مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

نيلسون مانديلا .. أيقونة النضال في العالم وأول من ناهض التفرقة العرقية في جنوب أفريقيا

نشر
الأمصار

نيلسون مانديلا، الزعيم الأفريقي والبطل الذي ناضل سنين عديدة دفاعًا عن مبادئه وقيمه، وحقوق شعبه، وأصبح مع مرور الزمن أيقونةً للنضال في العالم إذ أعتقل مانديلا لمدة 27 عامًا، وعندما أُطلق سراحه تسلم سدة الرئاسة ليصبح أول رئيس أسود في البلاد. حاز جائزة نوبل للسلام بالاشتراك مع ويليام دي كليرك سنة 1994 وقد توفي عن عمر ناهز الخمس والتسعين عامًا.

 

ولد نيلسون مانديلا في 18 من يوليو 1918 في مفيزو بجنوب أفريقيا، وأقامت عائلته في أكواخ صغيرة، واعتمدت في معيشتها على المحاصيل المحلية، أصبح مانديلا أول شخص في عائلته يذهب إلى المدرسة، وهناك طلب منه المعلم وفقًا للعرف السائد آنذاك ضمن النظام التعليمي البريطاني في جنوب إفريقيا أن يغير اسمه ليصبح فيما بعد نيلسون مانديلا.

 

تُوفي والد مانديلا عندما كان عمره 9 سنوات، مما أدى إلى حدوث تغيير كبير في حياته؛ فقد تولى رعايته أحد أفراد الأسرة الحاكمة لقبيلة ثيمبو، فسافر إلى مقر الحاكم وتكيف سريعًا مع البيئة الجديدة، ولكنه طبعًا لم ينسَ قريته الحبيبة كونو.

 

عكف مانديلا خلال تلك الفترة على دراسة الجغرافية واللغة الإنجليزية والتاريخ، واهتم خصوصًا بالتاريخ الإفريقي، ولاسيما حين سنحت له الفرصة للاستماع إلى زعماء القبائل المختلفة عندما كانوا يَفِدون إلى القصر الكبير في المناسبات الرسمية.

 

كانت أحاديثهم مليئة بالقصص والحكايات التي تروي كيف عاش الأفارقة في سلام وأخوة قبل مجيء البيض إلى أراضيهم، وبثهم الخلافات فيما بينهم. كذلك، استمع إلى القصص التي تحكي كيف تشارك الأفارقة الأرض والهواء والماء مع البيض، الذين احتكروا كل شيء لأنفسهم.

 

عُيِّن مانديلا مستشارًا للعائلة الحاكمة، وتلقى تعليمه الثانوي في مدرسة كلاركيبوري الداخلية، وقد قال في إحدى المرات إن تفوقه الأكاديمي كان ثمرة “الجهد الشاق” الذي بذله أيام الدراسة. كذلك، كان مانديلا متفوقًا في الرياضة، وتحديدًا في الجري والملاكمة، إلا أنه نال قسطًا وافرًا من سخرية زملائه نظرًا لأصله الريفي، ولكنه في نهاية المطاف نجح في عقد صداقات مع العديد من الطلاب، بما في ذلك ماثونا، أولى صديقاته الإناث.

 

سلسلة نجاحاته

التحق مانديلا بجامعة فورت هير سنة 1939، والتي كانت في ذلك الحين الحرم الجامعي الوحيد للطلاب السود في جنوب أفريقيا. تلقى مانديلا جميع المناهج المطلوبة، ولكنه ركّز اهتمامه على القانون الهولندي الروماني بهدف الحصول على وظيفة في المؤسسات العامة، الأمر الذي كان يعد آنذاك المهنة الأفضل للرجل الأسود.

 

في العام التالي، انتُخب مانديلا عضوًا في مجلس الطلاب، وقد كان زملاؤه حينها غير راضين إطلاقًا عن الطعام الذي تقدمه الجامعة، مما دفعهم إلى التهديد بمقاطعة الجامعة، فسار مانديلا على خطاهم واستقال من عضوية المجلس. رأت الجامعة أن هذا التصرف أشبه بالعصيان، لذلك اجتمعت مع مانديلا وأبعدته عن الجامعة لبقية السنة، وخيرته بين الطرد من الجامعة أو العودة عن قراره بالاستقالة من عضوية المجلس.

 

بعدما خرج مانديلا من جامعة فورت هير، استقر في مدينة جوهانسبورج حيث كان يعمل في وظائف متنوعة، ومن ثم التحق بجامعة جوهانسبورج لدراسة القانون. وسرعان ما انخرط مانديلا في الحركات المناهضة للفصل العنصري في البلاد، وانضم إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1942.

وقد عمل بالتعاون مع مجموعات شبابية أخرى على تحويل الحزب إلى حركة شعبية تستمد قوتها من صفوف الفلاحين والعمال. رأى أولئك الشباب، وعلى رأسهم مانديلا، أن الأساليب المتبعة غير مجدية إطلاقًا، لذلك تبنى الحزب سنة 1949 سياسة جديدة تعتمد على الإضراب والعصيان المدني والمقاطعة حتى تحقيق جميع الأهداف المتمثلة في تمتع السود بالمواطنة الكاملة، وإعادة توزيع الأراضي بينهم وبين البيض، وتمتعهم بالحقوق النقابية، فضلًا عن إلزامية التعليم ومجانيته لجميع الأطفال.

 

كان مانديلا مؤمنًا بالخيار السلمي، لذلك قاد حركات الاحتجاج والنشاطات السلمية ضد الحكومة وسياساتها العنصرية، مما دفعها إلى اعتقاله مع 150 شخصًا آخرين، ووجّهت لهم تهم الخيانة العظمى.

 

وفي ذات الوقت، كان حزب المؤتمر الوطني الأفريقي يعاني انقسامًا داخليًا نظرًا لأن بعض أعضائه كانوا يرون أن النشاطات السلمية لم تعد مجدية في وجه سياسات القمع والتعسف للحكومة.

 

بداياته السياسية

وفي عام 1961، حدث تحول في وجهة نظر مانديلا، واعتنق الفكرة القائلة بأن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير المنشود، فشارك مع غيره من المناضلين في تأسيس الجناح المسلح لحزب المؤتمر الأفريقي، والمعروف باسم ” اومكونتو وي سيزوي”. كذلك، قاد مانديلا في ذات السنة إضراب العمال الذي استمر لثلاثة أيام، فاعتقلته السلطات وحُكِم عليه بالسجن لمدة 5 أعوام.

 

ولكن أعيدت محاكمته مرة أخرى سنة 1963، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

 

أمضى مانديلا في جزيرة روبن 18 عامًا من سنين سجنه البالغة سبعًا وعشرين، وقد أصيب خلالها بالسل، فلم يحظَ بالمعاملة الطبية المناسبة نظرًا لأنه سجين أسود. ولم يقف السجن حائلًا أمام طموحه الجامعي، فحصل على درجة البكالوريوس في القانون عبر نظام المراسلة مع جامعة لندن.

 

وفي عام 1982، نُقِل مانديلا مع غيره من قادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي إلى سجن بولسمور.

 

وفي سنة 1985، عرض الرئيس بيتر ويليام بوتا الإفراج عن مانديلا مقابل تخليه عن الكفاح المسلح، ولكنه رفض ذلك طبعًا. وتوالت جلسات التفاوض بين الحكومة ومانديلا دون تحقيق أي اتفاق، حتى تاريخ 11 فبراير 1991عندما أُعلن عن إطلاق سراح مانديلا، وإلغاء أحكام الإعدام في البلاد، فضًلا عن إزالة جميع القيود المفروضة على الأحزاب السياسية، بما في ذلك حزب المؤتمر الوطني الأفريقي.

 

ثمرة النضال

انتُخب نيلسون مانديلا رئيسًا للمؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1991، وتفاوض مع رئيس البلاد آنذاك، فريدريك ويليام دي كليرك، على إجراء أول انتخابات متعددة الأعراق في البلاد. وفي عام 1993، حاز مانديلا وكليرك جائزة نوبل للسلام نظير عملهما المشترك لإنهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وهكذا أُجريت أول انتخابات ديمقراطية في البلاد بتاريخ 27 أبريل 1994، ليصبح بذلك مانديلا أول رئيس أسود في تاريخ جنوب أفريقيا وصار 27 أبريل هو يوم عطلة في جنوب أفريقيا، «يوم الحرية».

 

سعى مانديلا بعد توليه الرئاسة إلى الانتقال بالبلاد من حكم الأقلية إلى حكم الأغلبية السوداء، واستغل حب الشعب وحماسه نحو الرياضة في تعزيز المصالحة بين البيض والسود، عبر دفع السود إلى تشجيع منتخب الرجبي.

 

ومنذ بداية رئاسته، طُلب من مانديلا التحكيم في العديد من النزاعات الأفريقية رغم رغبته في الاستمرار بلاده بالنأي عن نفسها من الصراعات الإقليمية. ومع ذلك، وافق على أن يكون الوسيط في عدة مفاوضات السلام، وخاصة في منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا (زائير ورواندا)، وكذلك في أنغولا، ولكن نتائج تدخلاته كانت ضعيفة ساهم نيلسون مانديلا في وساطات أخرى مثل تيمور الشرقية (1997) والسودان دون إحداث النتائج المرجوة.

 

أرسل مانديلا قوات جنوب أفريقية للتدخل في ليسوتو في سبتمبر 1998 لحماية حكومة رئيس الوزراء باكاليثا موسيسيلي في أول تدخل عسكري له.

 

مانديلا والقذافي

 

جمعت مانديلا معمر القذافي صداقة قوية حيث كان يسميه “زعيم الأخلاقية” أو “الأخ القائد” ومنحه «وسام الرجاء الصالح» في عام 1997، وهو أعلى تكريم في البلاد، وكانت أول زيارة خارجية لنيلسون مانديلا كرجل حر للعقيد الليبي في عام 1990. وكان العقيد أول من يزور مانديلا بعد انتخابه في عام 1994. وآخر رئيس دولة يستقبله في زيارة رسمية في نهاية فترة رئاسته في عام 1999.

 

تدخل الرئيس مانديلا عند القذافي في حل مشكلة محاكمة الليبيين الاثنين المتهمين من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في قضية تفجير لوكربي التي سقط فيها 270 ضحية في عام 1988 اختارت حكومات أميركا وبريطانيا والسعودية مانديلا. في عام 1992، اقترح مانديلا بطريقة غير رسمية على الرئيس جورج بوش الأب محاكمة الليبيين في بلد ثالث. وقبل بوش الاقتراح، وكذلك الرئيس الفرنسي فرنسوا ميتيران وملك إسبانيا خوان كارلوس الأول في نوفمبر 1994، وبعد ستة أشهر من انتخابه، اقترح مانديلا بأن تستضيف جنوب أفريقيا هذه المحاكمة، ولكن رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور رفض هذه الفكرة، قائلا إن حكومته لا تثق في المحكمة محكمة أجنبية جدد مانديلا عرض الاقتراح على توني بلير في عام 1997. في نفس العام، في مؤتمر رؤساء حكومات الكومنولث في إدنبرة، حذر مانديلا قائلا «لا يمكن لأي دولة أن تكون مشتكية ومدعية وقاضية». تم التوصل إلى حل وسط بإجراء المحاكمة في هولندا وبدأ الرئيس مانديلا في مفاوضات مع العقيد القذافي لتسليم المتهمين المقرحي وفحيمة في أبريل 1999

 

وفي 31 يناير 2001، تمت تبرئة فحيمة ولكن أدين المقرحي وحكم عليه بالسجن بسبعة وعشرين عاما سجنا. زاره نيلسون مانديلا في يونيو 2002 وندد بظروف سجنه في حبس انفرادي ز نقل المقرحي إلى سجن آخر ولم يعد يخضع للحبس الانفرادي

 

مانديلا والولايات المتحدة

 

راهنت الولايات المتحدة على جنوب أفريقيا جديدة لبناء سياسة جديدة فعالة انطلاقا من جوهانسبرغ. اعتبرت البلاد كواحدة من الدول العشر ذات الأولوية في العالم، تلقى مساعدات ضضخمة16 % من المساعدات الأمريكية لأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في عام 1997). شجعت وزارة الخارجية الأمريكية على تكوين نخبة سوداء جديدة. إذا كانت الزيارات المتكررة مانديلا ليبيا تزعج البيت الأبيض، فإنها رهنت في الواقع على المستقبل مع ثابو مبيكي، الزائر الدوري للعاصمة واشنطن

كذلك، عمل مانديلا على حماية الاقتصاد الوطني من الانهيار، ووضع خطة لإعادة إعمار البلاد وتنميتها. وفي عام 1996، وقع مانديلا على مرسوم تشريع دستور جديد للبلاد، وأنشأ حكومة مركزية قوية تقوم على حكم الأغلبية، مع ضمان حقوق الأقليات وحرية التعبير. وعندما حان موعد الانتخابات العامة سنة 1999، أعلن مانديلا عزوفه عن الترشح، ورغبته في ترك العمل السياسي.

 

ولكنه استمر في نشاطاته الرامية إلى جمع الأموال اللازمة لتشييد المدارس والمراكز الصحية في المناطق الريفية من جنوب أفريقيا، وعمل أيضًا على نشر عدد من الكتب التي تروي معاناته وكفاحه، نذكر منها: “رحلتي الطويلة من أجل الحرية”.

 

وفي سنة 2004، أعلن مانديلا رسميًا عن تقاعده من الحياة العامة، وعاد ليعيش في قريته كونو.

 

مجلس الحكماء

عقد مانديلا في سنة 2007 اجتماعًا مع عددٍ من زعماء العالم بهدف تأسيس مجموعة عمل معنية بمعالجة جميع الأزمات والمشاكل التي تحدث في مختلف البلدان. أُطلق على هذه المجموعة اسم “مجلس الحكماء”، وقد تمثلت أهدافها في نشر السلام في العالم، وتحقيق المساواة بين الجنسين، ودعم المبادرات الرامية إلى التصدي للأزمات الإنسانية، فضلًا عن تعزيز الديمقراطية.

 

كذلك، واظب مانديلا على مكافحة مرض الإيدز الذي كان متفشيًا في جنوب أفريقيا.

وكان آخر ظهور له في المباراة النهائية لكأس العالم سنة 2010.

 

الجوائز

حصل على عدد من الجوائز والأوسمة منها: جائزة نوبل للسلام عام 1993.

ميدالية الحرية لرئاسة الولايات المتحدة.

وسام كندا.

جائزة لينين للسلام من الاتحاد السوفيتي.

جائزة أتاتورك للسلام من تركيا عام 1999.

منحته الملكة إليزابيت الثانية بيليف الصليب الكبير ووسام القديس جون ووسام الاستحقاق.

وكُرم في أكثر من 50 جامعة منها هارفرد وجامعة براون.

 

الأعمال الفنية والدرامية

هناك العديد من الافلام والمسلسلات التي تناولت سيرته الذاتية فيلم مانديلا ودي كليرك عام 1997- وفي عام 2009 أعدت بي بي سي فيلم السيدة مانديلا- في عام 2009، ظهر مورغان فريمان بدور مانديلا في فيلم “الذي لا يقهر”- في عام 2013، صدر فيلم بعنوان “مانديلا: طريق طويل إلى الحرية” وقام بدور مانديلا الممثل إدريس ألبا.

 

حياته الشخصية

تزوج نيلسون مانديلا ثلاث مرات. كانت زوجته الأولى إيفلين نتوكو ميس (1944-1957) وقد أنجبا أربعة أطفال. أما زواجه الثاني فكان مع ويني ماديكيزيلا (1958-1996) وأنجب منها طفلين، تزوج مرة ثالثة من غراسا ماشيل وبقي معها حتى وفاته. أما من حيث ديانة نيلسون مانديلا ومعتقداته وطائفته الأصلية، فقد ولد لعائلة مسيحية كاثوليكية

 

وفاته

عانى نيسلون مانديلا من أمراض عديدة مثل عدوى الرئة، وأُدخل إلى المشفى عدة مرات خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من حياته.

 

وفي اليوم الخامس من شهر ديسمبر سنة 2013، توفي في منزله بمدينة جوهانسبورج، ليعم الحزن مختلف أرجاء العالم نظرًا للخسارة الكبيرة التي أصابت الإنسانية بوفاة هذا الرمز الذي كان وما يزال مصدر إلهامٍ لمختلف الأشخاص الناشطين في مجال الحقوق المدنية.