الدكتور مصطفى حسين يكتب: الماء سر دوام الحياة
هي مورد طبيعي بتركيبة ربانية تمنح الحياة لكل الكائنات والمخلوقات على هذا الكوكب.
هي تركيبة كيميائية من ابسط ما خلق الله لتكون العنصر الأساسي للوجود، من معجزات خلقه عز وجل للكون، من أسرار باطن الأرض وظاهرها، إنّها المياه.
من حرفان ورقم مزدوج، منظومة هيدروجينية تدير محاور الكوكب، من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه.
ومع ذلك، ورغم حاجته الملّحة لها وإدراكه التام لارتباط وجوده بها بشكل مباشر، إلاّ أنّ الإنسان عاث فسادًا وخرابًا طال مصدر حياته الحيوي، المياه، وكأنّه بطريقة ما يخطط لمشروع انتحاري جماعي ينهي فيه حياته وحياة الاخرين.
ممارساتنا غير المسؤولة في استخدام الموارد المائية وتلويثها لا يختلف كثيرا عن ذاك المدخّن الذي قرّر بكامل أرادته قتل رئتيه، مصدر أنفاسه وبالتالي وضع نهاية ربما تكون قريبة لحياته.
نقاء يسبّح الخالق، عذوبة تمجّد قدرة الله وانتعاش يحيي النفوس قبل الأجساد، تلك هي مياهنا التي قرّرنا نحن البشر العبث بقدسيّتها حتى لو أنّ ذلك سيكلفنا الحياة والوجود.
التلّوث في كل مكان، والبحار والأنهار والينابيع كلّها تطلق صرخات النجدة والاستغاثة لعلّ بعض الوعي والمسؤولية يستفيقان في الضمائر الإنسانية.
لم يوفّر الإنسان في نشاطه التوسعي والتمدّني في أي من القطاعات فرصة تلويث أو سوء استخدام المياه وبالتالي يشهد العالم اليوم أخطر ظاهرة وأسوء ما يهدّد الصحة العامة وسلامة الغذاء وما يدمّر الحياة البحرية والبرية على حدّ سواء.
شكّل النشاط الإنساني التمدّني المفرط العامل الأكبر لزيادة نسب التلّوث التصاعدية السريعة، فقطاع الصناعة مثلا لم يوفّر جهدًا في تلوّث مياه مجاري الأنهار والبحيرات والبحار القريبة من المنشآت الصناعية.
بطريقة أو بأخرى، تؤدي المواد الصناعية إلى تغيير الرقم الهيدروجيني للمياه والذي بدوره يؤدي إلى زيادة المغذيات من أملاح ومعادن وغيره، بالإضافة إلى رفع أو خفض درجة حرارة المياه الذي يؤثر سلبا على حياة الكائنات الحساسة التي تعيش داخلها.
كذلك فإن زيادة الأوساخ وتعكّر المياه يسدّ خياشيم الأسماك فيمنعها من التنفّس ويؤدي أيضًا إلى تغيّر لون المياه الطبيعي من دون أن نغفل عن زيادة الأمراض نتيجة الفيروسات والبكتيريا المتنقلة عن طريق جزئيات التربة إلى المياه القريبة.
إلى الزراعة، حيث تمتزج مياه الري بمبيدات الآفات والأسمدة الكيميائية وحتى الطبيعية منها فتنتقل هذه المياه الملوّثة الى الجداول والأنهار المجاورة.
من جهة أخرى، يؤدي ترسيب النيتروجين في الغلاف الجوي الى ما يعرف بـ”تلوّث المياه بالمغذيات” مثل النيترات والفوسفات، الأمر الذي يسبّب بموت النباتات المائية والطحالب فتتناقص بالتالي أعداد الكائنات البحرية بسبب شحّ الأوكسجين الذي من المفترض أن تأمّنه النباتات البحرية.
المياه العادمة ليست بالحال الأفضل، فمياه الصرف الصحي من الأنشطة المنزلية والزراعية والصناعية والتجارية وجريان مياه الأمطار الذي يجمع معه الزيوت والشحوم والمواد الكيميائية الموجودة في الطرقات ويجرفها مع المياه كلّها تنتهي في البحار والأنهار القريبة بكل ما فيها من ملوّثات ضارة وسامة.
أما أعمال التنقيب والتعدين، فأنها تؤدي الى تشكّل الرواسب وجريان المواد الكيميائية السامة كما تسبّب المناجم المهجورة إلى إطلاق المواد الكيميائية السامة والمعادن الثقيلة الى الجداول والبحيرات فتزداد بالتالي كمية الأملاح والمعادن في المياه، كما يؤدي ارتفاع عدد السكان حول العالم إلى زيادة الاستهلاك وعملية التحضر تؤدي الى تلوّث المياه بشكل مباشر.
هذا ما اقترفته أيدينا وأفعالنا!! ونحن اليوم نعيش مفاعيله السلبية فالأمراض والأوبئة تجتاحنا بمسميات مبتكرة، وأجسادنا تطلق مؤشرات غضبها من على جلودنا وفي أجهزتنا الداخلية التي لم تعد تتحمل الهمجية البشرية.
كل ما هو حي على هذا الكوكب مشروط بوجود المياه، “وجعلنا من الماء كل شيء حي”، فأين نحن من مسؤولية الحفاظ على هذا المصدر الحيوي نظيفًا، صحيًا وأمنا لسائر المخلوقات برا وبحرا؟
أين نحن اليوم من مسؤولية الحفاظ على حياتنا وحياة أبنائنا والأجيال المقبلة؟ وبأية خطوات عملية طارئة قمنا كأفراد وحكومات ومجتمعات؟
الحلول كثيرة على كافة الصعد الفردية والجماعية والحكومية، كلّها مصفوفة مرتّبة داخل أدراج الوزارات والجهات البيئية والصحية المعنية، فما الذي يمنعها من الخروج إلى العلن ويجعلها قيد التنفيذ؟
أين هي المشاريع الوطنية والقومية والخطط البيئية الشاملة لمتابعة ومراقبة وتقييم ممارسات الدول البيئية الإصلاحية في حال وجدت؟
من الممكن نقل مياه الصرف الصحي عبر أنابيب من المنازل بطرق صحية وسريعة لمعالجته بعد ذلك في محطات تكرير خاصة.
من الممكن تقليص إنتاج النفايات المنزلية وخاصة البلاستيك وهو أحد الحلول الفعالة أيضًا للحفاظ على موارد المياه نظيفة وصحية.
من الممكن تبنّي مشاريع الزراعة الخضراء ودعمها أي الزراعات الصديقة للبيئة، من الممكن اعتماد أنظمة ري فعالة لتنظيم استخدام المياه والطاقة والحد من استخدام المواد الكيماوية التي تضاف الى المياه.
من الممكن فرض عقوبات وسياسات خاصة للمصانع والمعامل والمستشفيات والمدارس وغيرها من المركز الكبرى في المدن.
من الممكن والممكن الكثير والكثير، ولكن ما الذي يجعل هذا الممكن وذاك خارج قاعدة التنفيذ؟ وماذا نحتاج نحن العرب في بلادنا لتفعيل جملة من الحلول الممكنة من أجل سلامتنا الصحية والغذائية وسلامة الكائنات الشريكة على هذا الكوكب الأزرق، هذا في حال أبقينا، نحن البشر، على شيء من زرقته المتلئلئة تحت الخيوط الذهبية لشمس ساطعة.