خسارة 77% من فلسطين الانتدابية، استمرت الضفة الغربية (بما في ذلك القدس الشرقية) تحت حماية الجيش الأردني، ليتم بعد ذلك توحيدها رسميًا مع الأردن فى أبريل 1950.
وفي 5/6/1967، شنت القوات الإسرائيلية “حرب الأيام الستة” واحتلت الضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيناء المصرية، ومرتفعات الجولان السورية.
ومنذ ذلك الحين، أصبح وضع القدس ومستقبلها من أكثر القضايا حساسية وتعقيدًا في القضية الفلسطينية برمّتها. تتمتع القدس بأهمية دينية وروحية كبيرة للمسلمين والمسيحيين واليهود.
وتشكل منطقة المسجد الأقصى، الذي يطلق عليه اليهود اسم “جبل الهيكل” في شرقي القدس محط تركيز رئيسي للمسلمين واليهود، إذ إنها تعدّ أقدس مكان لهم في فلسطين.
بناء على القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة، فإن شرقي القدس أرض محتلة من قبل “إسرائيل” بشكل غير قانوني، وليس من حق قوات الاحتلال أن تنتهك الحقوق والحريات المدنية لفلسطينيي شرقي القدس.
ولكن على الرغم من ذلك، قامت السلطات الإسرائيلية في 11/6/1967 بتدمير حي المغاربة، وهو وقف إسلامي ملاصق للقسم الجنوبي الغربي من المسجد الأقصى، وتحويله إلى ساحة لليهود يتجمعون فيها لزيارة الجدار الغربي للمسجد الأقصى، أو ما يطلقون عليه اسم “حائط المبكى”.
القدس
وفي 27/6/1967 قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في إجراءٍ أحادي الجانب، بتوحيد شرقي القدس وغربي القدس تحت إدارتها المدنية لتبدأ بعدها مخطط حفرياتٍ مكثف وهادئ في جنوب المسجد الأقصى وجنوبه الغربي.
كما استمرت في عمليات مصادرة وتدمير منازل المسلمين والأوقاف الإسلامية، بالرغم من كون العديد منها ذو قيمة تاريخية كبيرة، غير عابئة بكل الاحتجاجات والإدانات المحلية والدولية.
وقد أقلقت الانتهاكات الإسرائيلية والأهداف النهائية التي تصبو إليها سلطات الاحتلال كل الأوساط والمحافل، وخصوصًا في العالم الإسلامي.
وفي 21/5/1968 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 252 والذي أعلن بموجبه أن “جميع التدابير التشريعية والإدارية والإجراءات التي اتخذتها إسرائيل، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك، التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير في وضع القدس”.
وعلى الرغم من ذلك، استمرت “إسرائيل” في مخطط التهويد الممنهج لمدينة القدس بلا هوادة، ضاربة بعرض الحائط معارضة واستنكار المجتمع الدولي. وقد أدى التجاهل الإسرائيلي الصارخ إلى ظهور مخاوف حقيقية حول مستقبل مدينة القدس. وفي ظلّ هذه الأجواء القاتمة وقع إحراق الأقصى.
ويُظهر فحص الملف الجنائي الذي أعده المدعي العام الإسرائيلي أن روهان كان رجلًا ذكيًا وماهرًا ومنظمًا، مما دفع الكثير من المسلمين إلى التشكيك بمزاعم اختلاله العقلي التي أطلق سراحه على أساسها من قبل السلطات الإسرائيلية، إذ يرى الكثير من المسلمين في إطلاق سراحه دليلًا ضمنيًا على التعاطف الإسرائيلي معه والرضا عن تصرفه.
لم تقنع التقارير الإسرائيلية جماهير العالم الإسلامي المتشككة بها، إذ كان هؤلاء على قناعة بأن جريمة بهذا المستوى لا يمكن أن تتم دون ضلوع “آخرين” في توجيه روهان وإلهامه.
بيان لجنة الكنائس فى فلسطين
طالبت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس فى فلسطين، كنائس العالم وكل رعاياها، بإدانة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك، والمصلين فيه وحرمانهم من حقهم المكفول بتأدية صلواتهم بحرية وسلام كما نصت على ذلك المواثيق الدولية ذات الصلة.
وقالت اللجنة، فى بيان فى ذكرى مرور 52 سنة على جريمة إحراق المسجد الأقصى التي قام بها الإرهابي المستوطن المتطرف مايكل دينيس، والتي تصادف اليوم السبت، إن “الفكر والأيديولوجيا المتطرفة التي دفعت هذا المجرم للقيام بفعلته ما تزال قائمة وتغذّى عتاة المتطرفين من اليهود المدعومين من حكومة يمينية متطرفة لتحقيق هدفهم بتدمير وتخريب المسجد الأقصى وبناء ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه”.
وأضافت اللجنة فى بيانها أن “التماسك والتضامن الفلسطيني، الإسلامي والمسيحي، فى فلسطين عامة وفى مدينة القدس خاصة، كان وما يزال صمام الأمان فى الدفاع عن المقدسات الإسلامية المسيحية فى وجه الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى والتصدي لمحاولات تغيير الوضع القانوني والتاريخي والديني القائم.
بيان الرئاسة الفلسطينية
طالبت الرئاسة الفلسطينية اليوم السبت المجتمع الدولي بتوفير الحماية للاماكن الدينية والمقدسة في مدينة القدس المحتلة وذلك بالتزامن مع حلول الذكرى الـ52 لإحراق المسجد الأقصى.
وقالت الرئاسة الفلسطينية في بيان صحفي إن المجتمع الدولي مطالب بحماية قرارات الشرعية الدولية ومنها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 271 لسنة 1969 الذي أدان فيه إسرائيل على خلفية إحراق المسجد الأقصى «واعتبر أي تدمير أو تدنيس للأماكن المقدسة في القدس يمكن أن يهدد الأمن والسلام الدوليين».
وأضافت أن «إسرائيل ورغم قرارات الشرعية الدولية بخصوص مدينة القدس المحتلة التي طالبتها بعدم المساس بقدسية الأماكن الدينية خاصة المسجد الأقصى باعتباره موقعا إسلاميا مقدسا مخصصا للعبادة الا انها ما زالت تضرب بتلك القرارات عرض الحائط وتدير الظهر لكل المخاطر التي يمكن ان تنشب نتيجة سياساتها المتهورة غير المسؤولة».
واكدت أن «الأقصى والأماكن المقدسة كافة في القدس المحتلة ما زالت مستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين حيث الاقتحامات مستمرة وبشكل يومي
وشددت الرئاسة الفلسطينية على «أن القدس خط أحمر ولن نقبل المساس بها والمسجد الأقصى المبارك هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ولن نحيد عنه ونحيي أهلنا في القدس المرابطين في الأقصى على صمودهم في وجه المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى فرض تغيير زماني ومكاني عليه».
وطالبت إسرائيل بإلغاء التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس والالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 2334 لسنة 2016 الذي اكد صراحة عدم شرعية الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.