فى ذكرى رحيل أول رئيس لمصر.. محمد نجيب الذى بقى تحت الإقامة الجبرية أكثر من فترة رئاسته
يحل اليوم ذكرى رحيل أول رئيس لجمهورية مصر العربية ففى 18 يونيو من عام 1953 أعلن اللواء محمد نجيب نهاية النظام الملكي في مصر وقيام الجمهورية برئاسته، مع احتفاظه برئاسة مجلس قيادة الثورة الذي تشكل من مجموعة من ضباط الجيش المصري عرفت بـ “الضباط الأحرار”، وهي المجموعة التي أطاحت بالملك فاروق من عرش مصر، وفي سبتمبر عام 1952 أصبح نجيب رئيسا للوزراء مع الاحتفاظ بوزارة الحربية، وتبع ذلك قرارات سياسية عدة مثل إلغاء دستور 1923، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد، وحل الأحزاب السياسية فمن هو محمد نجيب ؟
محمد نجيب
ولد محمد نجيب في 20 فبراير من عام 1901 بالخرطوم في السودان، و توفي في 28 أغسطس من عام 1984 بالقاهرة في مصر، وهو ضابط بالجيش المصري ورجل دولة لعب دورا بارزا في الإطاحة بالملك فاروق عام 1952 وتولى رئاسة مصر مرتين الأولى بين 18 يونيو من عام 1953 و 25 فبراير من عام 1954، والثانية بين 27 فبراير و 14 نوفمبر عام 1954.
وكان نجيب الأكبر في عائلة مكونة من 9 أبناء. وأراد والده أن يكون نجله مدرسا أو محاميا، لكن تم قبول الابن في المدرسة الحربية بالقاهرة ، فوالده يوسف نجيب كان ضابطا بالجيش المصري بالسودان واشترك في حملة دنقلة الكبرى، ولا أحد يعرف تحديدا تاريخ ميلاد محمد نجيب، بل إنه ذكر فى مذكراته أنه حائر بين ثلاثة تواريخ لميلاده وهى إما 28 يونيو 1899، أو 20 فبراير 1901، والثالث هو 7 يوليو 1902. والتاريخ الموجود فى ملف خدمته بالجيش هو 20 فبراير 1901، وقد ولد ونشأ وترعرع بساقية معلا بالخرطوم.
عاش في السودان مع والده البكباشي يوسف نجيب بالجيش المصري إلى أن أتم دراسته الثانوية ثم عاد إلى مصر ودخل المدرسة الحربية عام 1917.
وبعد مرور شهر على تخرجه سافر نجيب إلى السودان في فبراير من عام 1918حيث التحق بالكتيبة 17 بالجيش المصري، ثم انتقل نجيب بعد ذلك إلى الحرس الملكي في القاهرة يوم 28 أبريل 1923 قبل الانتقال إلى فرقة في المعادي عام 1928.
ويـُعد محمد نجيب هو أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق عام 1927، ثم دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929، ودبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1930.
وأصبح ضمن اللجنة التي أشرفت على تنظيم الجيش المصري في الخرطوم بعد معاهدة 1936.
وعقب حادث 4 فبراير 1942، وهو الحادث الذي حاصرت فيه الدبابات البريطانية قصر الملك لإجباره على إعادة مصطفى النحاس باشا إلى رئاسة الوزراء أو التنازل عن العرش، قدم استقالته من الجيش، نظرا للتدخل الإنجليزي في شئون مصر الداخلية، ولكن الملك رفض الاستقالة ،وفي عام 1944 تم تعيينه حاكما إقليميا لسيناء.
“الضباط الأحرار”
وشهد عام 1948 أول معركة له كقائد لفوج مشاة عندما دخلت مصر الحرب ضد إسرائيل. وقال زملاء له إن نجيب عارض التحرك ضد إسرائيل لأنه اعتبر الجيش غير مؤهل للقتال بنجاح .
وقد أصيب 3 مرات في ساحة المعركة، وتمت الإشادة به كبطل بعد الحرب.
وقد تعزز بعد تلك الحرب اعتقاده بوجوب عزل الملك فاروق، وانضم إلى عبد الناصر والمعارضين الآخرين في الجيش وبدأت صلته بالضباط الأحرار من خلال لقائه مع الصاغ عبد الحكيم عامر عندما عين رئيس أركان حرب في اللواء الذي يرأسه نجيب أثناء حرب فلسطين، ثم عرفه بجمال عبد الناصر، ثم التقى بباقي مجموعة الضباط الأحرار، وكان عبد الناصر هو مؤسس التنظيم ورئيسه، ولم يكن تفكيرهم يخرج عن إطار ضرورة تغيير الأوضاع في مصر.
ولكن حين وقع حريق القاهرة في يناير من عام 1952، وحدث الصدام بين نجيب والملك فاروق الذي قام بترقية حسين سري عامر قائدا لسلاح الحدود بدلا منه، بدأ التشاور جديا لتغيير الأوضاع جذريا.
وفي عام 1952، ساعد الضباط الأحرار نجيب في الفوز بالانتخابات كرئيس لنادي الضباط في مواجهة حسين سري عامر الذي يدعمه الملك فاروق.
إن مجموعة الضباط الشباب اختارت اللواء نجيب، بطل حرب عام 1948، كقائد لهم. وكان هؤلاء الضباط يخططون للإطاحة بالملك فاروق الذي اشتهر بالفساد.
زعيم صوري ام فعلى ؟
وفي صباح يوم 23 يوليو يا من عام 1952، تحرك أولئك الضباط وأعلنوا اللواء نجيب قائدا عاما لمجلس قيادة الثورة. وكان اللواء نجيب هو من ذهب إلى الإسكندرية للمطالبة بتنحي الملك. وسُمح للملك فاروق بالإبحار إلى إيطاليا على متن اليخت الملكي “المحروسة”.
دبر “الضباط الأحرار” انقلابا أطاح بفاروق، ورأوا أن نجيب هو الرجل الذي يمكن أن يمثل نظامهم الجديد أمام الشعب.
وتم تنصيب اللواء نجيب كرئيس للوزراء من قبل مجلس قيادة الثورة بعد شهرين، لكن السلطة الحقيقية في الحكومة كانت تمارس من قبل عبد عبد الناصر ، الذي أصبح نائبا لرئيس الوزراء.
وكان يُنظر للواء محمد نجيب على أنه زعيم صوري للحركة وأن القائد الفعلي هو عبد الناصر، المقدم الشاب الذي سرعان ما أصبح الرجل القوي في مصر والذي أطاح باللواء محمد نجيب من السلطة بعد أقل من عامين كرئيس للبلاد.
وكانت لدى نجيب نظرة سياسية أكثر تحفظا من عبد الناصر والعديد من الضباط الأحرار الآخرين.
الديمقراطية
أراد نجيب أن يرى عودة سريعة إلى الحكومة الدستورية واعترض على الأحكام التي صدرت بحق سياسيين من مختلف الأطياف من قبل المحكمة،
وبحلول فبراير من عام 1954، وصل الضغط عليه إلى النقطة التي قرر فيها اللواء نجيب تقديم استقالته إلى مجلس قيادة الثورة. وأصبح عبد الناصر رئيسا للوزراء، وتركت الرئاسة شاغرة.
لكن تحت ضغوط جماعات مدنية وعسكرية، أعاد مجلس قيادة الثورة اللواء نجيب إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وأعاده إلى منصبه القديم كرئيس للمجلس.
وقد وافق عبد الناصر على بعض طلبات نجيب من خلال السماح بإحياء الأحزاب السياسية والدعوة إلى جمعية تأسيسية لصياغة دستور.
لكن عبد الناصر قام بتطهير الجيش من أنصار اللواء نجيب الذي فقد منصب رئيس الوزراء في أبريل ثم منصب الرئاسة في نوفمبر وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية، ولم يُسمح له إلا بعدد قليل من الزوار.
الإقامة الجبرية
عندما جرت محاولة اغتيال عبد الناصر ناص عام 1954 تم الزج باسم نجيب فيها بشكل غامض حيث اتهمت جماعة الإخوان المسلمين بتدبير الحادث واتهم نجيب بالتعاطف معها، وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية في 14 نوفمبر من عام 1954.
وقال نجيب في مذكراته أيضا عن ذلك اليوم: “يوم ودعت الملك الذي أنتهك الحرمات وأحل الفساد محل النقاء، وجلب الخراب والهزيمة على البلاد، كنت حريصا على أن يكون وداعه وداعا رسميا، ومشمولا بكل مظاهر التكريم و الرعاية و الاحترام، سمحت له أن يأخذ أشياءه الخاصة، وتركت الوزراء والسفراء والحاشية يودعونه، وأمرت أن تطلق المدفعية 21 طلقة، وأن يعزف السلام الوطني لينزل الملك في غاية الوقار إلى اليخت المحروسة”.
وأضاف قائلا: “حافظت على التقاليد والأصول، لكن لم يحافظ جمال عبد الناصر لا على التقاليد و لا على الأصول، وأنا الذي فعلت كل هذا من أجله و من أجل مصر، ومن أجل الثورة، تعاملوا معي كأنني لص أو مجرم أو شرير، ولم يتصل بي عبد الناصر، ولم يقل لي كلمة واحدة، ولم يشرحوا لي ما حدث، ولم يحترموا سني ولا مركزي ولا رتبتي، وألقوا بي في النهاية في أيادي لا ترحم و قلوب لا تحس و بشر تتعفف الحيوانات عن الانتساب لهم”.
وتابع قائلا: “ما أقسى المقارنة بيني و بين فاروق عند لحظات النهاية والوداع، ودعناه بالاحترام، وودعوني بالإهانة ودعناه بالسلام الملكي والموسيقى وودعوني بالصمت والاعتقال”.
وقال نجيب: “إن أصعب شيء على المرء أن يكتب أو يتحدث عن آلامه الخاصة، لكن هنا أنا لا أكتب عن قضية خاصة، وإنما أكتب عن أسلوب الثورة في التعامل مع رجالها، أكتب عن قضية الحريات وتحطيم كرامة الإنسان المصري، فإذا كان هذا مع حدث معي، و حدث أيضا مع العديد من رجال الثورة، فما الذي حدث مع الآخرين”.
السادات
لقد ظل اللواء نجيب منذ نوفمبرعام 1954 رهن الإقامة الجبرية وعلى مدى السنوات الـ 16 التالية، وحتى وفاة عبد الناصر في عام 1970. وقد أطلق سراحه من قبل الرئيس الراحل أنور السادات عام 1971، وظل إلى حد كبير خارج الحياة العامة.
وحول قرار السادات بإطلاق سراحه، قال نجيب في مذكراته: “قال لي السادات: أنت حر طليق، لم أصدق نفسي هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ هل أستطيع أن أتكلم في الهاتف بلا تنصت؟ هل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب؟ لم أصدق ذلك بسهولة، فالسجين في حاجة لبعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة لبعض الوقت ليعود إلى حريته”.
ولم يغادر نجيب الفيلا التي فرضت عليه الإقامة الجبرية فيها رغم تخفيفها عام 1960 وانتهائها عام 1971، وبعد نجاح ورثة زينب الوكيل في استرداد الفيلا خصص له الرئيس السابق مبارك فيلا أخرى.
بين التهميش وإحياء ذكراه
بعد الإطاحة بنجيب، لم يذكر اسمه كأول رئيس لمصر في كتب التاريخ والتعليم. وكان يذكر في الوثائق والكتب أن عبد الناصر هو أول رئيس لمصر.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى تطهير الجيش من أنصاره ومطاردة أنصاره من المدنيين مثل المطرب محمد فوزى
واستمر ذلك التهميش حتى أواخر الثمانينيات عندما عاد اسمه للظهور، فأطلق اسمه على بعض المنشآت والشوارع، ومنها محطة مترو بوسط العاصمة المصرية القاهرة.
في 24 سبتمبر 2007 تم افتتاح متحف خاص لمحمد نجيب في القرية الفرعونية يضم مقتنياته وعدد كبير من الصور.
كما أطلقت مكتبة الإسكندرية في يوليو من عام 2013 موقعا إلكترونيا باسم محمد نجيب.
وفي 24 يوليو 2017 افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قاعدة محمد نجيب العسكرية، بمدينة الحمام في مرسى مطروح، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في إفريقيا والشرق الأوسط.
حياته الشخصية
على الصعيد الشخصي، تزوج نجيب من زينب أحمد وأنجب منها ابنته سميحة التي توفيت وهي بالسنة النهائية بكلية الحقوق عام 1950. وبعد طلاقه من زوجته الأولى تزوج من عائشة محمد لبيب عام 1934 وأنجب منها 3 أبناء هم فاروق وعلي ويوسف.
ويقول نجيب في مذكراته “كنت رئيسا لمصر”: لقد تعذب أولادي كما تعذبت، تعذبنا جميعا داخل معتقل المرج. كان ممنوعا علينا لسنوات أن نستقبل أحدا، وبعد سنوات طويلة سمحوا لنا بذلك، لكن على شرط أن يجلس معنا ضابط ليسجل كل ما يقال، وكانت إحدى نقاط الحراسة تقع على السطح، وكان لابد للجنود والضباط ليصلوا إليها أن يمروا بغرفة نومي”.
ومضى يقول: “وكان من الطبيعي ومن المعتاد أن يفزع الجنود أفراد أسرتي بإطلاق الرصاص في الهواء في الفجر، وفي أي وقت يتصورن أنه مناسب لراحتنا، وكانوا يؤخرون عربة نقل الأولاد إلى المدرسة فيصلون متأخرين ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من الانصراف فيعودون إلى المنزل مرهقين غير قادرين على المذاكرة”.
وتابع قائلا: “كان على من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلي الشروق، وكان علينا أن نغلق النوافذ في الصيف تجنبا للصداع الذي يسببه عمدا الجنود والضباط، كانت نسمة الهواء ليلا في الصيف محرمة علينا، ولم تفلح الشكاوى التي اضطررت لتقديمها بسبب الأولاد لعبد الحكيم عامر وغيره”.
وقد قتل نجله علي في ألمانيا حيث كان يدرس واتهمت العائلة النظام بقتله عن عمر يناهز 29 عاما، ولم يسمح لنجيب بحضور الجنازة أو تقبل العزاء.
كما تم اعتقال نجله الأكبر فاروق بعد أن استفزه أحد المخبرين الذين كانوا يتابعونه وقال له: ماذا فعل أبوك للثورة، لا شيء، إنه لم يكن أكثر من واجهة لا أكثر ولا أقل. فلم يتحمل فاروق هذا الكلام وضرب المخبر، ويومها لم ينم فاروق في البيت فقد دخل سجن ليمان طره وبقي هناك نحو 6 أشهر خرج بعدها محطما منهارا ومريضا بالقلب وبعد فترة قليلة مات.
أما نجله يوسف فقد أصدر عبد الناصر قرارا بفصله من عمله من الحكومة، ليصبح بعدها سائقا في شركة المقاولون العرب بالإسكندرية صباحا، وسائق سيارة أجرة مساء، وذلك بحسب ما ذكره الحفيد محمد نجل يوسف في تصريحات صحفية.
ألف نجيب عدة كتب منها: “رسالة عن السودان”، و”مصير مصر” (باللغة الإنجليزية)، و”كلمتي للتاريخ”، و”كنت رئيسا لمصر”.
توفي محمد نجيب في 28 أغسطس من عام 1984 بعد معاناة من تليف الكبد لسنوات عديدة، وتم دفنه في جنازة عسكرية بحضور الرئيس السابق حسني مبارك عن عمر يناهز 83 سنة”.